دور المجلس الوزاري في تجسيد السمو الملكي
نورالدين التقاوي
باحث في القانون العام والعلوم السياسية،
كلية الحقوق-
سطات.
مقدمة
تعد مؤسسة المجلس الوزاري هيئة حكم عرفتها جميع المحطات
الدستورية ونظمتها في فصولها منذ سنة 1962، وتتجلى أهمية هذا المجلس في كونه يعتبر
مجالا للتداول ومكانا لاتخاذ أكبر القرارات في حياة الدولة، هذا المجلس الذي رآه
"ألان كليس" على أنه العنصر الدينامي والمحرك الأساسي للعمل الحكومي فهو
الذي يقرر في جميع المسائل والقضايا التي تهم السياسة العامة للدولة، وما يقتضيه
الأمر من ترسانة تشريعية في مختلف المجالات والقطاعات الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية والسياسية أي كل ما يتعلق بأوجه النشاط الحكومي، ونظر إليه العميد هوريو
على أنه مجلس مؤلف من وزراء يتخذ باجتماعاته التدابير الأساسية للحكومة. وله صبغة
مزدوجة، فهو من جهة يمارس وظائفا ذات صبغة
سياسية، ويشكل شيئا مغايرا للإدارة وأسمى منها،
ومن جهة أخرى حين يرتدي نشاطه صبغة إدارية، يعتبر واحدا من الأجهزة العليا
للإدارة. وكما أنه أهم مؤسسة دستورية بصفة عامة. وأهم مؤسسة حكومية على الإطلاق.
ويمكن النظر إليه من زوايا متعددة. إذ تتعدد مفاهيمه بتعدد وجهات نظر الأطراف
المشاركة فيه، أو بتعدد الجهات المساهمة في هذه المؤسسة، فإذا ما نظرنا إليه من
وجهة نظر رئاسة الدولة بشكل عام أمكن القول أنه فرصة لإقرار التوجهات العامة
للحكومة أمام كل الوزراء. ووسيلة لإظهار الخلافات مهما كانت بين الحكومة ورئاسة
الدولة. أما من وجهة نظر الحكومة فهو فرصة لإقرار التوجهات العامة للحكومة أمام كل
الوزراء.
ووعيا
منا بأهمية هذه المؤسسة ومكانتها المهمة في البناء الدستوري المغربي ارتأينا أن
نبحث فيها نظرا لارتباطها بالملكية بالمغرب بغية التعرف على قنوات نظام الحكم
المغربي، نظرا لكون هذه المؤسسة تنظيم دستوري للحكومات في البلدان البرلمانية وشبه
البرلمانية، يجمع كل الوزراء لمداولة وإعلان مجموعة من وجهات النظر، حول مواضيع
معينة يتم عرضها عليه قبل البت النهائي فيها.
كما أن
انتقال المغرب من الملكية التقليدية إلى الملكية الدستورية غير الشيء الكثير من
طبيعة السلطة السياسية، خصوصا دستور 2011 الذي عمل على "علمنة" المجال
من خلال الفصل بين الوجه الديني (أمير المؤمنين) والزمني للمؤسسة الملكية (رئيس
الدولة)، ولكن هذا الوجه الزمني أو المدني لا زال يتميز بالقوة رغم كل قواعد
الدستورانية، ومن بين هذه المؤسسات التي تبرز التفوق الملكي هي المجلس الوزاري عبر
تجسيدها السمو الملكي (المحور الأول) والحضور الاستشاري لرئيس الحكومة والوزراء (المحور
الثاني).
المحور
الأول: رئاسة الملك للمجلس كمظهر للسمو الملكي
إن
السلطة الملكية في المغرب ذات طبيعة خاصة، فهذه السلطة لا تقبل التصنيفات
الدستورية المستمدة من الغرب، إذ ليست تشريعية ولا تنفيذية ولا قضائية، بل هي
العناصر مجتمعة ومضاف إليها مضمون ديني عميق[1]ويرى أحد الباحثين[2] أن حتى التعديلات الدستورية، لم تكرس فقط المؤسسة
الملكية كمؤسسة مركزية ومحورية، يل جعلها مؤسسة ضرورية ولازمة لوجود واشتغال باقي
المؤسسات الأخرى ولممارسة اختصاصاتها، بل وحتى تلك التي توجد خارج المجال المؤسسي
الرسمي، مما يجعل منها مؤسسة المؤسسات[3] وقد سبق لأبا حنيني في خطابه حين المصادقة على دستور
1972، على أن الأمة أرادت للملك الوضعية السامية الممتازة، ومن مضمون هذه الوضعية
وضع اليد العليا والمراقبة الشاملة على جميع أجهزة الدولة أيا كانت بدون استثناء،
وهذه القاعدة منصوص عليها في الأحكام السلطانية كذلك...[4] فالوظيفة المعلنة للدستور هي تأكيد "محورية"
المؤسسة الملكية التي تتظافر المرجعيات المعتمدة تقليدية كانت أو حديثة على
تكريسها وترسيخها، ويتجلى ذلك من خلال الصلاحيات الواسعة التي يتمتع بها الملك
سواء في الظروف العادية أو الاستثنائية، وتجد الصلاحيات الملكية في ثلاثة دساتير
معتمدة بالمغرب:
-
الدستور التاريخي الذي ينظم حقل إمارة المؤمنين؛
-
الدستور العرفي الذي ينظم حقل التحكيم؛
-
الدستور المكتوب الذي ينظم حقل الملكية الدستورية.
وتتظافر هذه
الدساتير الثلاثة لتنجز وظيفية وظيفة "معلنة" وهي تأكيد محورية والإحالة
إلى مبدأ مركزي ضابط للدستور وهو وحدة السلطة.[5] لتحتل
بذلك الملكية مكانة سامية بين المؤسسات الدستورية وتوجد في قمتها، فتكريسها كمؤسسة
يبدو من خلال الضمانات المخولة لها بمقتضى النصوص الدستورية، فضلا على أن هذا
التكريس يكتسي طابا احتكاريا، حيث تحتكر لوحدها الصفة المؤسسية، وهو ما يرمي باقي
البنيات المكونة للمحيط العمومي والمجال السياسي في أحضان الغموض والمتغير
واللاشكلية.[6]وكما أن هناك واقعا لا يمكن نكرانه هو أن هناك حضورا
قويا للملكية في واجهات الفعل، فمنذ الستينات ظهرت كنظام ملكية تسود وتحكم[7]، وهذا الحضور القوي في جميع المجالات كان لا بد أن
توازيه مكانة خاصة وفائضا في السلط والمهام، فالمؤسسة الملكية تقوم بمهام رئاسية
كبرى مثل رئاستها لمؤسسة المجلس الوزاري، حيث ينص دستور 2011 في الفصل 48 على ما
يلي: " يرأس الملك المجلس الوزاري، الذي يتألف من رئيس الحكومة
والوزراء..." إذن فحسب منطوق الدستور فإن الملك هو من يتولى رئاسة المجلس
الوزاري[8] مما يعيد إنتاج بنية وجود السلطة ولعل عبارة
"الممثل الأسمى" تجعل من الملك فوق جميع السلطات.[9] رغم أن لا أحد ينكر أن ورش دستور 2011 كشف على العديد
من التعديلات التي مست توازن السلط وسير المؤسسات، لكنه في نفس الوقت عمق الأسئلة
حول سمو الملكية أمام سمو الوثيقة الدستورية، مما يبرز معه وجود إشكال مرجعي،
ستكون له انعكاسات على سير المؤسسات والممارسات السياسية وممارسة العمل الحكومي،
كما من شأن هذه الانعكاسات أن تصيب الجوهر الديمقراطي للدستور الجديد، وأن المشرع
الدستوري، وهو يفكر في صوغ متن الوثيقة الجديدة، لم يقطع مع الدساتير الخمسة السابقة ويؤسس لفلسفة دستورية
جديدة، بل اعتمد خيار التغيير ضمن الاستمرارية، لذلك حافظ للملكية على مكانتها
المحورية في البناء الدستوري.[10]وقد كرس دستور 2011 في فصوله المتناولة للمجلس الوزاري
طابع السمو الملكي، وذلك من خلال المؤشرات التالية:
-
استقرار كل الدساتير على اسناد رئاسة المجلس الوزاري
للملك؛ حيث إذا كان رئيس الدولة في النظام البرلماني لا يرأس ولا يحضر اجتماعات
مجلس الوزراء إلا بصفة عرضية، بحيث تكون رئاسته له في هذه الحالة رئاسة شرفية أكثر
منها رسمية، ولكن رئيس الجمهورية في النظام البرلماني المتطور يدعوه للانعقاد
ويرأس اجتماعاته.[11]
-
المجلس الوزاري كهيئة تقريرية يضم داخل بنيته الرئيس
والمرؤوسين، مما يعطي التفوق للملك؛
-
سلطة تقديرية واسعة على مستوى تحديد زمن ومكان انعقاد
المجلس والحسم في جدول أعماله وسير أشغاله؛
-
غياب أي إطار قانوني أو تنظيمي لسير أشغال المجلس وكيفية
اتخاذ القرار فيه، يبين أن الإرادة الملكية لا يمكن أن تقيد بقانون؛
-
طبيعة القضايا المتداولة في المجلس الوزاري ذات أبعاد
استراتيجية ومهمة؛
- عمل الحكومة على تنفيذ
القرارات، في حين سهر الملك الشخصي على تتبع تنفيذها، أو تكليف أحد المستشارين وذلك
بفعل الصبغة العلوية لتلك القرارات المتخذة.
-
رئاسة الملك للمجلس الوزاري تمتح أهميتها وسندها من
التاريخ الدستوري المغربي، ومجموع روح الدستور خصوصا الفصل 48 ؛
-
استمرارية الحضور الوازن للمؤسسة الملكية، وتكريس منطق
الازدواجية داخل السلطة التنفيذية ( مجلس وزاري/ مجلس حكومي) مع تجسيد منطق
الغلبة؛
-
رئاسة الملك للمجلس الوزاري لا تعكس الاستثناء المغربي[12]،
حيث نجد نفس الأمر في التجربة الفرنسية وإن اختلفت الجزئيات؛ وهو رئاسة المجلس من
طرف رئيس الجمهورية؛[13]
-
رئاسة الملك للمجلس ليس رئاسة للمجلس "كحدث"
وإنما رئاسة فعلية للمؤسسة تجسد سلطة الملك في اتخاذ ما يراه مناسبا من القرارات[14].
و
الملاحظ أيضا هو حضور مستشارو الملك، رغم عدم وجود أية إشارة في الدستور لذلك. إذن
فما هو السند الدستوري والقانوني لتواجد المستشار الملكي وما هي حدود تدخله؟
إن تكريس
وظيفة المستشار الملكي داخل المشهد السياسي المغربي، ترجع إلى الملوك الذين
تعاقبوا على حكم المغرب منذ الاستقلال إلى الآن قد اتخذوا مستشارين لهم، وقد بقيت
وضعية المستشار الملكي تفتقد منذ ذلك الحين لأي وضع دستوري أو قانوني لتحديد
اختصاصاته[15]. وينتمي المستشار الملكي إلى هيئة الديوان الملكي حيث
يتألف هذا الأخير من:
-
مدير عام؛
-
مدير؛
-
رئيس الديوان؛
-
مستشار قانوني؛
-
ملحقون؛
وبالرجوع
إلى مسألة حضور المستشار الملكي داخل المجلس فإننا نسجل الملاحظات التالية:
الملاحظة
الأولى: إن المستشار الملكي لا يتصرف إلا وفق المهام الموكلة له، وبتعليمات صريحة
ومحددة من قبل الملك،[17]
وهذا ما يفهم منه على أنه لا حاجة للمستشار الملكي لأي إطار دستوري أو
قانوني مادامت تتحدد مهامه بناء على الأوامر الملكية، لأنه في الأصل لا اختصاص
للمستشار بل الاختصاص يكون ملكيا فيكلف المستشار به.
الملاحظة
الثانية: مكان جلوس مستشارو الملك في منضدة خاصة[18]يوحي
أنهم لا يدخلون ضمن التشكيلة والتي سبق أن حددها الدستور في الفصل 48 منه، حيث أن
مهامهم تتحدد في مساعدة الملك وإبداء الرأي والمشورة للملك فقط، دون المساهمة في
النقاش، وكما أن حضورهم ضروري بحكم أن كل مستشار يكون مكلفا بتتبع ملف ما.
ويطرح
كذلك تساؤل آخر في هذا الصدد، هل يجوز للمستشار الملكي الحضور للمجلس الوزاري في
حالة تفويض رئاسته لرئيس الحكومة؟
نرى هنا
أنه لا مانع من حضور المستشار الملكي، رغم ارتباط هذا الأخير بالملكية، وذلك أن
رئاسة المجلس هي اختصاص أصيل للملك، وكما من حق الملك أن يرسل أحد مستشاريه لمعرفة
الظروف التي دارت فيها الأشغال ومضمون المناقشات والآراء التي تم تداولها.
إن معظم
الصلاحيات التي يمارسها رئيس الحكومة، وهي جوهر سلطته وفق ما ينص عليه دستور 2011،
فإنها لا تنأى عن مراقبة الملك وتوجيهه من خلال ضرورة إحالتها دستوريا على المجلس
الوزاري، وهو ما يجعل الوزير الأول -رئيس الحكومة- يحتل المرتبة الثانية في
الدولة، فعندما يحل الملك تتحول وضعية رئيس الحكومة إلى وزير ضمن باقي الوزراء إلا
أنه المفضل بينهم، ورئيسهم ومخاطب الملك ووسيطهم ووسيطه لدى جهاز الحكومة[19] ويرصد الأستاذ مصطفى قلوش هذا الأمر داخل المجلس
الوزاري من خلال كون الملك هو الذي يدعو إلى انعقاد المجلس الوزاري وهو الذي يوافق
على جدول أعماله، بحيث يقتصر دور الحكومة على إبداء وجهات النظر التي لا تقيد
الملك الذي يعود له وحده أمر اتخاذ القرارات النهائية في كل المسائل التي تعرض على
المجلس الوزاري.[20]
وبالنسبة
للحضور الاستشاري لباقي المكونات يذكر سعيد السعدي كاتب الدولة لدى وزير التنمية
الاجتماعية والتضامن والتشغيل المكلف بالرعاية الاجتماعية والأسرة والطفولة في
حكومة عبدالرحمان اليوسفي في 14 مارس 1998، أنه خلال سنتين ونصف تقريبا قضاها في
منصبه لم يتكلم قط في مجلس وزاري، وحتى في حالة تدخل الوزراء فأنهم يكتفون بتقديم
وجهات نظرهم بشكل موجز.[21] وهذا ما سبق أن أكده "كلود بالازولي" حيث جنح
إلى اعتبار القرار في المجلس الوزاري لا يعود للحكومة، فتكتفي فقط بالآراء مثل
الحكومة الأمريكية، بل يعود ذلك للملك.[22]
وتنحصر
صلاحيات التواجد الحكومي في اجتماعات المجلس في مهام استشارية، بالنظر إلى غياب أي
تصويت محتمل على القرارات المتخذة داخل المجلس، مما يجعل دورها لا يتعدى الاصغاء
والاستشارة،[23] ثم بالنظر إلى كون الملك يقوم بالتحكيم بين قرارات
الحكومة والنتائج المترتبة عنها مستقبلا.[24]
ولقد
أثار هذا الدور الاستشاري نقاشا أكاديميا، حيث يرى أحد الباحثين[25] أن قلة الكفاءة، وغياب تصور وقوة اقتراحية لدى أعضاء
النخبة الوزارية، وسيادة الانتظارية والاتكالية والتبعية في ثقافتهم السياسية،
كلها عوامل تساهم في محدودية دورهم في المجلس الوزاري، ومن تم في برمجة السياسات
العامة للدولة. وعلى العكس من ذلك فإن البعض يربط ذلك بطبيعة الحكومة هل
تكنوقراطية[26] أم سياسية، حيث يرى أن جلسات المجلس الوزاري سوى
اجتماعات للموافقة على جدول الأعمال المعروض، دون أن يظهر لهذه الحكومات أي دور في
قراراتها النهائية، وكذا افتقادها إلى رؤية سياسية، مقارنة مع الحكومة السياسية؛
حيث يكون حضورها وازن داخل المجلس الوزاري، فحضور حكومة سياسية ببرنامج متعاقد
بخصوصه مع ممثلي الأمة، معناه ضرورة العمل على تفعيل هذا التعاقد، وبلورة هذا
الميثاق الذي على أساسه نصب مجلس النواب الحكومة.[27]
وفي
رأينا فإن كلا الأطروحتين تجانبان الصواب فالأولى المتعلقة بانعدام الكفاءة لا
تستند إلى أي معايير ومحددات واضحة من أجل الاستدلال على ضعف الفاعل الوزاري
والتشكيك في قدراته، بقدر ما يدخل هذا الرأي في خانة الأحكام المسبقة وتعميم
الاستثناء، أما الثانية التي تربط وزن الحكومة بطبيعتها السياسية، فإن هذا الأمر
مجانب للصواب والواقع، لأن السائد والمطلوب هو سدادة الرأي والمشورة المقدمة داخل
المجلس وليس انتماء الوزير أو عدم انتمائه، كما أن بعض الأحزاب الإدارية قد يصح
عليها هذا الوصف التكنوقراطي، مما يضفي نوعا من الغموض حول هذا الرأي.
ونرى أن
السبب في الحضور الاستشاري[28] يرجع إلى عمومية النص الدستوري الذي لم يحل إلى أي
قانون أو نظام داخلي ينظم المجلس الوزاري، وكما هو معلوم فالغموض دائما يفسر لصالح
الملكية، ثم بالإضافة إلى سطوة التقليد داخل النظام السياسي المغربي عامة، مما
يجعل أمر مشاركة الحكومة في أي نقاش في قرار ملكي أمرا مستبعدا، مع التذكير برئاسة
الملك للوزراء، وكونه هو الذي يعينهم وله الحق في إقالتهم.
ولكن
المشرع الدستوري بموجب الفصل 48 أعطى لرئيس الحكومة آليتين أساسيتين من أجل
الاشتراك في مجالس المجلس الوزاري، وذلك كنوع من انفتاح الملكية على محيطها:
- طلب رئيس الحكومة من الملك
عقد مجلس وزاري[29]: لقد خول الفصل 48 لرئيس الحكومة أن يطلب من الملك عقد
مجلس وزاري بناء على طلب يوجهه للملك، وذلك لأن رئيس الحكومة نظرا لصلاحياته التي
أصبح يتمتع وكذا بإشرافه المباشر على الإدارة ورئاسته للسلطة التنفيذية، يمكنه أن
يلفت نظر الملك إلى نقطة مهمة تندرج ضمن صلاحيات المجلس الوزاري، ويكتسي البت فيها
طابعا استعجاليا، ولكن الإشكال المرتبط بتفعيل هذا الأمر هو أنه لا يمكن للمرؤوس
أن يلزم رئيسه بشيء ما، مما قد يجعل الأمر يرجع للتقدير الملكي كونه من يرأس
المجلس ويحسم في نقط جدول أعماله وتاريخ انعقاده، وكما أن الملك غير ملزم حتى
بالإجابة على هذا الطلب ،وبالنسبة لهذا الأخير نرى أنه يجب أن يتضمن بعض النقط
الرئيسة:
ü تحديد النقط الاستعجالية
المراد مناقشتها؛
ü اقتراح مشروع تاريخ انعقاد
المجلس على الملك في الطلب بما يتناسب مع الدافع لتوجيه الطلب؛
-
رئاسة رئيس الحكومة[30] لمجلس
وزاري بناء على تفويض ملكي: إن ترسيم مطلب إمكانية رئاسة رئيس الحكومة لمجلس وزاري
بناء على تفويض ملكي يعتبر استجابة لمجموعة من الأصوات الأكاديمية والسياسية التي
كانت تطالب بهذا الأمر، حيث في دستور 1996 كان أمر الرئاسة محصورا في الملك مع عدم
إمكانية أي تفويض رئاسته، حيث اعتبر الأستاذ نجيب الحجيوي أن الدستور المغربي
-1996- قد التزم الصمت في هذا الشأن، وهي ثغرة دستورية تنضاف إلى مجموع الثغرات
التي يعرفها القانون الدستوري المغربي[31]. ولكن هذه الرئاسة ترجع للتقدير الملكي وتحديد جدول
الأعمال،[32] مما يجعلها بيد الملك، حيث منذ المصادقة على الدستور لم
يسبق للملك أن فوض رئاسة مجلس وزاري لأي رئيس حكومة،[33]ونعتقد في تقديرنا أن هذا الأمر ربما يرجع لضعف الثقة
الملكية في الفاعل السياسي والحزبي "...إذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع
بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي
للشعب..."[34] ويقول هنا أحد الباحثين حول السمات الدلالية للتفويض
" إن إسناد رئاسة المجلس الوزاري لرئيس الحكومة بناء على جدول أعمال محدد
سيكون بحق -إذا حدث-، بداية لملكية ثانية تتعالى على الخصام الحزبي ومناورات
السياسة، وهو ما تطالب به الدينامية الشعبية في رؤيتها للملكية التنفيذية. فهل
يفوض الملك لسعد الدين العثماني رئاسة مجلس وزاري، ويدشن محمد السادس لمرحلة توافق
سياسي جديد يتجاوز مرحلة صراع الديناميتين الشعبية والسلطوية التي تهدد استقرار
المغرب حاليا؟".[35]
ولكن
السؤال المطروح هل أثناء تفويض الملك لرئيس الحكومة رئاسة مجلس وزاري تسري
القرارات المتخذة فيه مباشرة أم أن الأمر يحتاج للتأشيرة الملكية؟
كما هو
معلوم أن التفويض يكون بناء على جدول أعمال محدد، والتفويض يمنح لصاحبة اتخاذ جميع
القرارات في النقط المدرجة في جدول الأعمال، مع ضرورة رفع تقرير مفصل للملك من طرف
رئيس الحكومة يبين فيه الظروف التي جرت فيها المناقشات، مع رفع القرارات التي
تحتاج إلى استكمال الاجراءات الشكلية المنصوص عليها قانونا من حيث صدورها بظهير
مثلا، كالتعيين في المناصب السامية أو اشهار الحرب. ولا يحق للملك الاعتراض على أي
قرار، وتبقى الطريقة الوحيدة هي عقد مجلس وزاري آخر ونقض القرار الذي اتخذه رئيس
الحكومة، وذلك في إطار توازي الشكليات.
مع أن الإشكال الآخر الذي يطرح كيف يتخذ القرار
من طرف المجلس الوزاري في ظل غياب الملك؟
نرى أنه
لرئيس الحكومة مسلكين أساسيين يمكن الاستناد لهما:
أولا: الأعراف
الملكية المرتبطة بسير أشغال المجلس الوزاري: وذلك من خلال حفاظه على
"سنة" سير المجلس الوزاري بالاستناد إلى الأعراف الملكية التي ترسخت من
خلال بروتوكولات المجالس الوزارية السابقة، وحلول رئيس الحكومة محل الملك بكامل
صورته.
ثانيا: الاستعانة
بالقواعد العامة لسير المجلس الحكومي الواردة في القانون التنظيمي رقم 065.13
المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها: كما نعلم على أن
العلاقة بين رئيس الحكومة والوزراء لا تكون نفس العلاقة التي تربط الملك بالوزراء
لذلك يقترح هنا أن يتم الاستعانة بالقواعد العامة المتعلقة بسير المجلس الحكومي
خصوصا عندما يتعلق الأمر باتخاذ القرار داخل المجلس الوزاري، أي هل سيكون الأمر
بالتصويت أم لا؟
وهذا ما
يتجلى أيضا مقارنة بالحالة الجزائرية حيث ينص الدستور[36] على أن رئيس الجمهورية هو الذي يرأس مجلس الوزراء،
ويمثل هذا النص المرجع الدستوري الذي يؤسس لهيمنة رئيس الجمهورية على الحكومة
ونشاطها ويضمن سلطته في اتخاذ وفرض كل القرارات التي يراها مناسبة على مستوى هذا
المجلس.[37]
أما
بالنسبة للتجربة التونسية فقد أصبح بموجب الدستور التونسي الأخير،[38] رئيس الحكومة التونسية هو الذي يرأس مجلس رئيس الحكومة
هو رئيس مجلس الوزراء. وينعقد مجلس الوزراء بدعوة من رئيس الحكومة الذي يضبط جدول
أعماله. ويرأس رئيس الجمهورية مجلس الوزراء وجوبا في مجالات
الدفاع، والعلاقات الخارجية، والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني
من التهديدات الداخلية والخارجية، وله أن يحضر ما عداها من مجالس وزراء. وعند
حضوره يرأس المجلس، ويتم التداول في كل مشاريع القوانين بمجلس الوزراء.
إذن
يلاحظ أنه من خلال التأمل في التجارب الثلاث المغربية، الجزائرية والتونسية، أن
الأولتين تعرفان حضورا قويا لرئيس الدولة داخل المجلس الوزاري، واعتبار حضوره شرط
صحة وانعكاس لقوتهم التقريرية مع الحضور الاستشاري لباقي المكونات، هذا على العكس
من التجربة التونسية التي تعرف نوعا من الحضور القوي داخل المجلس الوزاري، وحضور
رئيس الدولة لا يكون إلا في القضايا الأكثر أهمية كما أشرنا لذك سابقا.
خاتمة:
إذن
يلاحظ على أن للمجلس الوزاري مكانة عالية في البنيان الدستوري المغربي مستمدة من
اختصاصاته وطبيعته ووظائفه في النظام السياسي المغربي، وكذا من الشخص الدستوري الذي
يرأسه، حيث ليست للمجلس دلالة نيابية بل يعتبر سلطة حقيقية في اتخاذ القرار
وتنزيله عبر الوسائل القانونية والمادية الممكنة والمتاحة دستوريا، فبالإضافة إلى
التواجد القوي للملك داخل المجلس الوزاري فإن هذا الأمر لا ينفي حضور الحكومة،
التي تعكس الجانب الانتخابي والديمقراطي داخل المجلس الوزاري خصوصا بعد التحول
الكبير الذي طرأ سنة 2011 فيما يخص رئاسة الحكومة، ولكن التحول الدستوري على مستوى
السلطة التنفيذية لم يجعل من الملكية مؤسسة رمزية أو شكلية ، وإنما تشارك في الحكم
بل تحتكره عبر الآليات التي تمتلكها سواء داخل الفصلين 48 و49 أو خارجهما، مع عدم
إخفاء تسجيل لضعف المساهمة الحكومية في اتخاذ القرار في مجال السياسة العامة
للبلاد.
وعطفا
على ذلك، نعتقد أنه من الصعب تصور أي سيناريوهات للإصلاح الدستوري دون الحديث عن
المؤسسة الملكية، فهذه الأخيرة لا زالت تواصل سموها على جميع المؤسسات الدستورية،
بل حتى الدستور نفسه الذي تحتكر طريقة تأويله، إذن فبعد مخاض تنزيل دستور 2011
برزت مجموعة من البياضات الدستورية أدت لتحولات سياسية واجتماعية كادت تعصف
بالثابت الدستوري الرابع المتمثل في الخيار الديمقراطي، مما يجعلنا لا نستبعد
تعديلا دستوريا يجاري التطورات الحالية ويجيب عن مطالب الظرفية الحالية، ويعمق دور
المنتخب في تسيير شؤون الدولة على قاعدة التعاقدات السياسية المبرمة بين الفاعلين.
[1] محمد أشركي "الظهير
الشريف في القانون العام المغربي"
منشورات جامعة الحسن الثاني، أطروحات ورسائل جامعية، الطبعة الأولى 1983، ص
166.
[2] أحمد بوجداد "الملكية والتناوب: مقاربة
لاستراتيجية تحديث الدولة وإعادة إنتاج النظام السياسي بالمغرب" الطبعة
الأولى 2000، ص 80.
[3] امحمد مالكي، عبد المالك الوزاني "الإصلاح
الدستوري والسياسي في المغرب المقارنة والتأويل" مداخلة مكتوبة ضمن مؤلف تجميعي لأعمال ندوة
"الإصلاحات الدستورية والسياسية في المغرب العربي" سلسلة ندوات ومناظرات
رقم 15، جامعة القاض عياض بمراكش، 1999، ص 37.
[5] محمد ضريف "الدين والسياسة في المغرب: من
سؤال العلاقة إلى سؤال الاستتباع" منشورات المجلة المغربية لعلم الاجتماع
السياسي، الطبعة الأولى نونبر 2000، ص 52.
[7] محمد مدني
" الملكية والانتقال الديمقراطي" (حوارات)، حاوره ( سفيان فجري)،
منشورات الأحداث المغربية، الطبعة الأولى نونبر 2004. ص 30.
[8] مع التذكير هنا أنه في فترة عدم بلوغ الملك لسن الرشد فإن رئيس
المحكمة الدستورية هو الذي يرأس المجلس الوزاري بصفته رئيسا لمجلس الوصاية، وذلك
بموجب المادة 7 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس الوصاية "يتولى رئيس مجلس
الوصاية، بحضور أعضاء مجلس الوصاية، رئاسة المجلس الوزاري وكل مجلس أو هيئة أخرى
يتولى جلالة الملك رئاستها بموجب أحكام الدستور والظهائر والنصوص التشريعية الجاري
بها العمل". ينظر القانون التنظيمي رقم 90.15 المتعلق بمجلس الوصاية الصادر
بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.16.78 صادر في فاتح رمضان 1437 (7 يونيو 2016)، الجريدة الرسمية عدد 6476 بتاريخ 17
رمضان 1437 (23 يونيو 2016)، ص 4878.
[9] البشير المتاقي "إشكالية توزيع السلطة في
النظام الدستوري والسياسي المغربي: دراسة في مستجدات دستور 2011" أعمال
الندوة الوطنية " الدستور الجديد 2011" منشورات كلية العلوم القانونية
والاقتصادية والاجتماعية مراكش، ص 168.
[10] عبد الحق بلفقيه "في تقييم الدستورانية
الجديدة: تحول في ظل الاستمرارية" مجلة مسالك عدد تحت عنوان "الدستور
والدستورانية الجديدة بالمغرب، قراءة في السياق والمعنى" العدد 45/46، السنة
13، 2017، ص 20.
[11] عبد الغني بسيوني عبد الله "سلطة ومسؤولية
رئيس الدولة في النظام البرلماني" المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر
والتوزيع، الطبعة الاولى 1995، ص 208.
[12] بالنسبة
للتجربة البرتغالية فإن رئيس الوزراء هو الذي يرأس مجلس الوزراء، ويمكن له دعوة
لرئيس الجمهورية لرئاسة هذا المجلس. تنظر المادة 133 من الدستور البرتغالي لسنة
1976 المراجع سنة 2005.
[13] Constitution du 4 octobre 1958 (Version mise à jour
en janvier 2015, article 9 « Le Président de la République préside le
Conseil des ministres ».
[14] بالنسبة
للحالة الكويتية يمثل مجلس الوزراء السلطة التنفيذية ويهيمن على مصالح الدولة
ويرسم السياسة العامة للحكومة ويتابع تنفيذها، وقد جرى العرف أن يكون رئيس مجلس
الوزراء وليا للعهد، وهو لا يتولى أي وزارة ولا يطرح مجلس الأمة موضع الثقة فيه.
ينظر محمود حمد "مراحل تطور الدساتير العربية قبل الألفية الثالثة"
الكتاب السنوي للمنظمة العربية للقانون الدستوري (2015-2016) تونس، الجمهورية
التونسية، ص 27، لتحميل التقرير يرجى زيارة موقع المنظمة WWW.Dustour.org.
[15] محمد شقير
" أدوار مستشاري الملك .. تجسيد لإرادة القصر وحكومة الظل" مقال منشور
بجريدة هسبريس الإلكترونية، تاريخ الزيارة 10/09/2017 على الساعة 16:00.
[16] الفصل 1 من
الظهير الشريف رقم 1.63.349 المتعلق بتحديد تأليف الديوان الملكي والكتابة الخاصة
لجلالة الملك الصادر في 19 رجب 1383 (6 دجنبر 1963) ج. ر. عدد 2067 ص 2760.
[17] ينظر بلاغ
الديوان الملكي حول تصريحات وزير السكنى وسياسة المدينة والأمين العام لحزب التقدم
والاشتراكية.
[19] عبد النبي كياس " توزيع السلطات في النظام
السياسي المغربي على ضوء دستور 2011" أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
العام، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال- الرباط، السنة
الجامعية 2010/2011.
[22] CLAUD
Pallazzoli « Quelques réflexions sur la révision constitutionnelle de 1 er
Mars 1992, P 153.
ورد هذا المرجع عند محمد أشركي "الوزير الأول"
مرجع سابق، ص 139.
[23] فتح الله الغازي "التقليد
والتحديث في النظام السياسي المغربي" أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
الحقوق، جامعة محمد الأول، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية- وجدة،
السنة الجامعية 2005-2006، ص 289.
[24] محمد الادريسي "الممارسة الملكية
للسلطة" أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، كلية العلوم القانونية
والاقتصادية والاجتماعية أكدال- الرباط، السنة الجامعية 2014/2015 ص 121.
[27] أحمد أعراب "المحددات السياسية والدستورية
لتعضيد وزان الحكومة داخل المجلس الوزاري" مجلة مسالك "الدستور
والدستورانية..." مرجع سابق، ص 110/111.
[28] هذا ما اختصره رئيس الحكومة السابق السيد عبد
الاله بنكيران في كلمته الملقاة خلال اللقاء الوطني مع منتخبي المجالس الجماعية،
وذلك يوم 21 أكتوبر 2017 بسلا، بقوله "أن الحكومة هي جزء من الدولة، ورئيس
الحكومة له سلطات في مجالات معينة وملفات محددة، ورئيس الحكومة هو عضو في المجلس
الوزاري الذي يرأسه الملك" لمشاهدة الكلمة كاملة ينظر الرابط التالي: https://www.youtube.com/watch?v=UARiAlrKKzw&t=338s.
[29] الفصل 48 من دستور 2011 " ... ينعقد المجلس
الوزاري بمبادرة من الملك، أو بطلب من رئيس الحكومة...".
« …Il peut, à titre exceptionnel , le suppléer pour la
présidence d’un conseil des ministres vertu d’une délégation expresse et pour
un ordre du jour déterminé… »
La
constitution de V éme République
française, présentation et commentaires de Françoise
martinetti , librio inédit 2003, P 21.
[31] نجيب الحجيوي "سمو المؤسسة الملكية"
أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام، وحدة: القانون الدستوري وعلم السياسة،
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أكدال- الرباط، السنة الجامعية
2000/2001. ص 99.
[34] خطاب الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 18 لعيد
العرش يوم 29 يوليوز 2017، لتحميل الخطاب، البوابة الوطنية Www.Maroc.ma
[35] خالد يايموت "هل يفعل الملك الفصل 48 من
الدستور" مقال منشور بالموقع الالكتروني "العمق" تاريخ الزيارة 01
أكتوبر 2017 ينظر الرابط التالي: https://al3omk.com/196502.html
[37] محمد بورايو "السلطة التنفيذية في النظام
الدستوري الجزائري بين الوحدة والثنائية" أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
العام، جامعة الجزائر1، كلية الحقوق ابن عنكون، السنة الجامعية 2011/2012، ص 104.