خصوصيات

امتناع الإدارة عن التنفيذ من خلال التعليق على الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 22/07/2014 حكم عدد 767 ملف رقم 563/7112/2014 ش

امتناع الإدارة عن التنفيذ من خلال التعليق على الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 22/07/2014 حكم عدد 767 ملف رقم 563/7112/2014 ش




ذ. محمد احتوش مفوض قضائي بالمحكمة الابتدائية بكلميم
حاصل على ماستر القانون المدني، جامعة ابن زهر أكادير
  

نشرت مجلة المرافعة في عددها الأخير 23 الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 22/07/2014 حكم عدد 767 ملف رقم 563/7112/2014 ش ابتداء من الصفحة 227. وتعود حيثيات ووقائع هذا الحكم إلى رفض طلب تصفية الغرامة التهديدية ضد بلدية كلميم بعلتين واردتين في حيثيات الحكم أعلاه، وهما ما دفعنا للتعليق على هذا الحكم القضائي، كما أن المحكمة المصدرة للحكم غيرت موقفها تجاه محاضر الامتناع التي يحررها المفوض القضائي.
تكمن فعالية الأحكام القضائية في تطبيقها على أرض الواقع العملي، إذ لا فائدة من صدور حكم قضائي يقتصر أثره على إنهاء حالة التجهيل حول الحق المتنازع عليه دون أن يجد مجالا لتنفيذه، ولا فائدة من أن يضمن القانون للأفراد حق اللجوء إلى القضاء ثم يتوقف، كما أن مبدأ فصل السلط يفرض أن تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية يستند على خضوع الإدارة الاختياري وإقدامها طوعا على الالتزام بمضمون هذه الأحكام، ولهذا كان لا بد من البحث عن وسائل يستطيع بها القاضي الإداري أن يحث على التنفيذ وعند الضرورة أن يجبرها على ذلك عن طريق الضغط والإكراه بواسطة الغرامة التهديدية[1].   
فكل ما يتوخاه المتقاضون من دعاويهم هو ترجمة منطوق الأحكام القضائية على أرض الواقع، وذلك عن طريق تنفيذها، وأسند المشرع هذا الاختصاص للمفوضين القضائيين، حيث يقومون بإخراج الأحكام من فكرة التصور إلى مرحلة تنزيلها وتنفيذها، سواء ضد الأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص المعنوية. فالمتقاضي طالب التنفيذ يعتقد أنه بمجرد صدور حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به سوف يحصل على حقه، لكن العكس هو الصحيح فعلاوة على تماطل الإدارة، فإن سلوك إجراءات التنفيذ الجبري تستلزم فترة من الوقت لتعقد الإجراءات وكثرتها؛ الحجز لدى الغير والمصادقة عليه، تصفية الغرامة التهديدية.
ومن أجل إبراز أهمية الإلتزام بتنفيذ قوة الشيء المقضي به لما فيه من احترام وقداسة السلطة القضائية وحماية للشرعية وسيادة القانون، نتساءل هل تنفيذ الأحكام القضائية ضد الإدارة والجماعات الترابية يخضع لمنطق القانون أم لمنطق القوة؟
هذا ما سنتولى الإجابة عنه من خلال تقسيم هذا التعليق إلى فقرتين، الأولى سنتولى فيها سرد وقائع وحيثيات الحكم موضوع التعليق، والثانية سنخصصها لمدارسة الأسس القانونية التي اعتمدت عليها المحكمة مصدرة الحكم في رفض طلب تصفية الغرامة التهديدية ضد الجماعة الترابية.
الفقرة الأولى: وقائع الحكم
بناء على المقال الافتتاحي المقدم من طرف المدعي بواسطة نائبه أمام هذه المحكمة يعرض فيه انه استصدر قرارا استئنافيا عن محكمة الاستئناف بمراكش يتاريخ 27/07/2011 قضى لفائدته في مواجهة المدعى عليها، وباشر إجراءات التنفيذ دون جدوى لاستنكاف هذه الأخيرة عن التنفيذ وتم تحرير محضر امتناع عن التنفيذ، وراجع بذلك رئيس المحكمة الإدارية في الموضوع وفق الحكم عدد 79 ملف رقم 44/2012 تاريخ 23/05/2012، والقاضي بالحكم على المدعى عليها بغرامة تهديدية قدرها 500 درهم عن كل يوم امتناع عن تنفيذ القرار الاسئنافي الاداري عدد 683 المشار إليه أعلاه، وذلك ابتداء من 30/01/2012 حتى تمام التنفيذ الفعلي وتحميلها الصائر وشمول الحكم بالنفاذ المعجل، وتم استئناف هذا الحكم من طرف المدعى عليها فصدر القرار الاستئنافي بتاريخ 22/05/2012 عن محكمة الإستئناف الإدارية بمراكش في الملف عدد 47/1902/2012 قضى بعدم قبول الاستئناف، وانه تضرر من هذا الامتناع رغم حيازة القرار موضوع التنفيذ لقوة الشيء المقضي به، لتكبده مصاريف مختلفة لمراجعة القضاء ولتعسف المدعى عليها في الامتناع عن التنفيذ، ملتمسا الحكم له بتصفية الغرامة التهديدية المحكوم بها بموجب الحكم عدد 79 الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 23/05/2012 في الملف عدد 44/2012 والمحددة في مبلغ 500 درهم عن كل يوم امتناع عن تنفيذ القرار الاستئنافي الإداري عدد 683 الصادر بتاريخ 27/07/2011 في الملف عدد 227/8/11/1، ابتداء من تاريخ الامتناع 30/01/2012 إلى تاريخ الطلب، والحكم كذلك على المدعى عليها بأدائها له تعويضا مبلغه 100000درهم  والكل مع شمول الحكم بالتنفيذ المعجل.
حيث يهدف الطلب إلى الحكم لفائدة المدعي بتصفية الغرامة التهديدية المحكوم بها بموجب الحكم عدد 79 الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية باكادير بتاريخ 23/05/2012، في الملف عدد 44/2012 والمحددة في مبلغ 500 درهم عن كل يوم امتناع عن تنفيذ القرار الاستئنافي الإداري عدد 683 الصادر بتاريخ 27/07/2011 في الملف عدد 227/8/11/1، ابتداء من تاريخ الامتناع 30/01/2012 إلى تاريخ الطلب، والحكم كذلك على المدعى عليها بأدائها له تعويضا بمبلغ 100000درهم، والكل مع شمول الحكم بالتنفيذ المعجل وتحميلها الصائر.
وحيث أسس المدعى دعواه على الحكم عدد 79 الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 23/05/2012 في الملف عدد 44/2012، الذي تم استئنافه من طرف المدعى عليها فصدر القرار الاستئنافي بتاريخ 22/05/2012 عن محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش في الملف عدد 75/1902/2012 قضى بعدم قبول الاستئناف.
وحيث لم يثبت للمحكمة تبليغ المدعى عليها بالقرار الاستئنافي الإداري الصادر عن محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش، بتاريخ 22/05/2012 في الملف عدد 75/1902/2012 القاضي بعدم قبول الاستئناف حتى تكون على علم بنهائية الحكم الصادر بالغرامة التهديدية المطلوب تصفيتها، وبالتالي يكون طلب المدعي غير مؤسس ويتعين رفضه.
وحيث إن الخطأ المرفقي الذي يستوجب التعويض عن الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية وهو أن تكون الإدارة  المنفذ عليها قد تقاعست وتراخت عن التنفيذ بشكل يعتبر تعسفيا بعد سلوك طالب التنفيذ جميع وسائل التنفيذ  المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية في مواجهة الإدارة، وذلك بأن تمتنع الإدارة صراحة عن التنفيذ أو تتعمد على تعطيل تنفيذ حكم حائز لقوة الشيء المقضي به تعسفا.
وحيث إنه بالرجوع إلى محضر الامتناع عن التنفيذ المنجز في ملف التنفيذ عدد 454/2011 من طرف المفوض القضائي محمد مومني بتاريخ 30/01/2012، الذي جاء فيه: وبناء على اتصالنا عدة مرات بالكاتب العام لبلدية كلميم وحيث إن جميع المحاولات التي قمنا بها بقيت دون جدوى ولم نتلق أي رد ايجابي في الموضوع، فإن المفوض القضائي لم يبرز المحاولات التي قام بها والتي بقيت دون جدوى حتى يثبت تعسف المدعى عليها في رفض التنفيذ، ويكون بذلك طلب المدعي بهذا الخصوص غير مؤسس وتعين رفضه.  
الفقرة الثانية: مبررات المحكمة في رفض طلب تصفية الغرامة التهديدية
استندت المحكمة في رفض طلب تصفية الغرامة التهديدية إلى علتين، وهما.
أولا: عدم تبليغ المنفذ عليها بالقرار الاستئنافي
جاء في حيثيات الحكم أعلاه عدم وجود ما يفيد تبليغ المدعى عليها بالقرار الاستئنافي، وبالتالي رفض الطلب بعلة  أن الحكم بتصفية الغرامة التهديدية رهين بتبليغ المطلوبة في التنفيذ بالحكم الصادر بشأنها حتى تكون على علم بها وبنهايتها. وهذه العلة وحدها كافية لرفض الطلب، لكن السؤال المطروح هو لماذا أضافت المحكمة بل حشرت محضر المفوض القضائي ضمن حيثيات الحكم؟
هذا ما سنجيب عنه من خلال رصد الواقع العملي للتنفيذ ضد الجماعات الترابية.
ثانيا: استبعاد محضر المفوض القضائي كحجة تثبت واقعة الامتناع
يسري التنفيذ على كل الأعمال التي يقرها سند تنفيذي بشرط أن يكون الملزم به فردا عاديا، أما إذا كانت الإدارة هي الملزمة، فإن أهم الطرق التنفيذية المعمول بها ضد الأفراد لا يمكن تطبيقها في هذه الحالة، وذلك لما تتمتع به الإدارة من امتيازات باعتبارها سلطة وجهازا متميزا عن الأفراد وأيضا لوجود صعوبات مادية وقانونية يصعب معها إجبار الإرادة على تنفيذ الحكم؛ كتطبيق الإكراه البدني ضدها[2]. والإشكال مطروح لذلك يجب إيجاد حل بخصوصه، بحيث بات يشغل القضاء والفقه والإدارة على حد سواء، وبالخصوص في الآونة الأخيرة حيث أصبح يمثل إشكال عدم تنفيذ الإدارة للأحكام الصادرة ضدها عائقا أمام استكمال بناء دولة الحق والقانون[3].
لم يستثن المشرع الإدارة العمومية من التنفيذ، لذلك تباشر إجراءات التنفيذ ضدها على غرار الأشخاص الطبيعيين ويتم إعذارها طبقا للفصل 440 من قانون المسطرة المدنية الذي ينص على أنه:
"يبلغ عون التنفيذ إلى الطرف المحكوم عليه، الحكم المكلف بتنفيذه ويعذره بأن يفي بما قضى به الحكم حالا أو التعريف بنواياه"[4].
فأكيد ومؤكد أن أغلب الإدارات تتوفر على مكتب الضبط، وفي الواقع العملي يتم تبليغ الإعذار بالتنفيذ ضد الإدارة، لأحد الموظفين بمكتب الضبط الذي يتولى إرساله لمصلحة الشؤون القانونية التي تتولى بدورها التنسيق مع المحامى الذي ينوب عن الإدارة.
 وتجدر الإشارة إلى أن الآمر بالصرف هو رئيس المجلس الجماعي طبقا للفقرة الأخيرة من المادة 94 من القانون التنظيمي للجماعات، والتي جاء فيها:
"يعتبر رئيس المجلس الآمر بقبض مداخيل الجماعة وصرف نفقاتها، ويرأس مجلسها ويمثلها بصفة رسمية في جميع أعمال الحياة المدنية والإدارية والقضائية ويسهر على مصالحها طبقا لأحكام هذا القانون التنظيمي والقوانين والأنظمة الجاري بها العمل". ويجوز لرئيس المجلس تحت مسؤوليته ومراقبته أن يفوض إمضاءه بقرار إلى نوابه باستثناء التسيير الإداري والأمر بالصرف، كما يجوز له أيضا أن يفوض لنوابه بقرار بعض صلاحيته شريطة أن ينحصر التعويض في قطاع محدد لكل نائب، وذلك مع مراعاة أحكام هذا القانون التنظيمي طبقا للمادة 103 من القانون التنظيمي للجماعات.
فرؤساء الجماعات الترابية قلما يتواجدون بمقر البلدية أو الجماعة الحضرية أو القروية، إلا في بعض الحالات النادرة أثناء عقد دورة مثلا، نظرا لكونهم يتولون مسؤوليات أخرى، سواء في المؤسسة التشريعية أو في بعض المؤسسات العمومية الأخرى، ناهيك عن متابعة مشاريعهم الخاصة. والواقع العملي يشهد على ذلك، علاوة على عدم إيلائهم أهمية لملفات التنفيذ الصادرة ضد الإدارة، بناء عليه درج العمل على استفسار الكاتب العام أو الموظف المسؤول عن مصلحة الشؤون القانونية عن موقف الإدارة من ملف التنفيذ.
وعليه، فإعذار الإدارة المنفذ عليها فإما أن تتولى التنفيذ بالقيام بعمل أو التنفيذ بالأداء من خلال إيداع التعويض المحكوم به بصندوق كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية. وقد تمتنع الإدارة عن التنفيذ صراحة، وهذه الفرضية قلما تقع في الواقع العملي، وتفضل الإدارة الامتناع وعدم التنفيذ من خلال اتخاذ موقف سلبي، وهذا الأخير يتخذ عدة صور؛ منها خلق مبررات للتماطل في التنفيذ؛ كتصريحها بإدراج المبالغ المحكوم بها ضمن الميزانية المقبلة للإدارة أو عدم استعداد المنفذ عليها بأداء المبلغ كاملا وإنما دفعه على شكل أقساط دورية. وفي بعض الأحيان يحاول المسؤولين بالإدارة التنصل من المسؤولية واستعمال أساليب لا تتوافق مع المطلوب في الإدارة العمومية، ونعطي نموذجا للجماعات الترابية، فالكاتب العام يصرح للمفوض القضائي بعدم اختصاصه ويحيل المفوض القضائي على مكتب الشؤون القانونية، والموظف المشتغل بهذا المكتب يحيل بدوره المفوض على الكاتب العام للجماعة. ألا تشكل هذه السلوكات امتناعا عن التنفيذ؟
إن هذه السلوكات هي التي عبر عنها المفوض القضائي في محضره بالصيغة التالية "وبناء على اتصالنا عدة مرات بالكاتب العام لبلدية كلميم وحيث إن جميع المحاولات التي قمنا بها بقيت بدون جدوى ولم نتلق أي رد إيجابي في الموضوع".
ويمكن تكييف ردود فعل المسؤولين عن الإدارات العمومية أعلاه على أنها جنحة تحقير مقرر قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به والذي يحمل الصيغة التنفيذية ممهورة بأمر جلالة الملك جميع الأعوان ويطلب منهم أن ينفذوا الحكم المذكور أو القرار كما يأمر الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك لدى مختلف المحاكم أن يمدوا يد المعونة لجميع قواد وضباط القوة العمومية وأن يشدوا أزرهم عندما يطلب منهم ذلك قانونيا.
ويلاحظ أن المحكمة الإدارية المصدرة للحكم أخطأت في تكييف الوقائع الواردة في محضر المفوض القضائي التي تشكل تباطؤ وتراخي وتلكؤ الكاتب العام في التنفيذ، كما عبرت عن ذلك محكمة الاستئناف الإدارية بمراكش في قرار لها جاء فيه:
"الأحكام الصادرة في دعاوى الإلغاء بسبب التجاوز في استعمال السلطة تعتبر المجال الأوسع لإمكانية الاستجابة لطلب الغرامة التهديدية على اعتبار أن هذه الأحكام تقضي أغلبها بإلغاء قرارات إيجابية ضد الطاعنين وأن تنفيذ هذه الأحكام يقتضي من الإدارة  أن تتخذ عملا إيجابيا للتراجع عن قراراتها الإيجابية بعدما قرر القضاء عدم مشروعيتها، فكان من الضروري إلزامها على التراجع عن هذه القرارات وذلك بفرض غرامة تهديدية لإرغامها على تنفيذ الحكم القضائي الصادر في مواجهتها.
امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتها يأخذ أشكالا وممارسات مختلفة بحيث ليس من الضروري أن تعلن الإدارة عن رغبتها الصريحة في عدم تنفيذ الحكم حتى يمكن القول بوجود امتناع عن التنفيذ من جانبها وإنما يكفي أن يصدر منها تباطؤ أو تراخي أو تلكؤ في التنفيذ للتحقق من هذه النتيجة السلبية"[5].
كما أن التوجه الجديد للمحكمة الإدارية لا يطابق نص القانون بخصوص محاضر الامتناع التي ينجزها المفوض القضائي، فأكيد ومؤكد أن عدد ملفات التنفيذ ضد الأشخاص المعنوية العامة أصبح  في تزايد[6]، وأبرمت المحكمة الإدارية بالرباط مؤخرا اتفاقية مع الجماعة الحضرية للرباط بخصوص ملفات التنفيذ ضد الجماعات الترابية ومنحها أجل سنة قصد تنفيذها.
 وسار في الاتجاه نفسه المشرع بسنه للمادة الثامنة مكررة من مشروع قانون المالية لسنة 2017 بل سحب بشكل غير مباشر اختصاص المفوض القضائي من مباشرة التنفيذ الجبري ضد الدولة والجماعات الترابية التابعة لها، وجاء في هذه المادة الفريدة ما نصه:
"يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة أو الجماعات الترابية ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة العمومية أو الجماعات الترابية المعنية.
في حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، يدين الدولة أو الجماعات الترابية بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه 60 يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية.
يتعين على الآمرين بالصرف إدراج الاعتمادات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية في حدود الإمكانات المتاحة بميزانياتهم، وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئد تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانيات السنوات اللاحقة.
غير أنه لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية للحجز لهذه الغاية".
والملاحظ أن هذه المادة تفتقر إلى خصائص القاعدة القانونية التي هي قاعدة مرنة وعامة وملزمة ومجردة، كما أنها منحازة بشكل كبير وواضح إلى جهاز الدولة في صيغة من المجاملة وترك المجال مفتوحا للدولة للتنفيذ حسب اختياراتها ومزاج المسؤولين لديها دون رقابة عليها، في الوقت الذي يفترض فيه المساواة أمام القانون، فضلا عن عدم دستوريتها.
وكل هذه المؤشرات تنم عن رغبة المشرع والقضاء الإداري في سحب الاختصاص في التنفيذ ضد الدولة والجماعات الترابية عن مؤسسة المفوض القضائي، على غرار شركات التأمين.
إلا أن هذا التوجه القضائي الذي سارت على منواله المحكمة الإدارية في حكمها المذكور يشكل خرقا للفصل [7]124 و[8]126 من الدستور المغربي لفاتح يوليوز 2011، فضلا عن خرق المادة 32 من الظهير الشريف المحدث لمؤسسة الوسيط[9]، والتي جاء فيها:
"إذا اتضح أن الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي نهائي صادر في مواجهة الإدارة ناجم عن موقف غير مبرر لمسؤول أو موظف أو عون تابع للإدارة المعنية أو إخلاله بالقيام بالواجب المطلوب منه، من أجل تنفيذ الحكم المذكور، قام الوسيط برفع تقرير خاص في الموضوع إلى الوزير الأول، بعد إبلاغ الوزير المسؤول أو رئيس الإدارة المعنية لاتخاذها ما يلزم من جزاءات لازمة ومن إجراءات في حق المعني بالأمر، كما يمكنه أن يوجه إلى الإدارة المعنية توصية بتحريك مسطرة المتابعة التأديبية، إن اقتضى الحال توصية بإحالة الملف على النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في القانون، في حق المسؤول أو الموظف أو العون الذي تأكد أنه المسؤول عن الأفعال المذكورة، وفي هذه الحالة، يخبر الوسيط الوزير الأول بذلك".
وكان من المفروض أن تثير المحكمة الإدارية المسؤولية الشخصية للموظف المسؤول[10] –الكاتب العام في هذه النازلة- باعتباره ممتنعا عن تنفيذ الحكم، لأن هذه الآلية ناجعة وفعالة كما أنها كفيلة لإجبار الإدارة على تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، كما أن المسؤولية المدنية هي وسيلة هامة لحمل الموظف على تنفيذ الحكم الإداري الصادر ضد إدارته، وتعد كذلك أسلوبا لردع غيره من الموظفين وحماية المال العام الذي يستنزف من جراء تصرفات غير مسؤولة لأشخاص ذاتيين لا يأبهون بمبدأ المشروعية.
وختاما، فإن هذا التوجه الجديد للقضاء الإداري يؤثر على مسار القضاء الإداري بالمغرب و يشكل تناقضا صارخا مع خطاب العهد الجديد الذي يقع في أولوياته ترسيخ مبادئ دولة الحق والقانون.             
  
        
 




[1] يوسف الحفناوي: تنفيذ الأحكام القضائية ضد أشخاص القانون العام على ضوء مشروع قانون المسطرو المدنية، مقال منشور بمجلة منازعات الأعمال، عدد 15، ص 65.
[2] عصام بنجلون: أصول وإجراءات التنفيذ القضائي وإجراءات التنفيذ القضائي ضد الإدارة، ص 9 وما يليها.
[3] عصام بنجلون، م س، ص 4.
[4] لفظة المحكوم عليه الواردة في الفصل أعلاه جاءت بصيغة العموم وتشمل جميع المحكوم عليهم، سواء كانوا أشخاص طبيعيين أو معنويين.
[5] أمر عدد 51، ملف عدد 33/7101/2014 بتاريخ 18/06/2014، منشور بمجلة المحامي عدد 67.
كما جاء في حيثيات حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء ما يلي:
"وحيث إن مخالفة قوة الشيء المقضي به يعتبر إخلالا بقاعدة أساسية تستلزمها ضرورة استقرار الحياة الإجتماعية بل إن قوة الشيء المقضي به تسمو على القاعدة القانونية ذاتها وأن امتناع الإدارة عن تنفيذ حكم قضائي حائز لقوة الشيء المقضي به وواجب النفاذ هو مخالفة قانونية تستوجب المسؤولية لما يترتب عن هذه المخالفة الجسيمة من إشاعة الفوضى وفقدان الثقة في سيادة القانون.
لذلك حكمت المحكمة بأداء الدولة المغربية (وزارة الداخلية) لفائدة المدعي تعويضا إجماليا عن الأضرار اللاحقة به جراء امتناع والي جهة الشاوية ورديغة عن تنفيذ قرار قضائي نهائي بحسب مبلغ 100000.00 درهم."
حكم عدد 1327 صادر بتاريخ 23/09/2010 ملف عدد 427/13/2008 عن المحكمة الادارية بالدار البيضاء، منشور بمجلة التواصل القضائي، عدد مزدوج 2/3 دجنبر 2013-فبراير 2014، ص 304 وما يليها.
وتجدر الإشارة إلى أن الوالي لم يمتنع عن التنفيذ فقط، بل بادر بعد تحرير محضر امتناع ضده إلى إثارة صعوبة في التنفيذ أمام القضاء الاستعجالي، فاستجب له هذا الأخير، وتم إلغاء الحكم القاضي بالصعوبة أمام محكمة الاستئناف الإدارية.
[6] راجع هذه الإحصائيات عند يوسف الحفناوي: تنفيذ الأحكام القضائية ضد أشخاص القانون العام على ضوء مشروع قانون المسطرة المدنية، ص 
[7] الذي ينص على أنه تصدر الأحكام وتنفذ باسم الملك.
[8] جاء في هذا الفصل: "الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع. يجب على السلطات العمومية تقديم المساعدة اللازمة أثناء المحاكمة، إذا صدر الأمر إليها بذلك، ويجب عليها المساعدة على تنفيذ الأحكام".
[9] منشور بالجريدة الرسمية عدد 5926 بتاريخ 12 ربيع الثاني 1432- الموافق ل 17 مارس 2011.
[10] طبقا للفصل 80 قانون الالتزامات والعقود الذي جاء فيه:
"مستخدمو الدولة والبلديات مسؤولون شخصيا عن الأضرار الناتجة عن تدليسهم أو عن الأخطاء الجسيمة الواقعة منهم في أداء وظائفهم.
ولا تجوز مطالبة الدولة والبلديات بسبب هذه الأضرار، إلا عند إعسار الموظفين المسؤولين عنها."

هناك تعليق واحد:

  1. سوء الائتمان ، حسنا! قبول 100 ٪ للحصول على قروض فورية ، والحصول على الاقتباس في غضون 24 ساعة
    الحصول على قرض شخصي من (£) 8000 إلى (£) 80،000،000 دولار ، 3.0 ٪
    سعر الفائدة لدينا القروض مؤمنة جيدا والحد الأقصى للأمن هو لنا
    الأولوية ، هل أنت تقلص ماليا؟
    هل تبحث عن أموال لتسديد القروض والديون؟
    هل تبحث عن تمويل لبدء مشروعك التجاري؟
    هل تحتاج إلى قروض خاصة أو شركة لأغراض مختلفة؟
    هل تبحث عن قروض للمشاريع الكبيرة؟
    هل تبحث عن أموال لمختلف العمليات الأخرى؟
    ملاحظة: نحن نقدم القروض التالية للأفراد
    * القروض التجارية.
    * قروض شخصية.
    * القروض التجارية.
    * قروض الاستثمار.
    * قروض التنمية.
    * القروض للشراء.
    * قروض البناء.
    * القروض للشركات وغيرها الكثير:
    وأكثر من ذلك بكثير بمعدل فائدة 3 ٪.
    البريد الإلكتروني: كيفية التقديم؟
    لمزيد من المعلومات ، اتصل الثابتة والمتنقلة: Mrfrankpoterloanoffer@gmail.com

    ردحذف