الملكية العقارية بين الحماية الجنائية واشكالية النص القانوني
ايتونة
حمزة
باحث
بسلك ماستر قانون الاعمال-تطوان-
نظرا لأهمية العقار ومساهمته في تحقيق التطور والازدهار
الذي تطمح كل دولة للوصول إليه، ونظرا لزيادة الجرائم المتعلقة باغتصاب العقار
والتعدي على الملكية العقارية التي أصبحت تؤرق الكثير من أصحاب العقارات، خاصة في
المدن الرئيسة مع زيادة التوسع و التخطيط العمراني الهائل، وهذا ما دفع المشرع إلى
بسط ترسانة قانونية تتضمن قوانين مختلفة لحماية كل أنوع
الاعتداءات التي قد يتعرض لها العقار [1]، و
بسط نظام الدولة وقوانينها على إقليمها[2].
هذا وقد تولى المشرع المغربي حماية الملكية العقارية منذ
سنة 1913 عندما سن، لأول مرة، دعوى الحيازة بمناسبة وضع قانون المسطرة المدنية
الصادر في 12 غشت 1913، الملغى بقانون المسطرة المدنية الحالي، المأمور بتنفيذه
بالظهير الشريف رقم 1.74.448 الصادر في 11 رمضان 1394 الموافق 28 ستنبر 1974.
ثم عند صدور أول تشريع جنائي سنه 1953 ضمنه المشرع نصوصا
لحماية الملكية العقارية[3]،
وهو الأمر الذي حافظ عليه في القانون الجنائي الحالي الصادر بظهير 1962.11.26[4]،
ثم أضافة حماية أخرى استحدثها[5]،
بموجب قانون المسطرة الجنائية الجديد المأمور بتنفيذه بظهير 02.10.03 .
ويلاحظ
من المقارنة بين النصوص القدية و النصوص الحديثة للقانون الجنائي، أن التشريع
الجنائي المغربي عرف تطورا ملموسا بشأن حماية الملكية العقارية، فبعد أن كان النص
الفرنسي للفصل 333 من القانون الجنائي المغربي القديم، وهو النص الذي كان يتعلق
بحماية الملكية العقارية، يشترط لتوفر جنحة انتزاع العقار من حيازة الغير أن تتوفر
لدى المعتدي نية تملك العقار الذي اعتدى عليه، بحيث إذ لم تثبت في حقه هذه النية
فإن الجنحة لا تتحقق في جانبه، ولا يبقى أمام ضحية الاعتداء سوى اللجوء إلى القضاء
المدني ليطالب باسترداد عقاره؛ جاءت الصياغة العربية من النص المذكور، كما نشرت في
الجريدة الرسمية، خالية من الشرط المذكور، وأصبحت جنحة انتزاع العقار تتوقف على
عنصر استعمال القوة، ولو لم تتوفر لديه نية التملك، بحيث إذا تم الانتزاع بوسيلة
أخرى غير القوة، لم يبقى أيضا أمام ضحية الاعتداء سوى اللجوء إلى القضاء المدني
ليطالب باسترداد حيازته، وقد صدرت عدة أحكام بهذا الخصوص عن المجلس الأعلى[6].
ثم
عند صدور القانون الجنائي الجديد، المأمور بتنفيذه بالظهير الشريف رقم 1.59.413
الصادر في 1962.11.26 جاء الفصل570 منه، وهو النص الذي حل محل الفصلين 33 و 34 من
القانون الملغى، يكتفي لقيام جنحة انتزاع عقار من يد الغير أن يتم ذلك ليلا أو
بالخلسة أو باستعمال التدليس[7]،
و ألغى عنصر القوة[8].
ثم
عند صدور قانون المسطرة الجنائية الجديد أعطى للنيابة العامة و لقاضي التحقيق، كل
في نطاق اختصاصه، حق الأمر برد الحيازة المنتزعة إذا سبق صدور الحكم بردها ثم عاد
المحكوم عليه إلى الاعتداء عليها.
مع
الإشارة إلى أن الحماية المذكورة مقصورة مبدئيا على أراضي الخواص دون الأراضي
الجماعية التي لا يسوغ متابعة المعتدي عليها إلا بعد أن يكون مجلس نواب الجماعة
السلالية المعنية قد أصدروا في حقه أمرا بالإفراغ و التنفيذ ولهذا استقر قضاء
المجلس الأعلى على أن انتزاعها لا يخضع لمقتضيات الفصل 570 من القانون الجنائي ولا
للفصل 166 من قانون المسطرة المدنية.
ثم
إن كثرة النزاعات المتعلقة بالتعدي على الملكية العقارية و التي أصبحت ظاهرة يومية
و ما يؤكد ذلك هو كثرة القضايا المتعلقة بمسائلة التعدي على الملكية العقارية
المعروضة على أنضار المحاكم، و أمام هذا الكم الهائل للنصوص المتعلقة بالعقار وعدم
استقرار رأي المجلس الأعلى – محكمة النقض حاليا – حول تفسير نصوص التجريم والذي
يعكس انعدام بروز سياسة عقارية واضحة لدى المشرع، و هذا ما أدى بنا إلى الاهتمام
بهذا الشق من الموضوع للبحث عن مدى فعالية الحماية الجنائية للملكية العقارية من
خلال دور مؤسسة النيابة العامة في لمس هذه العملية على المستوى الواقعي و الخروج
من فوهة النص القانوني(أ)، من خلال دراسة مقتضى الفصل 570 من القانون الجنائي
الجديد باعتباره – أي الفصل 570 – المرجع الاساسي لذلك(ب)
إن
مسألة حماية الملكية العقارية لم تقتصر على الجانب النصي و إنما أيضا على المستوى
المؤسساتي؛ بمعنى تخويل المشرع بعض المؤسسات القانونية صلاحيات و مسؤوليات حماية
الملكية العقارية ونخص بالذكر هنا دور مؤسسة النيابة العامة في حماية الملكية
العقارية، وإلى جانب الدور التقليدي الموكول للنيابة العامة؛ والمتمثل أساسا في
ممارسة الدعوى العمومية ومراقبتها نيابة عن المجتمع، فإن المشرع من خلال قانون
المسطرة الجنائية رقم 01-22 خول سلطات جديدة للنيابة العامة بقصد التدخل في البث
في الدعوى الزجرية لحماية الملكية العقارية من خلال تمكينها من اتخاذ إجراءات
وقائية و تسخير القوة العمومية لحماية المتضرر، وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه.
وهكذا
نصت المادة 40 من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها الثامنة على أنه " يجوز –
أي وكيل الملك – إذا تعلق الأمر بانتزاع حيازة بعد تنفيذ الحكم، أن يأمر باتخاذ أي
إجراء تحفظي يراه ملائما لحماية الحيازة أو إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، على أن
يعرض هذا الأمر على المحكمة أو هيئة التحقيق التي رفعت إليها القضية أو التي سترفع
إليها خلال ثلاثة أيام على الأكثر لتأييده أو تعديله أو إلغائه ".
وهو
نفس المقتضى نصت عليه المادة 49 من نفس القانون، و الفرق بينهما أن المادة 40
تتحدث عن اختصاصات وكيل الملك بينما المادة 49 تتحدث عن اختصاصات الوكيل العام
للملك في شأن الحماية الجنائية للملكية العقارية.
كما
أنيط بالنيابة العامة - باعتبارها محامي المجتمع – مجموعة من الأدوار بعد المنشور
الذي وجهه وزير العدل إلى جميع الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ووكلاء
الملك لدى المحاكم الابتدائية، وذلك تنفيذا للرسالة السامية الموجهة إلى وزير
العدل حول الاستلاء على أملاك الغير.
وقد
تضمن هذا المنشور عدة توصيات و يتعلق الأمر بـ :
الإشراف
الشخصي على تتبع الأبحاث المفتوحة لهذا النوع من القضايا وإعطائها الأولوية، مع
اختيار وتكليف ضباط شرطة قضائية مؤهلين لا نجاز الأبحاث.
حث
الشرطة القضائية على تسريع وثيرة الأبحاث
المفتوحة في هذا النوع من القضايا والتنسيق مع مختلف المتدخلين في المجال
لإضفاء الجودة والفعالية على الأبحاث.
تفعيل
الإنابات القضائية الدولية للتأكد من صحة العقود المبرمة بالخارج مع استعمال
الوسائل السريعة في التواصل مع السلطات الأجنبية كلما كان القانون أو الاتفاق
يبيحها.
السهر
على تجهيز السلطات المفتوحة سواء أمام قضاة التحقيق أو هيئات الحكم مع تنفيذ
المقررات القضائية الرامية إلى تجهيز الملفات الصادرة في هذا الشأن.
السهر
على تقديم الملتمسات التي تقتضيها متطلبات تحقيقا لأمن العقاري إلى هيئات الحكم والتحقيق.
سلوك
طرق الطعن التي يخولها القانون في شأن المقررات القضائية التي تبدو أنها غير كفيلة
بتحقيق الردع الكافي للحد من خطورة الأفعال المرتكبة.
السهر
على تجهيز الملفات المطعون فيها وإحالتها بالسرعة المطلوبة على جهات الطعن.
فبخصوص
الحماية الجنائية في القانون الجنائي، فقد خصص المشرع المغربي الفرع الخامس من
الباب التاسع من القانون الجنائي للجرائم التي تستهدف الأملاك العقارية، إلا أن
هذا الفرع لم يتضمن إلا فصلا وحيدا فريدا من نوعه، وهو الفصل 570 من القانون
الجنائي- بغض النظر عن بعض النصوص الفرعية، لكن يبقى الفصل "570" هو
الشريعة العامة –الذي ينص على أنه :" يعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر
وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم، من انتزع عقارا من حيازة غيره خلسة أو
باستعمال التدليس، فإذا وقع انتزاع الحيازة ليلا، أو باستعمال العنف أو التهديد أو
التسلق أو الكسر أو بواسطة أشخاص متعددين، أو كان الجاني أو أحد الجناة يحمل سلاحا
ظاهرا أو مخبأ، فإن الحبس يكون من ثلاث أشهر إلى سنتين، والغرامة من مائتين إلى
خمسين وسبعمائة درهم".
ومن
خلال هذا الفصل يتبين أنه ينحصر نطاق تطبيقه في ثلاث حالات وهي :
الحالة
الأولى: وجود الخلسة والتدليس لوحدهما دون اقترانهما بأي ظرف من ظروف التشديد فإنه
في هذه الحالة تطبق العقوبة المخففة الواردة في الفقرة الأولى.
الحالة
الثانية : في حالة تحقق جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير عن طريق العنف أو التهديد
به في هذه الحالة تكون العقوبة مشددة وتطبق العقوبة الواردة في الفقرة الثانية.
الحالة
الثالثة: وهي الحالة التي تكون فيها الخلسة أو التدليس مقرونين بإحدى الوسائل
المحددة في الفقرة الثانية، هنا تعتبر جنحة انتزاع عقار من حيازة الغير مقرونة
بظرف من ظروف التشديد و تكون العقوبة مشددة وتطبق العقوبة المنصوص عليها في الفقرة
الثانية.
كما
أن العقوبات الحبسية و الغرامات المالية المنصوص عليها في هذا الفصل يمكن اعتبارها
مخففة سواء في الجريمة العادية أو التي تقترن بظروف التشديد في عصرنا الحالي، خصوصا وأن المكانة الاجتماعية و الاقتصادية
والثقافية والسياسية التي أصبحت تحضي بها الملكية العقارية بالنسبة للفرد والمجتمع
في تزايد مستمر، لذا ولمزيد من بسط الأمن على الممتلكات العقارية لابد من مراجعة
مقتضيات هدا الفصل حتى يكون في مستوى التطورات السريعة التي تشهدها الملكية
العقارية والتي أضحت تشكل أحد أقطار الثروة في البلاد.
وفي
إطار القانون المقارن نجد أن العديد من الدول والتي من بينها الجارة الجزائر نجدها
حددت عقوبة هذه الجريمة في حدودها الأقصى تصل إلى خمس سنوات بالنسبة للعقوبة
المخففة وعشر سنوات بالنسبة للعقوبة المشددة وبناءا عليه يتبين أن المشرع الجزائري
كان صارما في هذا الصدد على خلاف المشرع المغربي الذي حدد العقوبة الأقصى في كل
الأحوال سنتين.
وما
يمكن الختام به هو أن المشرع المغربي لم يكن موفقا في صياغة الفصل 570 من القانون
الجنائي، ومنه في حماية الملكية العقارية، ذلك أن صياغة الفصل جاءت غامضة ومبهمة وفضفاضة
تقبل عدة تأويلات و تفسيرات، فهي لم تحدد المقصود بالعقار، و أيضا المقصود
بالانتزاع، ثم المقصود بالعنف، كما أن صياغة الفصل غير منظمة بحيث قام المشرع
بإقحام وسائل ارتكاب الجريمة مع الظروف التي تشددها، الأمر الذي أثار العديد من
الإشكالات و التساؤلات بخصوص هذه النقطة، أضف إلى ذلك صياغة الفصل جاءت مقتضبة و
مختصرة ولم تتطرق لمسألة إرجاع الحيازة للحائز الأول وأيضا مسألة رجوع الحائز إلى
عقاره بعد إفراغه منه ثم إن المشرع لم يحدد طبيعة العقار ما إذا كان عقار بالطبيعة
أو عقار بالتخصيص ثم مسألة ما إذا كانت
الحيازة في ملك الجماعة.
وحيث
إن الفصل570 من القانون الجنائي المغربي لا يحمي الملكة العقارية أكثر مما يحمي
الحيازة حسب أغلب الفقه الجنائي، كما أن إرادة المشرع انصبت أثناء صياغة الفصل 570
من القانون الجنائي إلى تكملة القانون العقاري.
وحيث إن وسائل حماية العقار هي المنصوص عليها في
القانون العقاري، ويتعلق الأمر بدعوى الاسترداد و دعوى الحيازة، ولا يسع صاحب
العقار الذي انتزع منه عقاره إلا إتباع الوسائل المحددة في القانون العقاري من أجل
استرداد عقاره، ونظرا للمشاكل وأوجه العنف و الاضطرابات الاجتماعية التي كانت تترتب
ما بين الجاني و صاحب العقار- المجني عليه - من جهة ثانية، الذي كان دائما يختار
أن يقاوم الجاني الذي انتزع منه عقاره، ودرء العنف الذي لم يكن يجد في القانون ما يشفي غليله، وتفاديا
لكل هذا ودرئا للاضطرابات التي كانت تترتب على ذلك، تدخل المشرع الجنائي بنص زجري
غايته ليست حماية العقار المحمي في القانون العقاري، بل تبقى غايته معالجة
الاضطراب الاجتماعي الذي قد يترتب عن هذا الفعل، و ذلك عن طريق ردع الجاني بإقرار
عقوبة حبسية في حقه، وإشفاء غليل صاحب العقار الذي انتزع منه عقاره، ورد اعتباره
خاصة إذا تم تحريك الدعوى العمومية قبل استنفاد الإجراءات المسطرية التي خولها
القانون العقاري إياه لاسترجاع عقاره.
تم بحمد لله
[1]- الحمدي زيد علي يحيى، التأصيل القانوني و
الفقهي لانتهاك حرمة ملك الغير، منتديات ملتقى الموظف الجزائري، نقلا عن الموقع
الإلكتروني التالي:
www .mauazaF-dz/com. تم
الاطلاع عليه بتاريخ 2018/1/1 على الساعة 12:33.
[2]- بعبع إلهام، حماية الملكية العقارية الخاصة،
مذكرة لنيل شهادة الماجيستر، فرع القانون الخاص، كلية الحقوق، جامعة منتوري،
قسنطينة،2008، ص: 03.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق