خصوصيات

شرعية اللاقانون

شرعية اللاقانون




عبد الله ايت وكريم   
حاصل على شهادة الماستر في القانون والممارسة القضائية
بكلية الحقوق السويسي

"سيادة القانون" هو مبدأ تهافتت الدول الديمقراطية الى تثبيت قواعده بنجاح في قوانينها ويعني وفق تعريف الامم المتحدة "مبدأ للحكم يكون فيه جميع الاشخاص والمؤسسات والكيانات والقطاعات العامة والخاصة بما في ذلك الدولة نفسها مسؤولين امام قوانين صادرة علانية وتطبق على المجتمع بالتساوي ويحتكم في اطارها الى قضاء مستقل...".
والمغرب شأنه شأن كل الدول يسعى الى تكريس هذا المبدأ وتنزيلة في كافة مناحي الحياة، الا ان البحث في ثنايا الواقع يبين حجم الهوة بين هذا المبدأ وما هو مكرس فعلا بالمغرب، فبعيدا عن جدلية العلاقة بين المواطن والادارة المغربية وبعيدا ايضا عن المجال السياسي، يستوقفنا قطاع السير على الطرق بالمغرب الذي خصصت له في الحقبة الاخيرة مجموعة من الورشات العلمية والندوات والمناقشات داخل القبة البرلمانية وخارجها توجت باصدار القانون رقم 52.05 المتعلق بمدونة السير على الطرق الذي يندرج في إطار الاستراتيجية الحكومية المتعلقة بالسلامة الطرقية، وهي تعد إطارا قانونيا مرجعيا لإصلاح الترسانة التشريعية وتحديث المقتضيات القانونية لمواجهة آفة حوادث السير، كما تعتبر قانونا حداثيا يأخذ بعين الاعتبار التطورات والمستجدات المرتبطة بقطاع السير.
في الواقع كان لهذا القانون وقع كبيرا وارتسامات المواطن المغربي كانت ايجابية على اعتبار ان هذه الخطوة ستضع حدا للتسيب الذي صاحب قطاع السير لمدة طويلة لاسيما في الشق المتعلق بالمخالفات والسلطة الممنوحة لرجال الامن ولرجال الدرك الملكي في ضبطها. وفي واحدة من المشاهد الخطيرة التي تضرب في العمق كل المجهودات المادية و التحسيسية التي تبذلها الدولة في سبيل تكريس سيادة القانون والحد من الارتفاع المتزايد في مؤشر حوادث السير نجد عن فئة " مكتسوقش " للقانون ، و تفعل ما يحلو لها دون أي مراعاة لرجال الامن أو الدرك أو حتى احترام بعض بنوذ قانون السير على الاقل ، و فئة تؤدي ثمن ذلك غاليا "المستهلك"، نتحدث هنا عن اصحاب الطاكسيات من نوعيها "الكبير والصغير" وذلك في مخالفة صريحة للمادتين 184 و 185 من مدونة السير بشأن عدم التوفر على جهاز حزام السلامة  المصنف كمخالفة من الدرجة الاولى وعدم احترام اجبارية استعمال حزام السلامة كمخالفة من الدرجة الثانية، وهو الامر الذي كان ينتظر زواله مع دخول الاسطول الجديد من الطاكسيات لكن سرعان ما تم توظيف احزمة الامان كوسيلة لحماية المقاعد من الانطواء للخلف او الانكسار عوض حماية اجساد المواطنين من الاندفاع خارج السيارة او ارتطامها بالهيكل في حالة اصطدام لا قدر الله، بل ان سائق سيارة الاجرة الصغيرة يتفاجأ عندما يجدك منهمك بوضع حزام الامان وفي نظرة يملؤها الاستغراب، هذا اذا لم يتلفظ بكلام في غالبيته يفيد السخط لانك لست كالكل وتحترم قواعد السلامة الشخصية قبل احترام القانون، وليس غريبا ايضا تخصيص المقعد الامامي لسيارات الطاكسي من الحجم الكبير لشخصين في مخالفة صريحة لمقتضيات السلامة الطرقية وهو ما من شانه ان يؤدي بالمستهلك لامور قد لا تحمد عقباها، وبالنسبة لهذا الاشكال فقد تم ايجاد حل له مع خروج الاسطول الجديد.
وغير بعيد عن هذا الوضع، تتباين في الافق نقطة سوداء اخرى لا تقل اهمية وخطورة عن الاولى، وهي سياقة الدراجات النارية دون استعمال خوذة من قبل رجال السلطة بصفة عامة فقلما تجد شرطي او دركي او حتى رجلا للوقاية المدنية يستعمل الخوذة اثناء استعمال دراجته النارية الخاصة، وبالرغم من كون هذا التدبير يهم السلامة الشخصية بالدرجة الاساس الا ان التسامح مع هاته الفئة وانزال العقوبة على المواطن العادي " الذي اصبح يمقت علامة 'قف الشرطة'"  من ابهى صور اللامساواة امام القانون، وهو من اخطر الاسباب التي تفرض الفوضى و " السيبة "، الامر الذي يفرض ايجاد صيغة لتطبيق القانون على الجميع ، و دون استثناء تكريسا لمبدأ الامن القانوني على مستوى التنزيل.
وبالرجوع ايضا الى المرسوم رقم 2.10.421 صادر في 20 من شوال 1431 (29 سبتمبر 2010) بتطبيق أحكام القانون رقم 52.05 المتعلق بمدونة السير على الطرق، في مادته 85 التي نجدها تنص على اجبارية تزود الحافلات الكبيرة بحزام سلامة لكل مقعد، ليس من باب الزينة بل لحماية السلامة الجسدية للافراد ولا نجد لهذا المقتضى أي تطبيق على ارض الواقع بل حتى سائق حافلات  النقل العمومي او نقل المسافرين لا يضع حزام السلامة فما بالك بالمسافر الذي قد لا يتعرض لنفس المخاطر المهددة للسائق،
هذا المقال ليس من باب الترف القانوني بل من باب الغيرة على الوطن والسعي الى ارجاع الامور لنصابها والتقليل من  عدد الشكاوى التي تطعن في قانونية المخالفات وتصرفات بعض محرري المحاضر. تكريسا لمبدأ سيادة القانون ولمبدأ المساواة امام القانون، لبناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، كما جاء في تصدير دستور المملكة لسنة 2011، لان من شأن ذلك بداية اقلاع صحيحة و حقيقية لبلد ديموقراطي كما يحلم به كل مواطن مغربي، كما هو الحال عليه في كل البلدان المتقدمة و التي تحترم شعوبها



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق