إشكالية تقاطع المادة 8 مكررة
من مشروع القانون المالي بين نص القانون و الاجتهاد القضائي
الأستاذ : محمد الزكراوي
ذ: باحث في العلوم القانونية و الإدارية
مقدمة :
ان ضرورة تنفيذ الأحكام الإدارية الحائزة لقوة الشيء المقضي به احتراما لمبدأ المشروعية وسيادة القانون. و الأساس القانوني في احترام التنفيذ يقوم بتحقيق التوازن بين مصلحة الإدارة في الحصول على حقها المشروع، وبين مصلحة المدين في ألا يؤخذ من أمواله، او يعتدي على حريته دون وجه حق، و من جهة ثانية مراعاة الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية للمدين . وذلك عبر تبسيط إجراءات التنفيذ وتطوير أساليبه، بما يؤمن القضاء على ظاهرة تعطيل وتأخير تنفيذ الأحكام والمحررات التنفيذية، وتطوير الأعمال المالية والإدارية فيها، وفق احدث الأساليب لتقديم أفضل الخدمات للمواطنين ، لذلك فان حماية وضمان تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية تحضى بالحماية الدستورية و القانونية على قدم المساواة بين أفرادها من جهة و بين مواطنيها في مواجهة شطط الإدارات من جهة أخرى،
ولما كانت مسطرة تعديل مشروع القانون المالي "المادة 8 مكررة" الذي صودق عليه الجمعة الأخير بمجلس النواب، والتي تنص على أنه:
(يتعين على الدائنين الحاملين لسندات أو أحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة أو الجماعات الترابية ألا يطالبوا بالأداء إلّا أمام مصالح الآمر بالصرف للإدارة العمومية أو الجماعات الترابية المعنية. و انه في حالة صدور قرار قضائي نهائي اكتسب قوة الشيء المقضي به، يدين الدولة أو الجماعات الترابية بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه 60 يوما ابتداء من تاريخ تبليغ القرار القضائي السالف ذكره في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية. وتضيق انه يتعين على الآمرين بالصرف إدراج الاعتمادات اللازمة لتنفيذ الأحكام القضائية في حدود الإمكانات المتاحة بميزانياتهم، وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الآمر بالصرف باتخاذ كل التدابير الضرورية لتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانيات السنوات اللاحقة. وتضيف كذلك بقولها
(غير أنه لا يمكن في أي حال من الأحوال أن تخضع أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية للحجز لهذه الغاية).
فإننا و من وجهة نظرنا في الموضوع ، نرى أن مقتضيات المادة 8 من المشروع المعلن عنه قد زاغت عن مضامين و توجهات أحكام و قواعد الدستور فيما يبتغيه من إحقاق العدل و المساواة في ولوج دهاليز القضاء وإحقاق الإنصاف بين الأفراد و الإدارات العمومية ، وهي كذلك مخالفة صريحة للتوجهات الملكية الشريفة التي تقضي بتمكين المواطنين من استيفاء حقوقهم من تظلمات الإدارة في مواجهتهم
فما هو موقف القانون و القضاء الإداري من هذه الإشكالية ، ؟
المبحث الأول : تقاطع المادة 8 مع أحكام المادة 126 من الدستور
يهدف القانون، إلى صيانة حقوق الدولة والمواطنين وتيسير إجراءات التنفيذ وتربية المواطنين بروح التنفيذ ألرضائي للأحكام والمحررات التنفيذية واحترام سيادة القانون، لضمان استقرار المعاملات القانونية بينهم، وتحقيق أهداف التنمية الشاملة
و تنص كافة القوانين العربية على تجريم فعل الامتناع العمدي عن تنفيذ أحكام القضاء كما يمكن تفعيل آليات المسؤولية المدنيه في هذا الصدد، فضلاً عن المسؤولية
الإدارية. فالمفترض أنّ الدولة تعتبر خصمًا شريفًا، ويتوجّب عليها أن تدفع حقوق دائنيها وتقوم بجميع واجباتها من دون تهرب أو تأخير أو تقصير. فأحكام القضاء و المحاكم الإدارية ملزمة للإدارة، وعلى السلطات الإدارية أن تتقيّد بالحالات القانونية كما وصفتها هذه الأحكام. ويجب تنفيذ هذه الأحكام في مهلة معقولة. وحيث إن الأحكام القضائية التي تتمتع بالقوة التنفيذية، تعتبر ملزمة للسلطة الإدارية، فعلى هذه السلطة احترام الأحكام القضائية بصورة دائمة، وتنفيذ الأمر المقضي به وفق منطوق تلك الأحكام، وإلّا اختل ميزان العدالة وفسدت مقاديره وتلاشت القيم القانونية، وأصبح مبدأ الشرعية بلا قيمة .بل إن جرم الامتناع عن تنفيذ الأحكام و القرارات القضائية يكون أعظم إذا صدر عمن عظمت الأمانة التي عُهد بها إليه.
فمن البديهي أنه ليس لأحد في جهاز الدولة مهما علا شأنه تسفيه أحكام القضاء لتبرير امتناعه عن تنفيذها وتمرده عليها بل إن الواجب يقضي الالتزام بتنفيذها احتراماً للشرعية الدستورية والقانون، وعملاً بالصيغة التنفيذية التي تذيل بها تلك الأحكام، ولذلك تعتبر المخالفة القانونية في هذه المسألة جسمية ومارقة لما تنطوي عليه من خروج سافر على الدستور والقوانين. تستوجب المعاقبة و المساءلة القانونية عن فعل الامتناع ،بل الأكثر من ذالك أن المساءلة القانونية لا تقف عند حد معاقبة الموظف المرتكب جريمة الامتناع عن تنفيذ أحكام القضاء بل يستطيع المحكوم له أن يقيم دعوى تعويض ضد شخص أي موظف ساهم في الامتناع الإجرائي عن تنفيذ الحكم. فكل خطأ سبب ضرراً للغير يلزم من ارتكبه بالتعويض، لأن امتناع الموظف عن تنفيذ حكم بات واجب النفاذ يعد خطأ جسيماً من ناحية كما أنه تترتب على هذا الخطأ أضرار جسيمة تصيب المحكوم له مصدرها عدم حصوله على الحق المحكوم به، والسبب المباشر لهذا الضرر هو مسلك الموظف الممتنع الخاطئ بالامتناع عن تنفيذ الحكم .
وبالرجوع إلى مضمون النص الدستوري وخاصة الفصل 126، والذي ينص على أن الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع، نجد أن هذا الالتزام الصريح والواضح الذي نص عليه الفصل 126 من الدستور، خرقته الأغلبية ووافقت عليه الحكومة بتعديلها لنص القانون المالي، حين أضافت "المادة 8 مكررة" و هو الذي جعل من مضمونها يتنافى ة و توجهات الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان في دورة أكتوبر 2016، بقوله
(المواطن يشتكي بكثرة، من طول وتعقيد المساطر القضائية، ومن عدم تنفيذ الأحكام، وخاصة في مواجهة الإدارة، فمن غير المفهوم أن تسلب الإدارة للمواطن حقوقه، وهي التي يجب أن تصونها وتدافع عنها، وكيف لمسؤول أن يعرقل حصوله عليها وقد صدر بشأنها حكم قضائي نهائي؟)
ان المتابعة المنتظمة لتطور القضايا المرفوعة ضد إدارات الدولة و الجماعات الترابية و لمدى تنفيذ مقتضيات الدوريات و المناشير الصادرة بهذا الشأن، أظهرت أن مسالة تقيد الإدارات العمومية بتنفيذ الأحكام القضائية ، لا يزال لم يحظ بالعناية و الاهتمام الكافي من لدن إدارات الدولة ووحداتها الترابية ، ذلك انه تبين من خلال دراسة جداول القضايا التي عرفتها الجماعات المحلية كمدعى عليها خلال الفترة الانتدابية السالفة، أن عدد المنازعات القضائية و الأحكام الصادرة ضدها وحالات عدم تنفيذ هذه الأحكام قد تصاعد بشكل كبير نتيجة لعدد من الثغرات والإختلالات القانونية و المسطرية التي شابت عملها أثناء تدبيرها لهذا القطاع فضلا عن تسجيل تهاون وعدم اهتمام من جانبها طيلة مدة سريان الدعوى أمام القضاء.
ففيما يتعلق بالتزايد المستمر لعد المنازعات القضائية ضد الجماعات الترابية، فقد تبين أن تصاعد عدد القضايا المرفوعة أمام المحاكم ، يرجع بالأساس إلى عدة عوامل ذاتية وموضوعية سبق و أن تم معالجتها في عدد من الدوريات و المناشير السابقة. وتتمثل هذه العوامل على الخصوص فيما يلي:
- عدم إعداد دراسة مادية وقانونية للوقائع والظروف المحيطة بالعمل الذي أقدمت عليه الجماعة وكذا عدم تقدير الأسباب التي تم الاستناد إليها
- عدم احترام النصوص القانونية والتنظيمية المعمول بها في كل موضوع تطلب تدخل أو عمل الإدارة مثل الإقدام على احتلال ملك الغير دون إتباع مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة
- الامتناع لأسباب وحجج واهية ، عن التعويض عن نزع الملكية من أجل المنفعة العامة
- الامتناع عن أداء الديون المترتبة في ذمة الجماعة والناتجة عن عقود التوريد والأشغال و الخدمات
-الاعتداء على ملك الغير من أجل القيام بمشروعات جماعية دون اتباع مسطرة نزع الملكية و بدون تعويض؛
- التدخلات المادية للإدارة التي تؤدي إلى إحداث أضرار مادية للغير نتيجة عدم اتخاذ الإجراءات الإحترازية .
-عدم الالتزام بالوفاء بالديون المترتبة في ذمة الجماعة نتيجة تعاملها مع الخواص داخل الآجال القانونية .
إن ما يثير الانتباه هو أن معظم الجماعات الترابية و إدارات الدولة المحكوم عليها لا تولي أهمية خاصة لتنفيذ الأحكام، متدرعة بعدة مبررات لا سند لها في أغلب الأحيان ، وهذا ما يشكل احتقارا للأحكام القضائية وخرقا لمبدأ قدسية القضاء ودولة الحق والقانون . وقد تفاقمت هذه الإشكالية إلى حد أن أصبحت مثار عدة تساؤلات و شكايات ترد على الوزارات ،
فرغم صدور مجموعة من المناشير والدوريات التي صدرت في هذا الشأن والتي يظهر أنها لم تأخذ القسط الأوفر من الاهتمام من لدن المجالس الجماعية. نورد ذكر بعضها على سبيل الاستئناس لا الحصر :
- الدورية رقم 55 م م م بتاريخ 23 أبريل 1996 حول تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الجماعات المحلية .
- منشور عدد 121 ق م م/ 3 بتاريخ 1/10/1998 حول تنفيذ الأحكام والقرارات النهائية .
- منشور 120 ق م م/ 3 بتاريخ 9 غشت 2000 حول ضرورة تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية .
ويعود امتناع الجماعات الترابية و إدارات الدولة عن التنفيذ بالأساس إلى اعتقادها بعدم وجود وسائل جبرية تلزمها بالإمتثال إلى الأحكام القضائية الصادرة ضدها من جهة وإلى استنادها إلى مبدأ عدم جواز الحجز على الأموال العمومية من جهة أخرى .
غير أن هذا الاعتقاد ينطوي على كثير من الخطورة، فالمحاكم المغربية دأبت على إصدار أوامر بالحجز على أموال الجماعة كلما امتنعت عن تنفيذ أحكام بأداء دين لفائدة الغير بدون مبرر قانوني، واعتبرت أن الأمر بالحجز هو وسيلة لضمان استيفاء الدين المطلوب أداؤه . و إذا كان المتفق عليه فقها و قضاء أنه لا يمكن حجز الأموال العمومية إلا في حالة التخصيص، فإن هذا المبدأ يتم استبعاده في حالة الامتناع دون مبرر قانوني عن تنفيذ حكم قضائي نهائي حائز على قوة الشيئ المقضي به.
وتجدر الإشارة في هذا الباب أنه سبق لوزارة الداخلية بواسطة دوريتي عدد 162 م ج م/ ق م م/ 3 بتاريخ 22 مايو 1991 المتعلقة بضبط المنازعات القضائية للجماعات المحلية بأن طالبت حث رؤساء المجالس الجماعية التابعة لدائرة نقودها للقيام بإحداث أقسام ا قانونية من أجل دعم و مساعدة المجلس الجماعي في القضايا ذات الطابع القانوني مما يبعد المجلس الجماعي الوقوع في أخطاء قانونية ومسطرية ينتج عنها صدور أحكام قضائية تكلفه أعباء مالية هو في غنى عنها .
فمشروع القانون المالي و بموجب أحكام المادة 8 منه ، سيجعل من تطبيقها مخالفا لمقتضيات الدستور و أحكامه وضربا لقاعدة تدرج القوانين بل يمكن القول تدخلا سافرا في شؤون العدالة و القضاء
المبحث الثاني : تقاطع مقتضيات المادة 8 من المشروع مع أحكام الاجتهاد القضائي
يقول الأستاذ الدكتور عبد الرزاق السنهوري في هذا المعنى : " أن من كان مظلوماً وكان خصمه قوياً كالإدارة، فلابد من ملاذ يلوذ به ويتقدم إليه بشكواه ولا شيء أكرم للإدارة وأحفظ لمكانتها من أن تنزل مع خصمها إلى ساحة القضاء تنصفه أو تنتصف منه وذلك أدنى إلى الحق والعدل وأبقى للهيبة والاحترام " .
إن إشكالية المادة 88 مكررة من المشروع السالف الذكر ، لا تتجاوز الأحكام و القواعد الدستورية فقط بل بل تعدى نطاق مقتضياته ما جبل عليه القضاء الإداري المغربي في الكثير من أحكامه
فإذا كانت الإدارة تسهر على تنفيذ القوانين فالأولى لها احترام مقتضيات الأحكام الإدارية باعتبارها هي الأخرى مصادر للقاعدة القانونية الملزمة و المجردة و العامة ،ذلك انه اذا كان من المقرر انه لا يجوز عرقلة الأعمال الإدارية و بالتالي منع البث في كل ما يمكن أن يعيق أعمال الإدارة و الحول دون استمرارية خدماتها . فنشير أن من قصده المشرع من الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية بعمل الإدارة الذي لا يجوز تعطيله من طرف المحاكم هو العمل المؤسس على جد ادني من المشروعية ( قرار المجلس الأعلى الغرفة الإدارية عدد 452 بتاريخ 1999/4/22 . )
فالمستقر عليه فقها وقضاء إن وجود صعوبة للإدارة في تنفيذ الحكم الصادر في مواجهتها ، يشكل ظروفا خاصة بها ولا علاقة لطالب التنفيذ بها ، وبالتالي فإنه من واجب الإدارة سلوك الإجراءات اللازمة من أجل تنفيذ هذا الحكم، لا أن تعمل على خلق أعذار ومبررات لتعطل عملية التنفيذ مادام لا يوجد بالملف ما يفيد قيام الإدارة باتخاذ أي إجراء ايجابي يستشف منه عزمها على القيام بعملية التنفيذ، مما يجعل إثارتها للصعوبة في التنفيذ المبنية على ظروف تتعلق بها غير مبني على أساس وينم فقط عن وجود تماطل من جانبها لتنفيذ الحكم المستشكل في تنفيذه. وهكذا قامت المحكمة الإدارية بفاس بمناسبة تنفيذ حكم إلزامي ونهائي تحت عدد:1050 / 97 في مواجهة الجماعة الحضرية لزواغة لفائدة مليكة بنت الحاج ومن معها لاستيفاء حقوق مالية تم حجز مجموعة من السيارات بالملف التنفيذي عدد23/ 98 في مواجهة المجلس و تقرر تحديد تاريخ بيعها بالمزاد العلني غير أن المجلس المنفذ عليه وبسبب الحجز بادر على تنفيذ الحكم، تلقائيا تفاديا لبيع المحجوز ووفى بالتزاماته المالية موضوع السند التنفيذي.
و في إطار تنفيذ حكم أخر لفائدة عبد اللـه العلمي تحت عدد:642 ت/ 96 في مواجهة الجماعة الحضرية لزواغة تم إيقاع الحجز التنفيذي على مجموعة من سيارات المجلس المنفذ عليه بالملف التنفيذي عدد 30/98 وخلال مسطرة إجراءات بيع المحجوز قام المجلس البلدي بالوفاء بالتزاماته المالية موضوع السند التنفيذي.
ولم تكتفي المحاكم الإدارية بالحجز التنفيذي على الأموال المتواجدة بين يدي الإدارة الممتنعة، بل قامت بإيقاع الحجز على أموال الإدارة المتواجدة بين يدي الغير، أي أنها سلكت مسطرة الحجز لدى الغير.
وهكذا، وبعد أن امتنعت الوكالة الوطنية لمحاربة السكن غير اللائق، عن تنفيذ الحكم الصادر في مواجهتها، القاضي عليها بأداء تعويضات في إطار نزع الملكية لفائدة المنزوع ملكيتها، قام مأمور التنفيذ التابع للمحكمة الإدارية بالرباط بتحرير محضر الامتناع عن التنفيذ، ثم بعد ذلك قام بإيقاع حجز لدى الغير على أموال المطلوبة في التنفيذ، المودعة في حسابها لدى الخزينة العامة، وبعد إجراءات تبليغ محضر الحجز إلى الأطراف وإنجاز مسطرة مصادقة على الحجز، أصدر رئيس المحكمة الإدارية بصفته هاته أمرا بتاريخ 23/4/1997، تحت عدد 99 قضى فيه بالمصادقة على الحجز لدى الغير وأمر المحجوز بين يديه بإيداع الرصيد المتوفر لديها من حساب المحجوز عليها بكتابة الضبط حتى تقوم بتوزيعه عن طريق المحاصة على طالبي الحجز.
وقد دفعت المحجوز عليها بأنها تعتبر مؤسسة عمومية وأنه لا يجوز الحجز على أموالها، فكان جواب المحكمة على هذا الدفع بمثابة قاعدة، بحيث أجابت بـ:" أن الأموال التي يتشكل منها رأس مال المحجوز عليها على افتراض أنها أموال عمومية، فإن جزء منها رصد أصلا لتسديد مستحقات أصحاب الأرضي المنزوعة ملكيتهم، وهذا الحجز يشكل ضمانة بالنسبة لهؤلاء ولا ضرر فيه على مصلحة المحجوز عليها".
كما أن الغرفة الإدارية سارت في نفس الاتجاه، من خلال قرارها الصادر بتاريخ 22/5/1997، تحت عدد 556 الذي جاء فيه ما يلي:" بأن الإدارة في مجال نزع الملكية للمنفعة العامة ترصد مسبقا أموال لتغطية التعويضات الناتجة عن نزع الملكية أراضي الخواص، وهي بذلك تخرج بإرادتها هذه الأموال من ذمتها المالية لتخصصها للتعويض عن نزع الملكية، وبالتالي فإنها تضفي عليها صبغة خصوصية وتجعلها قابلة للتنفيذ عليها"، وأضاف نفس القرار" ...يحق للمنزوعة ملكيتهم القيام بتلك الإجراءات القانونية للتنفيذ على الأموال بما في ذلك مسطرة الحجز لدى الغير".
وقد اعتمدت المحكمة الإدارية والغرفة الإدارية في إيقاع الحجز على كون الأموال المحجوزة أموالا خاصة عندما يتعلق الأمر بنزع الملكية.
وقد أجازت المحكمة الإدارية حجز أموال الإدارة، لكن بالاعتماد على أساس أخر مخالف للأساس المستعمل في القضية السابقة، وذلك في قضية المكتب الوطني للأبحاث والاستثمارات النفطية، بحيث أن هذا المكتب امتنع عن تنفيذ حكم صدر في مواجهته قضى عليه بأداء مبالغ مالية مهمة لفائدة أحد أطره.
وأمام هذا الامتناع قام مأمور التنفيذ بإيقاع الحجز لدى الغير على أموال هذه المؤسسة المودعة لدى أحد البنوك، فدفع المكتب بعدم إمكانية الحجز على أموالها لأنها تستفيد من الحماية التي يفرضها المشرع لفائدة المؤسسات العمومية بخصوص عدم إيقاع الحجز على أموالها وعدم التنفيذ عليها جبرا، فصدر الأمر القضائي بتاريخ 12/9/1997 بالملف عدد28/97 س، الذي كرس القاعدة التالية:"و إذا كان لا يجوز الحجر على المؤسسات العمومية فلكونها مليئة الذمة وليس لكون أموالها أموالا عمومية، ولكن إذا ثبت امتناع المؤسسة العمومية عن تنفيذ حكم قضائي بدون مبرر فإن ملاءة الذمة تصبح غير مجدية بالنسبة للتنفيذ الذي يرغب فيه من صدر الحكم لفائدته، وفي هذه الحالة يجوز القيام بالتنفيذ الجبري على أموال المؤسسة المذكورة نظرا لصبغة الإلزام التي تفرضها بحكم القانون الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ...".فصدر الأمر القضائي بتاريخ 12/9/1997 بالملف عدد28/97 س، الذي كرس القاعدة التالية:"و إذا كان لا يجوز الحجر على المؤسسات العمومية فلكونها مليئة الذمة وليس لكون أموالها أموالا عمومية، ولكن إذا ثبت امتناع المؤسسة العمومية عن تنفيذ حكم قضائي بدون مبرر فإن ملاءة الذمة تصبح غير مجدية بالنسبة للتنفيذ الذي يرغب فيه من صدر الحكم لفائدته، وفي هذه الحالة يجوز القيام بالتنفيذ الجبري على أموال المؤسسة المذكورة نظرا لصبغة الإلزام التي تفرضها بحكم القانون الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ...".
وهكذا فإن المحكمة لم تعتمد على نظرية الأموال الخاصة للدولة والمؤسسات العمومية القابلة للحجز كما فعلت في قضية نزع الملكية، بل اعتمدت قاعدة جديدة مغايرة تتمثل في أن الامتناع بدون موجب عن التنفيذ هو الذي يبرر الحجز، دون الاكتراث بملاءة أو عسر المحجوز على أمواله.(قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 204 بتاريخ 23/04/2007
ملف عدد 20/07/2)
فإذا كان لا يجوز الحجز على أموال المؤسسة العمومية فلكونها مليئة الذمة ولا يخشى إعسارها وليس لكون أموالها أموالا عمومية مادام لا يوجد أي نص قانوني يمنع حجزها ، ولكن إذا ثبت امتناع المؤسسة العمومية عن تنفيذ حكم قضائي بدون مبرر ، فإن ملاءة الذمة تصبح غير مجدية بالنسبة للتنفيذ الذي يرغب فيه من صدر الحكم لفائدته، وفي هذه الحالة يجوز القيام بالتنفيذ الجبري على أموال المؤسسة العمومية نظرا لصبغة الإلزام التي تفرضها بحكم القانون الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ مادام هذا الحجز لا تأثير له على السير العادي للمرفق.
( قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 53 بتاريخ 12/2/2007
ملف عدد 103/06/22).
الخاتمة
في حين كنا ننتظر من المشرع ترجمة مرامي و توجيهات الخطاب الشريف الرامي إلى نصرة الحق و إرساء معالم مؤسسات العدل تماشيا و مقتضيات الدستور الجديد ، جاء المشروع المالي ليطرح أكثر من تساؤل حول مدى دستورية المادة 8 منه
المراجع:
-أحكام قضائية على موقع startimes بعنوان الحجز على أموال الإدارة الممتنعة عن التنفيذ
- مقال لنا بمجلة منازعات الأعمال بعنوان تنفيذ الأحكام القضائية بين قوة القانون و قانون القوة المنشور كذالك بالموقع التونسي point juridique
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق