خصوصيات

المادة 8 مكرر من مشروع قانون المالية ضرب بمبادئ الدستور ومكتسبات القاضي الإداري

المادة 8 مكرر من مشروع قانون المالية ضرب بمبادئ الدستور ومكتسبات القاضي الإداري










    سمير ووال
باحث في قانون العقار والتعمير   
                                                                 

مقدمة
    تنص المادة 8 مكرر من مشروع قانون المالية المغربي على أنه يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة والجماعات الترابية ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارات  العمومية أو الجماعات الترابية المعنية وفي حالة صدور قرارا قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، يدين الدولة أو الجماعات الترابية بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه60 يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف الذكر في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية.
  وتضيف المادة أنه: يتعين على الآمرين بالصرف إدراج الاعتمادات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية في حدود الامكانات المتاحة بميزانياتهم، وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الآمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ  كل التدابير الضرورية لتوفير المبلغ المتبقي في ميزانيات السنوات اللاحقة... غير أنه " لا يمكن في أي حال من الأحوال  أن تخضع أموال وممتلكات الدلوة والجماعات الترلابية للحجز لهذه الغاية".
   وقد أثارت المادة أعلاه جدالا واسعا يتمثل بالأساس في كون مقتضياتها لا تتماشى
 ودستور المملكة المغربية لفاتح يوليوز 2011([1]) وكذلك ما استقر عليه القضاء الإداري المغربي في سبيل حماية حقوق وحريات المواطنين وتعزيز دولة القانون، من خلال مجموعة من النقاط التي سوف نتوقف عليها وفق التصميم التالي:
 الفقرة الأولى: تعارض مقتضيات المادة 8 مكرر مع مقتضيات دستور المملكة المغربية
الفقرة الثانية: تعارض مقتضيات المادة مكرر مع مكتسبات القضاء الإداري المغربي

الفقرة الأولى: تعارض مقتضيات المادة 8 مكرر مع مقتضيات دستور المملكة المغربية
     من خلال الاطلاع على مقتضيات دستور المملكة المغربية لفاتح يوليوز نلاحظ أنه قد جاء بمجموعة من المبادئ والأسس التي تقوم عليها دولة القانون، ومن أبرز تلك المبادئ إقراره بسريان مقتضيات القانون على الجميع، بما يفيد أنه ساوى بين الأشخاص الطبيعيين والمعنويين  في الخضوع للقانون، كما اعتبر الأحكام القضائية أحكام ملزمة للجميع، مما يجب معه المثول لها واحترام مقتضياتها باعتبارها أحكام مقدسة صادرة عن جهاز القضاء الذي يسهر على تحقيق واستتباب السلم والأمن العام حيث نص المشرع الدستوري في الفصل 126 على أن الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء تكون ملزمة للجميع.
   وفي ذات السياق نجد المشرع الدستوري قد نص قبل ذلك في الفقرة الأولى من الفصل 35 منه على أنه يضمن القانون حق الملكية ، مما يعني أن هذا الحق هو  حق مصان لا يمكن التعدي عليه من قبل أي كان، وأنه يلزم على القوانين العادية أن تقر مقتضيات قانونية ناجعة لحمايته وصونه من أي ترامي عليه دون وجه حق.
   وفي الفقرة الثانية من ذات الفصل نجده أورد استثناء على هذا المبدأ حيث أقر بأنه يكمن اللجوء إلى نزع ملكية تلك الأراضي متى استلزم الأمر تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية للبلاد.
    ولنزع الملكية يستلزم الأمر ضرورة تحقق شرطين أساسين أولاهما تحقق منفعة عامة حقيقية من المشروع المزمع نزع الملكية لأجله، وثانيها ضرورة تعويض الملاك المنزوعة ملكيتهم تعويضا عادلا[2].
   وبربط كل ما قيل بمقتضيات المادة 08 مكرر من مشروع قانون المالية نجدها تفرغ مقتضيات الدستور السالفة الذكر من فحواها، حيث من جهة لجوء السلطة العامة إلى الاستلاء على أملاك الخواص دون احترام مقتضيات قانون نزع الملكية وخاصة الشق المتعلق بتعويض الملاك المنزوعة ملكيتهم فيه مس خطير بمقتضيات الفصل 35 من الدستور وبمقتضيات الفصل 129 منه الذي يجعل جميع الأحكام الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع، وبمقتضيات قانون نزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت  التي تلزم تعويض الملاك  مقابل نزع ملكيتهم طبقا للفقرة الثانية من الفصل 19 من القانون رقم 7.81 التي تنص على ما يلي: » كما أن رئيس المحكمة الإدارية أو القاضي المفوض من قبله الذي ينظر في القضية بصفته قاضي نزع الملكية يختص وحده بالحكم بواسطة حكم لفائدة نازع الملكية لنقل ملكية العقارات أو الحقوق العينية المطلوب نزع ملكيتها وتحديد التعويضات «.


الفقرة الثانية: تعارض مقتضيات المادة 8 مكرر من مشروع قانون المالية مع مكتسبات القضاء الإداري المغربي
   خول المشرع المغربي للقاضي الإداري دور مهم في مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، ويتجلى ذلك من خلال تخويله صلاحية الحكم للإدارة نازعة الملكية بالإذن بالحيازة([3]) وبنقل الملكية وذلك بعد تأكده من احترام هذا الأخير لمسطرة نزع الملكية المقرر في القانون رقم 7.81  ومن الحالات التي يتدخل فيها القاضي الإداري تخويله صلاحية تحديد التعويضات المناسبة عن نقل الملكية للإدارة نازع الملكية طبقا للفقرة الثانية من الفصل 19 من القانون رقم7.81 السالفة الذكر.
   وبالتالي فنقل ملكية الأراضي المنزوعة ملكيتهم مرتبط وجودا وعدما صحة وبطلانا بتعويض الملاك المنزوعة ملكيتهم ويكون نازع الملكية ملزم بتنفيذ الشق المتعلق بالتعويض تحت طائلة التنفيذ الجبري عن طريق إجراءات الحجز([4]) كما أقر بذلك قرار صدر حديثا عن محكمة النقض المغربية الذي جاء فيه([5]) :»حيث يعيب الطاعن القرار المطعون فيه بنقصان التعليل الموازي لانعدامه وعدم الارتكاز على أساس، ذلك أن اللجوء لإجراءات الحجز رهين بثبوت امتناع الطالب عن التنفيذ سيما وأن القضية مطعون فيها بالنقض وأن الطالب مؤسسة عمومية وأمواله أموال عامة لا يجوز الحجز عليها، وأن  محكمة الاستئناف لم تأخذ هذه الدفوع بعين الاعتبار، وحفاظا على المال العام، كان أولى أن يتم انتظار صدور قرار محكمة النقض قبل اللجوء لإجراءات التنفيذ، علما أن المكتب مليء الذمة ولا يخشى عسره وهو ما جعل القرار المطعون فيه عرضة للنقض.
كما كيف القاضي الإداري المغربي إقدام نازع الملكية على الترامي على أملاك الخواص دون احترام مسطرة نزع الملكية بمثابة اعتداء مادي حيث جاء في حكم لإدارية الدارالبيضاء ورد فيه ([6]): »وحيث أن الثابت فقها وقضاء أن الاعتداء المادي تصرف يصدر عن الإدارة أثناء قيامها بنشاط مادي تنفيذي، ويتسم بعدم المشروعية الجسيم لاعتدائه على حق الملكية الخاصة أو مساسه بحرية من الحريات الأساسية الهامة المحمية دستوريا، فهو بذلك عمل لا صلة له مطلقا بتطبيق نص قانوني أو تنظيمي أو حتى بإحدى الصلاحيات المستندة للإدارة.
كما جاء في حكم للمحكمة الإدارية بالرباط ما نصه([7])" حيث انه إذا كان للدولة والمؤسسات العمومية والجماعات المحلية حق اللجوء-بصفة استثنائية- إلى نزع ملكية العقارات كلما كانت في حاجة إلى ذلك من أجل تحقيق المنفعة العامة، فإنها تبقى ملزمة بسلوك الإجراءات والمساطر المنصوص عليها بمقتضى القانون رقم 81-7 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة والاحتلال المؤقت وقد دأب الاجتهاد القضائي في هذا الصدد على اعتبار تصرف الإدارة خارج الإطار القانوني السالف الذكر من قبيل الاعتداء المادي  والذي يعرفه الفقه بأنه ارتكاب الإدارة لعدم مشروعية جسيم وظاهر  أثناء قيامها بنشاط مادي تنفيذي يتضمن اعتداء على حق الملكية أو مساسا بحرية من الحريات العامة ويكون في حد ذاتها منعدم الاتصال بتطبيق أي نص قانوني أو تنظيمي أو حتى بإحدى السلطات المخولة للإدارة وهذا ما أكده المجلس الأعلى في القرار رقم 74 الصادر بتاريخ 12-3-1992 حيث اعتبر أن الاعتداء المادي هو" عمل مادي غير مرتبط بأي نص تشريعي أو تنظيمي.."

    من كل ما سبق يمكن القول أن مقتضيات المادة 8 مكرر من مشروع قانون المالية غير دستورية، وقد تفطن مجلس المستشارين بذلك حيث خلصت لجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين في اجتماع لها يوم الاثنين 29 ماي 2017 إلى أن لهذه المادة مجموعة من الآثار السلبية وحصل اجتماع بضرورة عدم التصديق عليها بعدما كان لمجلس النواب رأي مخالف، بمصادقة غالبية أعضائه عليها.





([1]) ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432( 29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور،الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر- الصادرة في 27 من شعبان 1432( 29 يوليو 2011)

([2]) مسطرة نزع الملكية منظمة في التشريع المغربي بموجب القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم  1.81.254بتاريخ 11 رجب 1402( 6 مايو 1982)، الجريدة الرسمية عدد 3685 بتاريخ 3 رمضان1403( 15 يونيو 1983)، ص908.
ومرسومه التطبيقي  رقم 2.81.382 صادر في رجب 1403( 16 أبريل 1983) بتطبيق القانون رقم 7.81 المتعلق بنزع الملكية لأجل المنفعة العامة وبالاحتلال المؤقت الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.81.254 المؤرخ ب 11 من رجب 1402(6 مايو1982).
([3])- تنص الفقرة الأولى من الفصل 19 من القانون رقم 7.81 على أنه: »يختص قاضي المستعجلات وحده للإذن بواسطة أمر بالحيازة مقابل دفع أو إيداع تعويض احتياطي يعادل مبلغ التعويض الذي اقترحه نازع الملكية«.
  وفي ذات السياق ينص الفصل 24 من القانون رقم 7.81 على ما يلي: »عندما يلتمس نازع الملكية الحيازة لا يجوز لقاضي المستعجلات رفض الإذن في ذلك إلا بسبب بطلان المسطرة.
وينص الأمر بالإذن بالحيازة على دفع التعويض الاحتياطي المنصوص عليه في الفصل 19 إلى ذوي الحقوق أو على إيداعه... «.
([4])- مع الإشارة إلى أن هناك إشكال قانوني وفقهي يتعلق بمدى إمكانية الحجز على الأموال العامة، للاطلاع أكثر عن إشكالية عدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة ومدى إمكانية الحجز عليها يراجع:
   -حسن صحيب، إشكالية عدم تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة، م.م.إ.م.ت، عدد 59، دجنبر 2004، ص: 87-77.
([5])- تتلخص وقائع هذه القضية في أن السيدة... استصدرت حكما عن المحكمة الإدارية بالرباط تحت عدد 3617 في الملف رقم 145/07 ش ت يقضي بأداء المكتب الوطني للماء الصالح للشرب لفائدتها تعويضا قدره
( 162.050.00) درهم، وبناء عل تذييل الحكم المذكور بالصيغة التنفيذية فتح له ملف التنفيذ رقم 283/12/1 أسفر عن تحرير محضر الامتناع عن التنفيذ من طرف المفوض القضائي سعيد التمري بتاريخ 15/ 5/2012 فقام هذا الأخير بتحرير محضر الحجز لدى الغير على حساب المنفذ عليه بين يدي القرض الفلاحي وكالة الحسابات الكبرى تحت رقم ....في حدود مبلغ (170689.61) درهم، وبعد إحالة الملف على رئيس المحكمة الإدارية بالرباط وتقديم المحجوز لديه بتصريح إيجابي، وفشل محاولة الاتفاق الودي بين الأطراف الودي على توزيع المبالغ المحجوزة بين الأطراف بسبب تخلف المطلوب ضده، وبعد استيفاء الإجراءات المسطرية صدر الأمر بالمصادقة على الحجز المضروب بين يدي القرض الفلاحي وكالة الحسابات الكبرى بالرباط على الحساب المشار إليه أعلاه في حدود مبلغ170.689.61درهم، وأمر المحجوز لديه في تحويل المبلغ المذكور إلى صندوق هذه المحكمة لتسليمه للمدعية وفقا للإجراءات المقررة قانونا، استأنفه المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب فأصدرت محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط قرارها بتأييد الأمر المستأنف وهو القرار المطعون فيه بالنقض.
  - قرار عدد 883/3 المؤرخ في: 25/06/2015 ملف إداري عدد 1287/ 4/ 2/2013 المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب ضد السيدة فاطمة الحمياني، أورده سمير ووال، معيار المنفعة العامة في مقرر ===
===نزع الملكية على ضوء اجتهاد القضاء الإداري المغربي، رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون الخاص- مسلك قانون العقار والتعمير  جامعة محمد الأول، الكلية المتعددة التخصصات بالناضور، السنة الجامعية 2016-2017، ص: 36.
([6])- حكم صادر عن إدارية الدارالبيضاء عدد في الملف 2760ملف عدد 6-11-349  بتاريخ 2012-09-27، أورده سمير ووال، م س، ص: 43
([7]) حكم رقم 1746 بتاريخ 14-05-2013 في ملف رقم 488-12-2010، أورده سمير ووال، م س،ص:  85.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق