وجهة نظر بخصوص حكم المحكمة الذي اعتبر جنحة السرقة في زمن كوفيد 19 جناية
إسماعيل بوكيلي مخوخي
باحث بسلك الدكتوراه مختبر قانون الأعمال
و العدالة البديلة بفاس
و حيث جاء في حيثيات الحكم الصادر
عن المحكمة الإبتدائية بالقنيطرة بتاريخ 09 أبريل 2020
:
.."ومن
جهة ثانية قد ارتكبت أثناء حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها من طرف حكومة المملكة بمقتضى
المرسوم عدد ...وهو ما يعد في نظر المحكمة كارثة بمفهوم الفصل 510 أعلاه، وذلك بالنظر
لما أحدثه انتشار هذا الفيروس في نفوس المواطنين من هلع واضطراب يعجز معهما عليهم حماية
ممتلكاتهم، خصوصا أمام إلزامهم قانونا، وفق المادة الثانية من ذات المرسوم التطبيقي،
بمنع مغادرة محال سكناهم إلا في حالة الضرورة القصوى وبشروط ضيقة ومحصورة تحت طائلة
العقاب الجنائي..."
المنقول من صفحة الأستاذ هشام
بابا المحامي بهيئة الرباط للأمانة.
بداية لقد نص المشرع الجنائي
المغربي في الفصل 505 من ق.ج.م على أنه من اختلس عمدا مالا مملوكا للغير يعد سارقا،
و يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات و غرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم .
و ينص الفصل 510 من ق.ج.م أنه
يعاقب على السرقة بالسجن من خمس إلى عشر سنوات إذا إقترنت بواحد من الظروف الآتية:
و من جملة هاته الظروف إرتكاب
السرقة من شخصين أو أكثر، و كذلك إرتكاب السرقة في أوقات الحريق أو الإنفجار أو الإنهدام
أو الفيضان، أو الغرق أو الثورة أو التمرد أو أية كارثة أخرى..........
بالرجوع إلى الوقائع ينبغي أن
نلاحظ على أن فعل السرقة ارتكب من طرف شخصين قاما بسرقة كبش و وضعاه بصندوق سيارة لشخصين
آخرين، و عند ضبطهما قامت عناصر الشرطة بتفتيش صندوق السيارة الخلفي لتجد بداخله كيس
"خنشة" به كبش من الحجم الكبير و مبلغ مالي موجود بحوزة أحد المتهمين بقيمة
3120 درهم، إذن هنا سنلاحظ على أن عنصر التعدد قائم، بالإضافة إلى أن هذا الفعل ارتكب
في زمن الطوارئ الصحية و التي تم التنصيص عليها بموجب مرسوم، حيث أننا نشهد جائحة فيروس
كوفيد 19 المستجد، الشيء الذي اعتبرته المحكمة كارثة، و أعطت لهذا الفعل المرتكب من
طرف هؤلاء إمكانية إضافة عنصر ثان منصوص عليه في الفصل 510
.
في نظري المتواضع أقول على أن
المحكمة كانت صائبة في حكمها حينما أقرت عدم اختصاصها النوعي في البت في هذه القضية
و ذلك لعدة أسباب أهمها :
أولا : الفعل ارتكب من طرف شخصين
مما يلاحظ على أن الفصل الواجب التطبيق هو الفصل 510 من ق.ج.م .
ثانيا : اعتبار جائحة فيروس
كوفيد 19 كارثة بمفهوم الفقرة السادسة من الفصل 510 من ق.ج.م، و ذلك كون أن التعريف
اللغوي لمعنى الكارثة في قاموس المعجم الوسيط، اللغة العربية المعاصرة، الرائد، لسان
العرب، القاموس المحيط، قاموس عربي عربي يفيد المصيبة العظيمة و الخراب الواسع، أو
النازلة التي تحل بعدد كثير من الناس. و أمام هذا الفيروس السريع الإنتشار الذي أصبح
يقيد حركة المواطنين و المواطنات و يلزمهم باتباع إجراءات السلامة المنصوص عليها من
طرف السلطات مما يتعذر للناس القيام بحماية ممتلكاتهم، و أمام مجموعة من التعاريف التي
نصت عليها عديد المنظمات و الهيئات الدولية لمعنى الكارثة و من أهمها :
هيئة الأمم المتحدة: الكارثة
هي حالة مفجعة يتأثر من جرائها نمط الحياة اليومية فجأة ويصبح الناس يعانون من ويلاتها
ويصيرون في حاجة إلى حماية، وملابس، وملجأ، وعناية طبية واجتماعية واحتياجات الحياة
الضرورية الأخرى.
المنظمة الدولية للحماية المدنية
: الكارثة هي حوادث غير متوقعة ناجمة عن قوى الطبيعة، أو بسبب فعل الإنسان ويترتب عليها
خسائر في الأرواح وتدمير في الممتلكات، وتكون ذات تأثير شديد على الاقتصاد الوطني والحياة
الاجتماعية وتفوق إمكانيات مواجهتها قدرة الموارد الوطنية وتتطلب مساعدة دولية.
دليل الدفاع المدني الصناعي
: الكارثة هي حادثة كبيرة ينجم عنها خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات وقد تكون كارثة
طبيعية مردها فعل الطبيعة، و قد تكون كارثة فنية سببتها يد الإنسان المخربة سواء كان
إرادياً أو غير إراديا، وتتطلب مواجهتها معونة الأجهزة الوطنية كافة أو الدولية إذا
كانت قدرة مواجهتها تفوق القدرات الوطنية.
المنظمة الأمريكية لمهندسي السلامة
: التحوّل المفاجئ غير المتوقع في أسلوب الحياة العادية بسبب ظواهر طبيعية أو من فعل
إنسان تتسبب في العديد من الإصابات والوفيات أو الخسائر المادية الكبيرة، و تعرف أيضا
أنها واقعة مفاجئة تسبب أضراراً فادحة في الأرواح والممتلكات وتمتد آثارها إلى خارج
نطاق المنطقة أو الجماعة المنكوبة.
و كذلك اعتبار الجائحة أو الوباء
من الكوارث الطبيعية التي قد تصيب الصحة، حيث يعرف الوباء بأنه انتشار سريع لمرض معدي
ويعتبر من أكثر الكوارث الطبيعية فتكا، ومنها الطاعون الأسود وبعض أنواع الانفلوانزا
الخطيرة الذي تفشى في القرن الرابع عشر وأدى إلى مقتل ما يزيد على 20 مليون من البشر
أي ما يعادل ثلث سكان أوروبا. ووباء الجدري، والإيدز، وكذلك وجود تخوف لتحول أنفلونزا
الطيور وانفلونزا الخنازير.ومرض الأنف.
ثالثا : عدم الإختصاص النوعي
المنصوص عليه في المادة 323 من قانون المسطرة الجنائية و الذي يعتبر من النظام العام،
حيث تنص المادة على أنه يجب تحت طائلة السقوط، أن تقدم قبل كل دفاع في جوهر الدعوى،
و دفعة واحدة طلبات الإحالة بعدم الإختصاص.............ويتعين على المحكمة البت في
هذه الطلبات فورا......
رابعا : المادة 390 من قانون
المسطرة الجنائية و التي تنص على أنه إن لم يكن للفعل وصف جنحة أو مخالفة تدخل ضمن
اختصاص المحكمة، فإنها تصرح بعدم اختصاصها و تحيل الطرف الذي أقام الدعوى العمومية
على من له حق النظر..........
و بالتالي أؤكد على أن حكم المحكمة
كان صائبا، حيث اقترن بالتعليل السليم آخدة بعين الإعتبار الظرفية الراهنة التي يعيشها
بلدنا الحبيب في ظل انتشار جائحة كوفيد 19 لتكرس تفسيرا صحيحا لمفهوم الكارثة و التي
تدخل ضمن زمرتها جائحة كوفيد 19 فيروس كورونا المستجد......
إسماعيل بوكيلي مخوخي
باحث بسلك الدكتوراه تخصص القانون
الجنائي بفاس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق