خصوصيات

مسؤولية الدولة للقضاء على الارهاب


مسؤولية الدولة للقضاء على الارهاب


بقلم : عبد الوهاب اهرموش
باحث  تخصص تدبير الشان العام المحلي بطنجة.
سيتم اصدار كتاب قريبا للباحث  تحت عنوان :
 " مخطط المغرب في محاربة الارهاب والتطرف ، دسترة المجلس العلمي الاعلى نموذجا".
مقدمة:
  ان إشكالية الإرهاب و مخاطره على القارة السمراء، على المستوى البري والبحري والجوي ليس وليد اللحظة بل هو نتيجة تحالفات وصراعات سياسية دموية عرفها العالم منذ القدم، ومفهوم الإرهاب لم يتطور إلا بعد تطور عدة عوامل داخلية وخارجية ساهمت بشكل كبير في قتل الأبرياء وزعزعة الأمن و الاستقرار لكيان أي دولة تحت ذريعة ما يسمى اليوم بالحرب على الإرهاب.
فالمغرب بدوره انخرط في مسلسل التنظيم الاستراتيجي لمكافحة هذه الظاهرة التي أودت بحياة الأطفال و النساء بدون معرفة من المسؤول هل الدولة أو الحكومة أو الأفراد في عدم فهم غموض ونواقص هذه اللعبة السياسية تحت تواطؤ مكشوف مع التحالفات من اجل القضاء على ظاهرة الإرهاب.
وهذا ما سأحاول دراسته من خلال هذا المقال المتواضع الذي يندرج ضمن موضوع: " مسؤولية الدولة للقضاء على الإرهاب "، حيث جاء على لسان وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي، الأستاذ ناصر بوريطة انه تم انتخاب المغرب، الذي يترأس حاليا إلى جانب هولندا المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، الذي يضم 30 من أكثر الأعضاء انخراطا على الصعيد الدولي في مجال مكافحة الإرهاب، لولاية ثانية تمتد حتى عام 2020، مشيرا إلى التزام المملكة بتعزيز العديد من المبادرات ذات الصلة بالأبعاد الرئيسية لمكافحة الإرهاب، مثل احتواء تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب، وتعزيز أمن الحدود، وكذا معالجة مسألة "الإرهاب المحلي"، ويدخل هذا ضمن  تعزيز العلاقات بين  المملكة والولايات المتحدة لتطوير وثيقة الممارسات الجيدة بهدف مواجهة تهديد الأفراد المتأثرين أو المسيرين من قبل تنظيمات إرهابية أجنبية.
ومنه، فالسياسة التي تبنها المغرب في السنوات الأخيرة تأتي في سياق الانفتاح على الصعيد الدولي والإفريقي من خلال تعزيز الاوراش الاقتصادية والاجتماعية، نتيجة للحروب التي تعرفها بعد الدول العربية( ليبيا و سوريا..الخ)، واعتبارها الأرض التي تنتج هذه الظاهرة هذا من جهة.
ومن جهة ثانية فالمنتظم الدولي لم يجد تعريف لظاهرة الإرهاب فالبر جوع إلى الصراع الذي عرفه العالم من أزمات ونكسات يمكن ان نقول بأنها بمثابة البوابة الأولى للانطلاق من ظاهرة الإرهاب، بمعنى فالشعوب التي تريد ان تتحرر من القيود والعبودية الواعية بمشاكلها يمكن ان تكون ضمن المخططات التي مافتئت تنتظر أي صراع كيفما كان شكله أو نوعه من أجل التدخل لحماية أمن الدولة و كيانها بدل التدخل لحماية الأبرياء.
وعلى هذا المنوال  فقد جاء على لسان الأستاذة الفاضلة فاطمة الخال،[1] " أن صعوبة الإرهاب الذي تفاقم في السنوات الأخيرة لا تقاس بعدد المجرمين بقدر ما تقاس بعدد الضحايا الذين يموتون بمسرح العمليات، في ظل هندسة دستورية تحترم حقوق الإنسان والحق في الحياة أساسا، إلا أن الدستور في الفصلين ( 21/22) لم يتطرق للآليات الضرورية في حالة المساس بهذا الحق.
وهذا ما سأقوم بدراسته ضمن هذه الإشكالية التالية: هل الإرهاب أصلا موجود؟ و ما مسؤولية الدولة للقضاء على ظاهرة الإرهاب؟ كيف يمكن للإرهاب ان يتأثر على الاقتصاد العالمي في إطار عولمة العولمة؟
ولمحاولة الإجابة عن هذه الإشكالية الرئيسية، سنقسم موضوعنا هذا إلى الحديث (أولا) عن الإرهاب و الضحية، وكذا مسؤولية الدولة للقضاء على الإرهاب ( ثانيا).

- أولا: الإرهاب و الضحية:
  قد يستغرب المرء أن فكرة ما يدور حوله النقاش اليوم في الساحة الدولية هو تحديد مفهوم الإرهاب الذي وضع له عدة باحثين تعريفات متعددة على سبيل المثال" الإرهاب هو القتل و الاغتيال و التخريب و التدمير و نشر الشائعات و التهديد و صفوف الابتزاز و الاعتداء".
وكما بينا يدور النقاش حوله اليوم في الساحة الدولية والوطنية وجود تعريف أخر للإرهاب من خلال هوية الفاعل ، فيعتبر العنف ضد المدنين وغير المدنين لأهداف سياسية إرهابا إذا كان مرتكبه فردا أو مجموعة أفراد، أو تنظيما من خارج مؤسسات الدول.
أما إذا قامت أجهزة الأمن أو الجيش بإعمال عنف وقتل ضد المدنين بهدف الترويج لغايات سياسية، فلا يعتبر هذا الفعل إرهابا،[2] فمثلا يحصر بريان كروزيه،[3]( 1918-2012) الإرهاب في المتمردين على الدولة، ويضيف إليه التهديد باستخدام العنف، إذ يعرفه بأنه العنف، أو التهديد باستخدام العنف، لأغراض سياسية، الذي يمارسه المتمردون أو خصومهم كسلاح.
وعرفت وزارة الخارجية الأمريكية في عام 1999 الإرهاب على انه عنف معتمد بدوافع سياسية ضد أهداف غير مقاتلة من طرف المجموعات دون الوطنية أو عملاء سرين.
كما عرف الاتحاد الأوربي الإرهاب في عام 2011 على أنه " الجرائم التي ترتكبها فردا أو جماعة عمدا ضد دولة أو أكثر، أو ضد مؤسساتها أو شعبها، بهدف التخويف أو بهدف تغيير جدي للنظام السياسي و الاقتصادي أو الاجتماعي لبلد أو تدميره.
وتنطلق التعريفات الرسمية المعاصرة التي تقدمها القوانين والمواثيق إذا من هوية الفاعل وليس من هوية الضحية:" أي ان المهم ان من يقوم بالقتل مدني وليس ان الضحية هو مدني، وهذا عكس ما يظن عادة لأول وهلة حين سنسمع مصطلح الإرهاب"، وعكس المنطق.
فالإرهاب بالنسبة إلى هذه التعريفات عنف خارج القانون، تقوم به جماعات أو أفراد من خارج الدولة، سواء أكان موجها ضد مدنيين أوعسكريين[4].
ولكن إشكالية الدولة للقضاء على الإرهاب يتجلى لقمع الدول ضد المدنين وفرض العقوبات الجماعية هي إشكالية أخلاقية متعلقة بإلحاق الضرر بالأبرياء للذين لم يقترفوه، ولأنه من المفترض ان تكون حمايتهم وضمان أمنهم من أهم وظائف الدولة إذا كانت دولتهم، إما إذا كانت دولة معادية فيفترض ان تخوض حربها ضد دولة أو تنظيم وليس ضد الأبرياء.
وأخيرا ثمة علاقة بين عمليات الجيوش و الأجهزة الأمنية، ضد المدنين وظاهرة الإرهاب بتعريف الدول نفسها للإرهاب.
 مما لا شك ان هناك مشاكل عديدة تنشأ بصدد تعريف مفهوم الإرهاب وتحديد أبعاده المتعددة، حيث تختلف نظرة كل مجتمع من المجتمعات لعملية الإرهاب و الارهابين، وبناءا عليه يكون هناك حكم نسبي في النظر لتلك الأعمال العنيفة والقائمين عليها[5].
 فالمغرب بدوره لم يكن بعيدا عن هذه الحملة العالمية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من اجل القضاء على الإرهاب في مفاسقه الأولية، عبر إصلاح البيئة التي شكلت وسطا ملائما لتفريخ الإرهاب وتغذيته، والتي تعد المنظومة الدينية احد أهم عناصر هذه البيئة، إذ غدا المغرب شأنه شأن باقي الدول العربية والإسلامية  مضطرا إلى تجسيد الرؤية الأمريكية في مكافحة "الإرهاب الفكري"، على ارض الواقع، وانخرط بدوره في مسلسل مراجعة الشأن الديني، بعد الأحداث الأثيمة التي عرفتها الدار البيضاء 16 ماي 2003، متوجها بشكل أساسي إلى المؤسسات والقنوات التي تمر عبرها القيم والتمثلاث الدينية وتنتقل إلى المجتمع، كالمؤسسات الإعلامية والتعليمية والدينية.
إذ ستشهد هذه المؤسسات، تطورات هامة بعد11شتنبر2001، وهي تطورات وتحولات في رأي العديد من الباحثين والمتتبعين للشأن الديني في المغرب تصب في إطار الإستراتيجية الأمريكية وتنضبط لأهدافها المرسومة و المتمحورة في جملتها حول ضرورة تجريد الخطاب الديني الإسلامي من السمات المتطرفة المعادية للغرب وتكييفه مع قيم التسامح والحوار[6].
- ثانيا: مسؤولية الدولة للقضاء على الإرهاب
  ان مسالة الدولة ضرورة ملحة لأي مجتمع سياسي لابد له من سلطة تحكم وتضع له قوانين وقواعد من اجل حياة أكثر أمانا، لان الأمن هو الخيط الرابط بين الدولة والمواطنين، فالمسؤولية إذن على أساس المخاطر باعتبارها مسؤولية تعويضية ولا تنطوي على أي خطأ، وهل يعتبر التعويض الحماية الكافية لمواجهة الإرهاب[7]؟
 ان التعويض غير كافي لمواجهة الإرهاب بل فقط بإصلاح أثاره، ويجب حمل مظلة التعويض للضحايا دون الاستناد إلى الإرهاب، أي البحث والتساؤل عن الحل لتعزيز وضعية المتضرر من الإرهاب ، خصوصا في إطار تكنولوجية متقدمة و دينامية مجتمعية طبقا للفصل 79 من قانون الالتزامات و العقود الذي استمر أكثر من قرن من الزمن، وكيف له ان يصمد أمام إشكال جديدة من الإرهاب وأضرار جد متطورة؟
بالنظر إلى خطورة هذه الجريمة على أمن والسلم والاستقرار ليس فقط على الدولة التي ارتكبت فيها بل على المجتمع الدولي ككل، فإن المشرع سن قواعد استثنائية تطلبها الموقف لتحكم في الجريمة ولردع الجنات، وهي تتجلى في عمل الشرطة القضائية المكلفة بالبحث التمهيدي أو في عمل قاضي التحقيق أو في الاختصاص القضائي .

و بالرجوع إلى مقتضيات المادة 1-595 نجد أنه يمن للوكيل العام للملك بمناسبة إجراء بحث قضائي أن يطلب معلومات حول عمليات والتحركات أموال يشتبه في أن لها علاقة بتمويل الإرهاب.
كما يمكن أيضا لقاضي التحقيق ولهيئة الحكم إذا أحيلت عليهما مسطرة لها علاقة بتمويل الإرهاب طلب المعلومات حول عمليات أو تحركات يشتبه في أن لها علاقة بتمويل الإرهاب.
وبموجب المادة 4-595 من ق م ج يقصد بالتجميد المنع المؤقت لنقل الممتلكات أو تبديلها أو التصرف فيها أو تحريكها أو إخضاعها للحراسة.
كما أن السلطات القضائية لها الصلاحية في أن تأمر بتجميد أو حجز الأموال المشتبه في أن لها علاقة بتمويل الإرهاب كما يمكن طلب المساعدة من بنك المغرب لتنفيذ هذه التدابير.
أما عن الإجراءات المسطرية للتعاون الدولي في مكافحة تمويل الإرهاب ،أجازت المادة 6-595 من ق م ج للحكومة، في إطار تطبيق الاتفاقيات الدولية في مجال مكافحة تمويل الإرهاب المنضمة إليها المملكة المغربية والمنشورة رسمية أن تحيل ،بطلب من الدولة أجنبية ،للطلب إلى وكيل العام للملك لاتخاد الإجراءات المثمتلة في البحث عن إحدى جرائم تمويل الإرهاب وتجميد الممتلكات أو حجزها، واتخاذ الإجراءات التحفظية بشأن الممتلكات المذكورة.
ويجوز للوكيل العام للملك رفض الطلب إذا كان من شأن تنفيذه المس سيدة الدولة أو أمنها أو مصالحها الأساسية أو النظام العام ، أو صدر في شأن الأفعال المتعلق بها الطلب مقرر قضائي نهائي في التراب الوطني، أو كانت الأفعال المقدم على أساسها الطلب لا علاقة لها بتمويل الإرهاب.
ويتوقف هذا على ترخيص من الوكيل العام للملك، كل تنفيذ في التراب الوطني لمقرر تجميد أو حجز أو مصادرة صادر عن سلطة قضائية أجنبية وقدم في شأنه طلب من لدن السلطة المذكورة.
  وبالنسبة للقضاء العادي نقول بأنه حامي الحقوق ولكن القضاء الإداري فهو بمثابة صمام الأمل لما نقول مسؤولية الدولة يعني خضوعها للقضاء وإلزامها النزوع على أحكامه، وبالنسبة للقانون 03/03، حدد فيه المشرع الأفعال الإرهابية وشدد العقوبة إلا انه لم يسمح للمتضرر بالمطالبة بالتعويض داخل المربع الجنائي.
- خاتمة:
 ان الحماية المترتبة على تعزيز امن وسلامة الدولة من ظاهرة الإرهاب والتطرف ليس من خلال تنزيل هذه القوانين بقدر ما يتم توسيع دائرة القضاء لتعويض الضحايا عن الأضرار الناتجة عن التفجيرات الإرهابية التي عرفها المغرب من قبل الأحداث الأثيمة بالدار البيضاء و مراكش، وإحالتها  للقضاء ونزوعها على أحكامه لأنه لا ديمقراطية حقيقية بدون رقابة قضائية قوية.
وان حماية الإرهاب يستلزم امتداد لعدة أجنحة تتمثل في المواجهة الأمنية ونظرة فكرية جديدة من خلال الاعتماد على البعد الاجتماعي، تم بعدها المواجهة التشريعية، أو ما يسمى بآنسة القضاء.
- بقلم : عبد الوهاب اهرموش
- سيتم إصدار كتاب بعنوان، " مخطط المغرب في محاربة الإرهاب و التطرف، دسترة المجلس العلمي الأعلى".





[1] - فاطمة الخال، الرئيسة الأولى لمحكمة الاستئناف الإدارية بمراكش، وأول من بحث في موضوع " الإرهاب و الدولة من القضاء الإداري"، من واقع عضويتها في  حكم " اطل ساسني" وتتبعها للاجتهاد القضائي خلال مسارها البحثي و الأكاديمي.
[2] - عزمي بشارة،"  الإرهاب : بموجب هوية الفاعل أم بموجب هوية الضحية"، سياسات عربية، ص 13
[3] - بريان كروزيه هو مؤسس معهد دراسات الصراع the Institute for the study of conffict.ISC في لندن عام 1970، و الذي ترأسه خلال عقد السبعينات، والمدعوم من طرف أجهزة المخابرات الأمريكية و البريطانية.
[4] - عزمي بشارة، مرجع سابق ص 14
[5] - سامي حامد عباد، "استخدام تكنولوجيا المعلومات في مكافحة الإرهاب"، رسالة الماجستير في القانون ، الطبعة الأولى سنة 2007 ، المطبعة شركة الجلال للطباعة- العامرية.ص14.
[6] - حاتم البقالي،" السياسة الدينية بالمغرب: المحددات والرهانات –مرحلة ما بعد 16 ماي 2003"، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، السنة الجامعية 2007/2008،ص52.
[7] - مقتطف من الندوة العلمية المقامة على شرف الأستاذة لطيفة الخال بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، المنظم من طرف ماستر الإدارة، حقوق الإنسان و الديمقراطية، بشراكة مع هيئة المحامين بمحكمتي اكادير والعيون بقاعة العروض التابعة لفضاء المحامين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق