تقديم نتائج دراسة تشخيصية لجمعية صوت المرأة الأمازيغية
حول ظاهرة تزويج الطفلات بين التشريع والعمل القضائي والممارسة
نظمت
جمعية صوت المرأة الأمازيغية بشراكة مع الوكالة الكطلانية للتنمية والتعاون،
ندوة لتقديم نتائج دراسة تشخيصية لظاهرة تزويج الطفلات بين التشريع والعمل
القضائي والممارسة : حالات الطفلات بإقليم أزيلال.
استهلت
أشغال الندوة بكلمات للجهات المنظمة أكدت على الاطار العام للمشروع، والذي يتمحور
حول تزويج الطفلات كظاهرة أصبحت تستأثر باهتمام المجتمع وصناع القرار، وذلك نظرا
لوجود مفارقات بين نص مدونة الأسرة والتطبيق العملي، فضلا عن ما تخلفه هذه الظاهرة
من عواقب صحية وانعكاسات اجتماعية، وفي هذا الاطار يندرج هذا المشروع الذي يشمل
تنظيم قوافل تحسيسية لتوعية الأسر وخاصة الفتيات والمجتمع المحلي بمخاطر الزواج
المبكر، بهدف المساهمة في مناهضة هذه الظاهرة المقلقة.
وقدم عضو
المرصد الوطني لاستقلال السلطة القضائية أنس سعدون عرضا حول نتائج الدراسة
التي قاربت موضوع تزويج الطفلات من زاوية المعايير الدولية التي تكرس مبدأ حظر هذا
النوع من الزواج بالنظر لأخطاره، والنصوص الوطنية وفي مقدمتها نص الدستور الذي كرس
مبدأ حماية حقوق المرأة، وحقوق الطفل، وحقوق الأسرة. مضيفا بأن المدونة الجديدة
كرست التحول من الأسرة التقليدية التي تقوم على واجب الطاعة بقيادة الزوج، الى
الأسرة الحديثة القائمة على الرعاية المشتركة للزوجين بما يفرضه هذا التحول من
ضرورة توفر الرضا الكامل للزوجين، وهو ما لا يتحقق في حالة زواج القاصر.
وتطرق
أنس سعدون للآليات القانونية المرصودة من أجل تضييق حالات تزويج الطفلات باعتبار
هذا الزواج استثناء، ومن أهمها ضرورة الخضوع للرقابة القضائية، للتأكد من قدرة
القاصر على الزواج ووجود مصلحة تثير في الحالات التطبيقية عدة اشكالات خاصة وأن
غالبيتها ترتبط بفقر الطفلة المراد تزويجها ويسر الخاطب، مما يؤكد أن الظاهرة في
عمقها مرتبطة بالفقر والهشاشة، مشيرا في هذا الصدد أن القضاء كرس عدة اجتهادات
مبدئية لسد الثغرات الموجودة في النصوص المنظمة لتزويج الطفلات من بينها: الاستماع
الى الخاطب، الاستماع للطفل، والتنصيص في مقرر الزواج على اسم الخاطب، والجمع بين
الخبرة الطبية والبحث الاجتماعي، واشتراط ادلاء طالب الحصول على
الاذن (الطفل)، بشهادة سكنى رغم أن النص القانوني لا يقيد تزويج الأطفال باختصاص
محلي للمحكمة، وذلك بهدف مواجهة التحايل على الحصول على اذن قضائي في حالة صدور
مقرر سابق بالرفض عن محكمة اخرى، فضلا عن رفض اصدار الاذن في حالة متابعة الفتيات
لدراستهن.
واختتم الباحث في قانون الأسرة
المغربي والمقارن مداخلته بالتأكيد على أن زواج الفاتحة ثغرة قانونية تشجع على
التحايل على المقتضيات القانونية المقيدة لتزويج الأطفال، والتملص من الرقابة
القضائية.
وقدمت الأستاذة ثريا تناني رئيسة
جمعية مبادرات ببني ملال ورقة حول ظاهرة تزويج الطفلات حذرت من خلالها من المنحى
التصاعدي الذي تعرفه الظاهرة خاصة في المناطق النائية خصوصا بجهة بني ملال خنيفرة
التي تعرف انتشارا واسعا للظاهرة بحسب ما تكشف عنه التحقيقات التي أجريت من طرف
قوافل طبية وحقوقية فضلا عن بحوث في هذا الشأن، مشيرة إلى الانعكاسات السلبية التي
تؤثر على مستقبل الأسرة والمجتمع، ما يستدعي العمل على توفير إمكانيات للحد من ظاهرة
تزويج الطفلات والتعاطي مع هذا الموضوع باعتباره انتهاكا لحقوق الطفلات، يقتضي معالجة
شمولية تراعي أبعاد الظاهرة، وأسبابها ومضاعفاتها الصحية والاجتماعية،
وتنطلق من مسؤولية الدولة في حماية حقوق الطفلات من العنف والتمييز على أساس
الجنس، وضمان سلامتهن النفسية والجسدية.
أشغال الندوة عرفت تقديم الخلاصات
التي خلصت اليها الدراسة من بينها:
1-
وجود
اتجاه عام يؤكد ارتفاع ظاهرة تزويج الاطفال؛
2-
تزويج
الاطفال ظاهرة تمس الإناث أساسا؛ اذ ان طلبات تزويج أطفال ذكور تبدو شبه منعدمة،
مما يؤكد تأنيث ظاهرة زواج الأطفال.
3-
تستند
أغلب مقررات الاذن بتزويج الطفلات على ضعف الامكانيات المادية لأسرة الطفلة المراد
تزويجها، ووجود مصلحة لها في الزواج الذي يمكن أن يضمن لها ظروفا أوفر للحياة. وهو
ما يطرح اشكالا اخلاقيا لأنه ينبني عن شبه
استغلال اقتصادي لفئات اكثر هشاشة وهم الاطفال، ويعكس هذا المعطى غياب الدولة، حيث
يبرز تزويج الأطفال كعنوان للهشاشة ولإخلال الدولة بالقيام بمسؤولياتها المقررة في
المادة 54 من مدونة الأسرة التي تنص على أن الدولة تعتبر مسؤولة عن اتخاذ التدابير
اللازمة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم ورعايتهم طبقا للقانون، وهو ما لا يتحقق دائما من خلال الاكتفاء بتزويجهم
للتخلص من أعباء مسؤولياتهم.
4-
وجود اعتقاد متنامي لدى عدد من القضاة
المكلفين بالزواج بأن
الاذن القضائي بتزويج
الطفلات هو وسيلة لحمايتهن
قانونا، لأن صدور قرار برفض طلب تزويج طفلة قد يدفع أسرتها لتزويجها بالفاتحة، وهو
زواج لا يضمن أي حقوق للطفلة، ويكشف هذا المبرر عن ثغرة خطيرة في مدونة الأسرة
توظف من طرف الكثير من الأسر للتحايل على القانون وخرق المقتضيات الحمائية التي
تضمنتها مدونة الأسرة، مما يستدعي تدخلا
تشريعيا عاجلا.
وخلصت
الدراسة في الأخير الى ضرورة حذف المقتضيات القانونية التي ترخص بتزويج الاطفال؛ لأن
المكان الطبيعي للطفل هو المدرسة وفضاءات الترفيه واللعب وليس بيت الزوجية، ولأن
الزواج من شانه ترتيب مسؤوليات جسيمة على عاتق طرفيه لا يتحملها طفل يحتاج بدوره
للحماية. ولأنه ثمة عدة مؤشرات رقمية تؤكد تنامي المشاكل القانونية والاجتماعية
المترتبة عن ظاهرة تزويج الطفلات : فرغم غياب أي احصائيات رسمية دقيقة وواضحة بخصوص
ظاهرة طلاق القاصرات التي تعتبر ظاهرة بادية للعيان بعدد من المحاكم، فالجهاز
الاحصائي التابع لوزارة العدل والحريات لا يزال يغفل هذا المعطى الهام من المؤشرات
العددية التي يقوم برصدها بشكل سنوي. لكن العمل القضائي بعدد من أقسام قضاء
الأسرة، (المحكمة الابتدائية بأزيلال ومراكز القضاة المقيمين التابعة لها نموذجا)
يكشف عن حقيقة مفادها أن نسبة كبيرة من حالات تزويج الطفلات تنتهي بالفشل سواء بعد
بلوغ الزوجات سن الرشد القانوني أو حتى قبل ذلك، وهو ما تترجمه حالات لجوئهن
للقضاء بشكل مكثف لطلب التطليق لسبب من الأسباب المحددة قانونا، أو لرفع دعاوى
تتعلق بآثار عقد الزواج لا سيما تلك المتعلقة بواجب الانفاق أو السكن، ناهيك عن
حالات تعنيفهن أو طردهن من بيت الزوجية، الشيء الذي يؤكد هشاشة وضعية الأسر التي
يكون أحد طرفيها قاصرا –وفي الغالب الأعم الزوجة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق