التسليم المراقب
وتحديات الجريمة المنظمة العبر وطنية
بقلم : سعد مكو
باحث بماستر
قانون الاعمال
بجامعة
عبد المالك السعدي.
الجريمة بصفة عامة هي كل فعل أو إمتناع مخالف
للقانون الجنائي ومعاقب عليه بمقتضاه حسب منطوق الفصل 110 من المجموعة الجنائية
والجريمة ليست من نوع واحد بل تتعدد أنواعها ، وخصوصية كل واحدة منها.
وتتميز
مختلف صور الجريمة المنظمة بطابعها المعقد، وبتداخل بنياتـها العضوية، وإمتدادتـها الترابية الوطنية
والإقليمية ، وإرتباطاتـها بمجموعة من
الشبكات الإجرامية ، وهو ما يجعل مهمة رصدها ومكافحتها ليست بالسهولة
المألوفة في بعض الجرائم العادية فهي تحتاج أولا إلى بنيات أمنية مؤهلة وإلى
تقنيات بحث جنائي متطورة وإلى إطار تشريعي وتعاقدي يقنن التدخلات الأمنية
الممتدة عبر الحدود الوطنية لأكثر من دولة
ويسمح كذلك بمواكبة الإرتباطات العضوية للشبكات الإجرامية في أكثر من بلد
واحيانا في أكثر من قارة 1، بحيث لم تعد الجريمة مجرد نشاط مخالف
للقانون يخضع لسلوكيات الفرد الجانح ، وإنما تطبعت بطابع التنظيم وأصبحت تخضع
لتراتبية بنيوية فضلا عن إمتداد مسرح
الجريمة فيها ليشمل أكثر من دولة وبلد، لا
سيما مع الحركة المضطردة للجناة والمشتبه فيهم عبر الحدود الوطنية للدول 2.
ومواكبة
من المشرع المغربي لهذه الظاهرة الإجرامية الفتاكة فقد أصدر مجموعة من النصوص القانونية كمحاولة
منه لتطويق هذه الجريمة ومحاربتها أو على الأقل التقليل من تداعيتـها الخطيرة ومن
بين الوسائل التي إعتمدها المشرع المغربي ، نجد تقنية التسليم المراقب التي شكلت
تمردا على القواعد العامة في البحث والتقصي عن الجرائم ، ولم يتوقف المشرع
على هذه التقنية فقط وإنما أصدر كذلك قانون خاص بحماية الضحايا والشهود والمبلغين
3 فيما يخص الجرائم المنصوص عليها في المادة 108 ق.م.ج وفي نفس الإطار
وبالعودة لمسودة مشروع قانون المسطرة
الجنائية ، نجد مشرعنا كذلك قد قام بإستحداث تقنية خاصة للبحث عن الجرائم ، تسمى تقنيات الإختراق كأحد
أساليب البحث الفعالة عن الجريمة المنضمة بمختلف صورها .
ونظرا
لتخصص هذه الدارسة حول موضوع تقنيات التسليم المراقب ودوره في مكافحة الجريمة
المنظمة العبر وطنية، فإننا سنحاول ما أمكن معالجة هدا الموضوع من خلال هذا الأسلوب الفريد على أن أخصص في
مقال قادم بحول الحماية الجنائية للشهود على ضوء القانون 37.10.
إذا فإل
أي حد استطاعت تقنية التسليم المراقبة مكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود
الوطنية ؟
هذه
الإشكالية الجوهرية تتفرع عنها مجموعة من التساؤلات الفرعية :
-
ما المقصود بالجريمة المنظمة ؟ وماهي صورها ؟.
-
ما هي الشروط الشكلية والموضوعية لإعمال تقنية التسليم
المراقب؟.
إنطلاقا
من هذه التساؤلات إرتأيت تقسيم هذا الموضوع إلى مبحثين، المبحث الأول: ما هي الجريمة المنظمة العبر وطنية .
المبحث
الثاني : الأحكام الناظمة للتسليم المراقب
.
المبحث
الأول : ماهية الجريمة المنظمة العبر وطنية
إن دراسة
الجريمة المنظمة كظاهرة إجتماعية يجعل الباحث أمام حقيقة أنتروبولوجية مفادها أن
جل المجتمعات الإنسانية عرفت ولا تزال تعرف هذا النوع من الإجرام لكن المؤكد أن
الطابع الحديث للجريمة المنظمة تأثر كثيرا بما حققته البشرية من تقدم علمي
وتكنولوجي بشكل أثر على ذاتيتها من حيث التنظيم والوسائل المستخدمة في إدارة
الأنشطة الإجرامية لدى الجماعات الإجرامية المنظمة 4 وبـهذا سنقسم هذا
المبحث إلى مطلبين (الأول) اخصصه لتعريف الجريمة المنظمة وخصائصها ( والثاني) لصور
الجريمة المنظمة العابرة للحدود.
المطلب
الأول : تعريف الجريمة المنظمة و خصائصها
الـمغرب
من بين الدول القلائل التي إنخرطت بشكل إيجابي في مجمل الإتفاقيات الدولية التي تتصدى
لجميع أشكال الأنشطة غير المشروعة بل إنه من ضمن الدول التي جعلت من استراتيجيتها القضاء على مختلف أنواع الجرم ، الجرم الدولي والإرهاب المادي و الروحي 5.
في هذا
الصدد قام المشرع المغربي بالمصادقة على إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الحدود
الوطنية الموقعة بباليرمو الإيطالية في 92 ديسمبر 2000 6.
وبالعودة
لهذه الإتفاقية وبالضبط المادة 2 منها نجدها تعرف الجريمة المنظمة بأنـها "
جماعة محددة البنية مؤلفة من 3 أشخاص أو أكثر موجودة لفترة من الزمن وتقوم معا بفعل مدبر بـهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من
الجرائم الخطيرة أو الجرائم المقررة وفقا لهذه الاتفاقية من أجل الحصول بشكل مباشر
أو غير مباشر على منفعة مالية أو منفعة
مادية أخرى".
ويرى
الأستاذ محمد محي الدين عوض بأن الجريمة المنظمة مشروع إجرامي يحتوي على أنشطة
إجرامية يرتكبها عدة أشخاص غايتهم الربح غير المشرع وفرد السيطرة والهيمنة على سوق
السلع والخدمات غير المشروعة على نمط المشروعات التجارية المشروعة" 7
وعليه
يمكن القول بأن خصائص الجريمة المنظمة
العبر وطنية هي كالتالي :
1-
التنظيم :
تعتمد العصابة الإجرامية على تسلسل رئاسي
، حيث يتم توجيه الأوامر، من الأعلى إلى القاعدة دون مناقشة أو محاولة
الإبداء الرأي وبالتالي تنفذ فورا.
2-
الجماعة الإجرامية المنظمة : تكون مفتوحة على الجماعات الإجرامية المماثلة لها في النشاط سواء على
الصعيد الوطني أو الدولي وهذه نتيجة حتمية نظرا لخصوصية إجرامها العابر للحدود والذي
يكون له الفضل في التعرف على منظمات تمارس نفس النشاط الإجرامي أو نشاط أخر يكون له الأثر المحمود عل ارتكاب
أنشطة إجرامية أخرى.
3-
التعدد :
لا يـمكن تصور جريمة منظمة إلا إذا تعدد مرتكبوها ... وهذا الشرط هو من أول الشروط
المذكورة في المادة 2 من الإتفاقية المومأ
إليه أعلاه حيث يؤدي هذا التعدد إلى تفرقة المهام مع لإلتزام بالخطة وكذلك فعالية التنسيق ، مع الإلتزام
بالكتمان والسرية والتي يكون من نتائجها الوصول إلى تنفيذ الركن المادي للجريمة
بطريقة فعالة و محكمة.
4-
الدوام:
الأعلى أن الصحابة الإجرامية المنظمة تكونت من أجل الإستمرار وليس للقيام بنشاط إجرامي طارئ فالجريمة المنظمة العبر
وطنية قد يستغرق ارتكابـها شهور عديدة ،
نظرا لطابعها المعقد وأحيانا الفني والتقني، الذي يتطلب الثريت في تنفيذها. كما أن
خاصية الدوام تعني من ناحية أخرى ، تعدد الجرائم المرتكبة والتي تكون مستمرة في الزمن مع إرتباطها بالفعل الجرمي الأصلي وأبسط مثال
على ذلك جريمة غسيل الأموال .
5- الهدف المباشر من الجريمة المنظمة هو
تحقيق ربح أو منفعة مادية وإن تطلب الأمر تقديم رشاوي ، وكمثال على ذلك الخروقات
التي ترتكب على حدود بعض الدول ، خصوصا في مناطق العبور الحيوية ، والتي قد يسمح موظفوها بعبور سيارات مسروقة ومواد مخدرة إلى غير ذلك مقابل
شراء ضمائرهم بمبلغ مالي دون الإهتمام بالأخطار التي قد تصيب الدولة. وكذا المجتمع،
جراء هذه الأفعال المنافية لسلوك.
بعد
تطرقنا في هذا المطلب إلى تعريف الجريمة المنظمة وخصائصها ، ماذا عن صور الجريمة
المنظمة العبر وطنية؟.
المطلب الثاني : صور الجريمة المنظمة .
ليس من
اليسير وضع لائحة شاملة للجرائم التي تدخل في مجال الجريمة المنظمة لأن الجماعات
الإجرامية المنظمة تنوع من أفعالها تبعا
لمستوى الأرباح التي تحققها من أنشطتها الإجرامية إلى أن ذلك لا يمنع من الإشارة
إلى بعض الجرائم الأصلية وأخرى تابعة وهذا الإتجاه الذي سارت فيه المادة 3 من
الإتفاقية الأمم المتحدة وكذلك المادة 1
من إعلان نابولي السياسي.
وبالتالي
يكون من المفيد ذكر الأنشطة الإجرامية التي تشكل بعض صور الجريمة المنظمة العبر
وطنية ، مع الإقتصار على أهمها :
1-
البغاء
: من بين أشهر المنظمات الإجرامية العبر وطنية المختصة في البغاء هي منظمة الثالوث
أو ما يصطلح عليها بمنظمة السماء فوق الأرض حيث تعد هذ الأخيرة منظمة إجرامية ذات
صيت عالمي تمارس أنشطتها في العالم تأسست سنة 1674 وقد جندت هذه المنظمة أشخاصا
معروفين بسوابقهم الإجرامية وكل من أراد ركوب المخاطر مقابل تحفيزات مادية. مهمة
ومع تزايد أعداد المنظمة وجدت صعوبة كبيرة في ضبط عناصرها. وتوجيه سلوكاتـهم.
الأمر الذي جعلها تتحول رويدا رويدا من حركة
تحرر إلى منظمة إجرامية كما أنه
في أحيان كثيرة أرغم أعضاؤها على التعاطي لبعض الأنشطة الإجرامية لتأمين حاجياتـهم
الضرورية ويخضع الانضمام لهذه المجموعة إلى مجموعة من الطقوس ذات الطابع الروحي ،
تختتم بأداء قسم الجماعة وتبني شعارها" أحبوا السماء كأبيكم والأرض كأمكم"
وتمارس هذه المنظمة أنشطتها بشكل رئيسي في ولايات "Taiwan-Fugian
Gyangdony " 8
وأمام
تفاشي هذه الظاهرة ألزم المنتظم الدولي إلى إبرام إتفاقيات مـتعددة الأطراف، نذكر
منها على وجه الخصوص إتفاقية الإتجار بالأشخاص واستغلال بغاء الغير، الموقعه في
دجنبـر1949 ومواكبة المملكة المغربية في التصدي لجريمة البغاء أصدر القانون 03-24
المعدل والمتمم لمجموعة القانون الجنائي 9
حيث نص
على أن العقوبة المخصصة لهذه الجريمة
تتراوح بين الحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة مالية من خمسة الاف إلى
مليون درهم وتطبق هذه العقوبة في حق المساهم أو الفاعل الأصلي والمشارك وتتضاعف
العقوبة حسب منطوق الفصل 501 من نفس القانون من أربع سنوات إلى عشرة سنوات وغرامة من خمسة ألاف
إلى عشرين ألف درهم ضد كل من أعد مؤسسة
وأدارها أو مولها لتستغمل بصفة اعتيادية للدعارة أو البغاء.
2-
الهجرة غير المشروعة : مما لا شك
فيه أن ظاهرة الهجرة السرية أضحت في الأونة
الأخيرة تجارة ناجحة ومربحة جدا تقوم بـها عصابات إجرامية دولية متخصصة، كانت في البداية تستعمل وسائل
بدائية لنقل المهاجرين السريين مثل
القوارب المستعملة في الصيد ثم تحولت بعد
ذلك إلى اعتماد وسائل متطورة من قبل قوارب الزدياك المطاطية.
والمشرع
المغربي محاولة منه لمداربة وزجر هذه الجريمة أصدر القانون 03-02 10 الذي
يقنن دخول وإقامة الأجانب بالمملكة
المغربية والهجرة الغير المشروعة وطبقا للمقتضيات هذا الظهير فإن العقوبة تتراوح
مدتـها من شهر واحد إلى خمسة عشر سنة ،
وغرامة مالية تتراوح بين ثلاثة الاف درهم وميلون درهم ، وتطبق هذه العقوبات في
حق كل من المساهم والمشارك والفاعل الأصلي
كما يترتب على الهجرة الغير المشروعة
احكام الإقتياد إلى الحدود والطرد على غرار العقوبات السالف ذكرها 11.
3-
الإتجار الغير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية : يشكل الإتجار
الغير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية من أكبر المجالات التي تنشط فيها
الجماعات الإجرامية المنظمة نظرا لما تحققه هذه التجارة من أموال طائلة وبمقابل
ذلك تعتبر هذه التجارة الغير المشروعة أفة خطيرة تدمر الشباب على وجه الخصوص ولذلك
كان من الضروري على الدول أن تنخرط في
اتفاقيات ثنائية نذكر منها على وجه الخصوص :
إتفاقية الأمم المتحدة المكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثرات العقلية فينيا1984.
الإتفاقية
العربية لمكافحة الاتجار غير المشروع بالمخدرات والمؤثراث العقلية الموقع في 19 أبريل 2001.
4-
غسيل الأموال : تعتبر ظاهرة غسل الأموال من المواضيع الأنية التي
تستأثر بالإهتمام الدولي والوطني على حد سواء ، حيث أن خطورتـها أضحت مؤثرة على
توازنات البلدان الإقتصادية والاجتماعية والسياسية من خلال الأعمال الإجرامية التي
تلجأ إليها الشبكة الإجرامية بـهدف إظفاء المشروعية على مردود أنشطتها 12
ووعيا من
المجتمع الدولي بالفراغ القانوني الذي يستغله المجرمون ثم إصدار العديد من الإتفاقية المنصبة في هذا
الإطار أهمها :
·
إتفاقية قمع تمويل الإرهاب الموقعة بنيورك في 09
يناير2000.
·
اتفاقية مكافحة الفساد الموقعة بنيويورك 31 اكتوبر 2003،
وبالعودة للمشرع المغربي فإنه قد قام بإخراج فيض من النصوص القانونية أهمها
القانون 03-03 13المتعلق بالجريمة الإرهابية والقانون 05-43 14 المتعلق بمكافحة غسل الأموال
وتمويل الإرهاب.
بعد تطرقنا في المبحث الأول إلى تعريف الجريمة
المنظمة وخصائصها وصولا إلى صورها يحق لنا أن فتساءل عن دور تقنية التسليم المراقب
في محاربة الجريمة المنظمة العبر وطنية ؟.
المبحث
الثاني : الأحكام الناظمة للتسليم
المراقب.
إن
الموقع الجغرافي للمغرب المتميز بإعتباره، نقطة تقاطع العديد من المسارات والمسالك
البحرية والجوية جعله غير بعيد عن مخاطر الجريمة المنظمة خاصة في صورها المتعلقة
بالإتجار غير المشروع في المخدرات والمؤثرات العقلية و بالهجرة غير المشروعة والإتجار
بالبشر، فضلا عن هذه التقاطعات المحتملة بين هذه الصور الإجرامية والظاهرة
الإرهابية 15الشيء الذي حتما على المشرع المغربي ضرورة إيجاد آلية متطورة من أجل التصدي
لهذا النوع من الإجرام هذه الآلية تسمى التسليم المراقب ومحاولة منا المعرفة هذه
التقنية بشكل مفصل فضلت الحديث عنها عبر مطلبين (المطلب الأول) شكليات التسليم
المراقب (المطلب الثاني ) الأنشطة الإجرامية المشمولة بالتسليم المراقب .
المطلب
الأول : شكليات التسليم المراقب
يندرج
هذا الإجراء كألية من آليات البحث والتحري
بخصوص الجرائم العابرة لمجال الإختصاص القضائي المحلي وذلك لتتبع المجرمين
والعائدات المتحصلة من إجرامهم 16وذلك سيرا على نـهج الإتفاقيات الدولية
والتي يتـبق أهمها. إتفاقية الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة الفساد
الموقعة بنيويورك 2004 ، وكذلك
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة الموقع في باليرمو سنة 2000 سيرا على هذا المنوال قام
المشرع المغربي بإعتماد تقنية التسليم المراقب . بمقتضى قانون 10-13 17 المغير و المتهم لمجموعة القانون
الجنائي والمسطرة الجنائية.
وتعني
تقنية التسليم المراقب ، حسب مقتضيات المادة 1-82 من قانون المسطرة الجنائية بأنه
الأسلوب الذي يسمح بموجبه بعبور شحنة غير مشروعة أو يشتبه في كونـها كذلك إلى داخل المغرب وخارجه
أو عبره دون ضبطها أو بعد سحبها أو استبدالها كلية أو جزئيا ، تحت مراقبة السلطات
المختصة بقصد التعرف على الوجهة النهائية لهذه الشحنة والتحري عن جريمة والكشف عن
هوية مرتكبيها والأشخاص المتورطين فيها وإيقافهم، ويراد في مدلول هذا الفرع بشحنه
غير مشروعة الأشياء أو الأموال التي تعد حيازتـها جريمة أو تكون متحصلة من جريمة أو
كانت أداة في ارتكابـها أو معدة لإرتكابـها".
كما نص
في المادة 1-749 من نفس القانون على أنه يمكن لدولة أجنبية أن تطلب من السلطات
المغربية المختصة تنفيد عملية تسليم مراقب داخل إقليم المملكة على أن تنفذ هذه
العمليات وفق للتشريع المغربي بإذن من الوكيل العام للملك
وبعد موافقة وزير العدل ودون أن يكون التنفيذ من شأنه المساس بسيادة المملكة
المغربية أو أمنها أو نظامها العام أو مصالحها الأساسية".
عطفا على
ما سبق فالتسليم المراقب، هو أولا نشاط سلبي، يقوم به موظف الأمن الوطني والجمركي
العامل في النـقطة الحدودية، إزاء شحنات غير مشروعة كيف ذلك ؟.
فهو
يمتنع عن ضبطها وتوقيفها وحجزها لبعض الوقت ليسمح لأجهزة أمنية أخرى بتتبع ومراقبة
تلك الشحنات إلى غاية وصولها إلى وجهتها النهائية ليتسنى في الأخير توقيف جميع أفراد
الشبكة الإجرامية 18
ويتم
التوصل بطلبات التعاون في إطار مسطرة التسليم المراقب من مكتب أنتربول الدولة التي
ترغب في إجراء مسطرة التسليم ، حيث تقوم مديرة الشرطة القضائية التي يتبع لها
المكتب المركزي الوطني أو ما يسمى بمكتب " انتربول الرباط" 19
بإشعار
وزير العدل والحريات الذي يعطي موافقته للوكيل العام للملك الذي يرجع الإختصاص له
ترابيا ليأمر بتنفيذ عملية التسليم المراقب وبعد ذلك يتم إعلام مصالح الأمن
والجمارك ، التي ستمر من دائرة نفوذها الترابي الشحنات غير المشروعة لتسهيل عملية
مرورها وذلك على أن تتكلف عناصر من شرطة الدولة الطالبة بتتبع مسار هذه
الشحنات خارج حدود المغرب إلى غاية وجهتها
النهائية.
وبعد
إنتهاء العملية ،يتم تبادل المعلومات العملياتية بشأن الجناة ليتم فتح بحث مواز
بالمغرب حول باقي الشركاء والمساهمين الموجودين داخل المغرب.
بعد
تعرقنا على شكليات التسليم المراقب بقي لنا أن نتساءل عن طبيعة الجرائم المشمولة بالتسليم المراقب؟.
المطلب
الثاني : الجرائم المشمولة بالتسليم المراقب
قد
يتباذر إلى ذهن القارئ الكريم هل تقنية التسليم المراقب، مرتبطة فقط بجرائم
المخدرات ؟ .
الجواب
بالنفي لأنه بعد صدور اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية
الموقعة في بالبرمو لسنة 2000 نصت في المادة 20 ،على
التزام كل دولة طرف بأن تقوم ضمن حدود إمكانيتها ووفقا للشروط المنصوص عليها في
قانونـها الداخلي إذا كانت المبادئ الأساسية لنضامها القانوني تسمح بذلك باتخاذ ما يلزم من تدابير لإتاحة الإستخدام المناسب للتسليم المراقب ، وكذلك
ما تره مناسبا من استخدام أساليب التحري الخاصة الأخرى ، " مثل المراقبة
الإليكترونية أو غيرها من أشكال المراقبة والعمليات المستترة من جانب سلطاتـها المختصة داخل إقليمها لغرض مكافحة
الجريمة مكافحة فعالة ".
إذن
يتبين من خلال هذه المادة أن التسليم المراقب يمكن اللجوء إليه في أية جريمة تـهدد
النظام السياسي والإقتصادي والإجتماعي إلى أنه بالعودة للمشرع المغربي. نجده قد
حصر إعمال التسليم المراقب على الجرائم
المنصوص عليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية كالجرائم الماسة بأمن الدولة الداخلي أو
الخارجي الجرائم الإرهابية جرائم تزوير
وتزيف النـقود وسندات القرض العام الأسلحة والذخيرة والمتفجرات الجرائم المتعلقة
بالنظم المعالجة الآلية للمعطيات إلى غير ذلك من الجرائم المنصوص عليها في هذه
المادة . 20
وبـهذا
فهذه التقنية يتم الإستعانة بـها في جميع الجرائم
ليس فقط جرائم المخدرات بل في كل أنواع الأنشطة الإجرامية الماسة بسمعة
الدولة ، ومنها الجريمة المنظمة العبر وطنية .
كما قد
يتباذر إلى الدهن سؤال أخر هو في حالة
غياب هذه التقنية أي قبل التنصيص على هذه الآلية في قانون المسطرة الجنائية ، ألم
يكن المشرع المغربي ينفد أي عملية لتسليم المراقب ؟ في ضل غياب تقنية التسليم
المراقب ، كان المغرب يعتمد على مقتضيات المادة 11 من الاتفاقية الدولية الصادرة
عن الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية ، مع الإعتماد كذلك على مقتضيات المادة 713 من ق.م.ج التي تمنح الأولوية للإتفاقيات الدولية
على القوانين الوطنية في مجال التعاون القضائي الدولي مع الدول الأجنبية أي أن
الإتفاقيات المبرمة من طرف المغرب في مجال التعاون القضائي الدولي تبقى قابلة
للتنفيذ وتحظى بالسمو في التطبيق حتى في ضل انعدام النص الوطني.
أما
بخصوص حصيلة التسليم المراقب ، فتوضح المؤشرات الرقمية التي تمسكها مصالح المديرية
العامة الأمن الوطني بأن هذا الأسلوب يتميز بالنجاعة والفعالية في مجال مكافحة
الاتجار غير المشرع في المخدرات ، إذ عرفت سنة 2015 تنفيذ 9 عمليات مشتركة مع دول أجنبية
ثمانية الشرطة الإسبانية وواحد مع الشرطة الفرنسة وأسفرت عن حجز أكثر من 11
طنا و 719 كيلوغراما من مخدرات الحشيش فظلا عن
توقيف 19 مشتبه فيه من جنسيات مختلفة ، أما سنة 2014 فقد شهدت تنفيذ عملية 1 وأسفرت عن ضبط
722 كيلوغراما من مخدر الحشيش وتوقيف شخص واحد.
أما في
سنة 2013 فقد نفدت الشرطة المغربية 11 عملية مشتركة مع فرنسا مما مكن من حجز 2 طن
و977 كيلوغراما من مخدر الحشيش، وتوقيف 16
شخصا أيضا تميزت سنة 2012 ، تنفيذ 15 عملية تسليم مراقب أسفرت عن توقيف 30 شخص
فضلا عن حجز 9 اطنان و345 كيلوغراما من المخدرات 21.
يمكن
القول بأن أسلوب التسليم المراقب يعد من أفضل
وأنجح تقنيات البحث الخاصة، لأنه
يسمح لأجهزة العدالة الجنائية بتوقيف الناقلين والمزودين والمنتجين والوصول إلى
غاية المجرمين الذي يختبؤون عادة وراء
أنشطة قانونية ومشروعة للتملص من المتابعة الجنائية والهروب من قصاص العدالة .
نافلة
القول فإذا كانت الجريمة لا تعترف
بالحدود فإن مشرعنا أثناء صياغة
للنصوص القانونية كذلك لا يعترف بالحدود فكما يحاول المجرم استخدام دسائسه وحياله الإجرامية تسعى أجهزة العدالة الجنائية
من أجل تطويق ومحاصرة مختلف هاته الحيل وصولا إلى الغاية النبيلة ألا وهي الحفاظ على
الأمن والنظام العام بمختلف أنواعه .
الهــــوامـــش
1- بوبكر سبيك، " الجريمة
المنظمة العابرة للحدود الوطنية "
مقال منشور على مجلة الشرطة غشت 2014 العدد1،ص36.
2- يوسف الشامي وبوبكر سبيك ، " التسليم
المراقب عين الأمن على مسار المخدرات" مقال منشور على مجلة الشرطة –فبراير –مارس2016
العدد 14 ص 25.
3- ظهير شريف رقم 164-11-1 صادر في 19 من ذي
القعدة 1432 (17 اكتوبر 2011) بتنفيذ القانون 10-37 بتغير وتتميم القانون 01-22.
4-أحمد بوصوف، " الجماعات
الإجرامية المنظمة ( أصلها و أنشطتها)" مقال منشور بمجلة الشرطة غشت
2016-العدد20 ص 34.
5- العربي مياد " الجريمة
المنظمة اخطارها ووسائل زجرها في التشريع الوطني والدولي " مقال منشور على
مجلة الأمن الوطني" – العدد228-2004 ص14.
6- الظهير الشريف رقم 132-02-1
المؤرخ في 4 دجنبر 2003 بنشر إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة
الموقعة بباليرمو الجريدة الرسمية عدد5186 بتاريخ 12 فبراير 2004.
7 -العربي
مياد م س،ص24.
8- أحمد بوحوف،م،س،م،ص35.
9- الظهير
الشريف رقم 207-03-1 بتنفيذ القانون 03-24 بتاريخ 11 فبراير2003.
10- الظهير الشريف رقم 19-03-1
الصادر في 16 رمضان 1424/11 نونمبر -2003 بتنفيذ القانون رقم 03-02 المتعلق بدخول
واقامة الأجانب بالمملكة المغربية وبالهجرة غير المشروعة.
11- الحبيب بيهي " الحدود الفاصلة بين اللجوء
السياسي والهجرة الغير المشروعة" مقال منشور على مجلة الأمن الوطني،
العدد227-2003ص25.
12- حسن ادريبلة " غسل
الأموال مناهج التجريم والإشكالات القانونية، مقال منشور على مجلة الشرطة –
العدد6-2015-ص24.
13 - ظهير شريف رقم 140-03-1 صادر في 26 من ربيع
الأول 1424/28 ماي2003 بتنفيذ القانون رقم03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب.
14 - ظهير
شريف رقم 79-07-1 صادر في 28 من ربيع الأول1428/17أبريل 2007، تنفيذ القانون 05-43
المتعلق بمكافحة غسل الأموال ..ج.ر.د.ع 5522-03-05-07 .
15- بوبكر سبيلت –م-س-ص38.
16 -نبيل بوعاود، " خصوصية" البحث
والتحقيق في الجرائم المالية" ، بحث نـهاية التكوين بالمعهد العالي للقضاء
بالرباط- السنة 2013-2011-ص:85
17 -ظهير شريف رقم 111-05-1
صادر في 20شوال 1432/20 يناير2011) تنفيذ القانون رقم 10-13 المتعلق بتغير وتتمم مجموعة القانون الجنائي والقانون
رقم-01-22 والقانون 05-43 المتعلق بمكافحة غسل الأموال.
18- يوسف
الشامي –بوبكر سبيك-م.س.م.ص23.
19 - فاضل أطاع الله "منظمة الإنتربول
تحالف أمني من أجل عالم أكثر أمنا" مقال منشور بمجلة الشرطة –يوليوز- غشت
2007 العدد30/31 ص:25.
20 -hassan dribla « , l’infiltration des réseaux criminels
« Revue de police – Aout 2016 N° 18.P : 27.
21- إحصائيات صادرة عن المديرية العامة الأمن
الوطني اوردها بوبكر سيبك مرجع سابق ص: 23.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق