التوظيف عن طريق التعاقد في نظام التعليم بالمغرب
هشام الاعرج
باحث في قانون ومنازعات الأعمال
إن موضوع الوظيفة العمومية مرتبط بتطور الدولة، فبقدر اتساع
الوظائف التي تقوم بها الدولة بقدر احتياجها إلى المرافق العامة، واحتياجها إلى إطار
قانوني فعال لتنظيم هذه المرافق وخاصة ما يتعلق بالعنصر البشري .
فالدولة الحديثة أصبحت هي المسؤولة عن التخطيط للتنمية بإبعادها
المختلفة ، لذا يتعين عليها تنمية الإدارة عبر تطوير أجهزتها وتبسيط إجراءات العمل
، والاهتمام بالعنصر البشري الذي هو الأداة الفاعلة والمتحركة داخل الجهاز الإداري
برمته. لذا يجب أن يتضمن النظام القانوني للوظيفة العمومية القواعد التي تكفل حسن اختيار
الموظفين عند التعين وأثناء العمل ، وأن تضمن لهم مستوى معيشي جيد حتى يقدموا الخدمة
العامة للمرتفقين بطريقة فعالة ومتضمنة لكل مواصفات الجودة .
إن الوظيفة العمومية بهذا المعنى تعتبر من أهم المرافق التي
تقدم الخدمة عبرها للمواطنين باسم الدولة ، وذلك في صورة نشاط إداري يقوم به الموظفون
على مستوى مختلف الإدارات العمومية والجماعات المحلية مركزيا وجهويا ومحليا. حيث تغدو
الوظيفة العمومية أداة أساسية في يد الدولة لدعم التنمية وإشباع حاجيات المواطنين.
و قد اثار موضوع التوظيف بالتعاقد في الوظيفة العمومية
نقاشا حادا بين مختلف الأوساط النقابية و التي اعتبرت هذا النوع من الإجراءات
سيؤدي الى خوصصة الإدارة و جعلها تنحرف عن بعض المبادئ المرتبة بالمرفق العام
كمبدأ المساواة و مبدأ الاستمرارية، و هو الذي تم التنصيص عليه صراحة في النظام
الأساسي العام للوظيفة العمومية في الفصل 6 مكرر، و عزمت الحكومة على إصدار
المرسوم التطبيقي لهذا الفصل.
و قد اعلنت وزارة التعليم مباريات بالتعاقد وبذلك نطرح الأسئلة التالية، ما هو مصير التعليم العمومي في المغرب؟
المدرسة العمومية الى أين؟ ما هو مصير المجازين في المغرب؟ هل فعلا هناك اصلاح التعليم
في المغرب؟ هل هذا الاصلاح في صالح المواطن المغربي ام العكس؟
أصدرت وزارة التعليم
مذكرة تحمل رقم 866/16 حول التوظيف عن طريق التعاقد في قطاع التربية والتكوين وذلك
تفعيلا للمقرر المشترك بين وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني ووزارة الاقتصاد
والمالية حسب ديباجة المذكرة.
و
دعا وزير التعليم من خلال هذه المذكرة مدراء
الاكاديميات الجهوية للتربية والتكوين إلى تنظيم مباريات للتوظيف بمقتضى عقود لممارسة
مهام التدريس تفتح لفائدة المترشحين الحاصلين على الإجازة أو ما يعادلها شريطة أن لا
يتعدى سنهم 47 سنة.
و تضمنت
المذكرة حقوق وواجبات المتعاقدين مع الوحدات الجهوية للوزارة الوصية على قطاع التعليم
أجملتها في الحق في الأجرة مماثلة للأجرة المقررة للأطر المرتبة في السلم العاشر والحق
في التعويضات والترقية والرخص أما الوجبات فقد حصرتها المذكرة في 14 الواجب منها الالتزام
بكون النجاح في امتحان الأهلية التربوية ضروريا لتجديد العقد كما حرصت المذكرة في صفحتها
الأولى على التذكير بخط ممدد أن عقود التوظيف لا تخول المطالبة بالترسيم أو الادماج
في اسلاك الوظيفة العمومية.
وللإشارة
فهذه المذكرة تندرج في سياق تفعيل المرسوم رقم 2.15.770 بتحديد شروط وكيفيات التشغيل
بموجب عقود بالإدارات العمومية .
وقد
جاءت هذه الخطوة بعد الفشل الواضح للخطة الأولى المتجلية في مصادقة مجلس الحكومة
يوم الخميس 23 يوليوز 2015 على مشروع مرسوم رقم 2.15.588 بتغيير المرسوم رقم
2.02.854 الصادر في 8 ذي الحجة 1423 (10 فبراير 2003) في شأن النظام الأساسي الخاص
بموظفي وزارة التربية الوطنية ، كما صادق نفس المجلس الحكومي على مشروع مرسوم رقم
2.15.589 بتغيير وتتميم المرسوم رقم 2.11.672 الصادر في 27 من محرم 1433 (23 دجنبر2011)
في شأن إحداث وتنظيم المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، دون أن يتم مناقشة فحوى
المرسومين مع الفرقاء الاجتماعيين والممثلين الشرعيين لمختلف الشرائح الاجتماعية.
فالخطة
الأولى كان الهدف منها توظيف 7000 مدرس في
الوظيفة العمومية بالاضافة الى تكوين 3000 المتبقية لتوجيههم نحو التعليم الخصوصي،
الامر الذي يوضح توجه الدولة نحو التعليم الخصوصي.
فبعد
فشل المرسومين فكرت الدولة في خطة ذكية بالإعلان عن مباريات بالكونطرا و بمناصب جد
مشجعة للإقبال على ذلك من قبل المترشحين و لم تعلن عن 5000 منصب المخصصة في قانون
المالية لهذه لكي ينجح الأمر.
ما
لا يعرفه الكثير حول التوظيف عن طريق التعاقد بالمغرب هو حتمية لا بد منها، و ذلك
كنتيجة للتوقيع على البرنامج الثاني بين الحكومة المغربية و مؤسسة تحدي الالفية
التابعة للولايات المتحدة الامريكية بتاريخ 30 نونبر 2015 بميزانية ضخمة تناهز 450
مليون دولار .
و
قد تم التركيز بين الحكومة و مؤسسة تحدي الآلفية على التركيز على اولويتين "
التشغيل " و " العقار "
و
بذلك سيمول البرنامج المشروع الأول و هو " التربية و التكوين من أجل التشغيل
" الذي تبلغ الميزانية المخصصة له 220 مليون دولار، و يهدف إلى تحسين تشغيل
الشباب عبر تعزيز جودة و تكافؤ الفرص لولوج التعليم الثانوي و التكوين المهني قصد
الاستجابة لمتطلبات القطاع الخاص.
ادن ففكرة التوظيف بالتعاقد جاءت بناء على التطور الذي عرفه
التدبير العمومي في السنوات الأخيرة، خصوصاً من حيث تنوع حاجيات ووظائف الإدارة العمومية،
وتطور وسائل وآليات عملها، وهو الأمر الذي جعلها تفكر في «خوصصة» عدد من القطاعات،
بإشراك شركات القطاع الخاص.
و قد شهد التعليم الخصوصي في المغرب في السنوات الأخيرة إقبالا
متزايدا من قبل الأسر المغربية وارتفاعا ملفتا للنظر في العرض رغم تكلفته التي ترهق
جيوب أولياء الأمور من حيث الواجب الشهري ومتطلبات الدراسة.
وتفيد وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي والبحث العلمي،
بلغة الأرقام، بأن عدد التلاميذ بمؤسسات التعليم الخاص وصل برسم الموسم الدراسي الحالي
إلى أزيد من 640 ألف تلميذ يدرسون بنحو 3168 مؤسسة في أسلاك الابتدائي والثانوي الإعدادي
والثانوي التأهيلي.
وفي اعتبار العديد من الأسر أن التعليم الخصوصي بديل أنسب
لضمان «تعليم جيد» للأبناء عبر الانضباط في الوقت وتوفير شروط ملائمة لتعليم يواكب
متطلبات العصر ومنفتح على أنماط جديدة ومتنوعة تساهم في تطوير ملكات التلاميذ.
وبذلك فإن الحكومة عازمة على المساهمة في تكوين اطر
ستقوم بتوظيفهم في اطار 11000 شخص بالكونطرا و بعد انهاء مدة عقودهم عليهم التوجه
الى التعليم الخصوص و هي فكرة ذكية مقارنة مع خطة السنة الفارطة و التي تتمثل في
المرسومين المشؤومين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق