الممارسات
المنافية للمنافسة
عبير عمير
ماستر منازعات الاعمال بفاس
مقدمة
:
إن
التحولات التي عرفها الاقتصاد العالمي و التي تتجه بشكل متصاعد نحو الانفتاح فرضت
على المغرب نهج مجموعة من الإصلاحات لجعل اقتصاده مواكبا لهذه التطورات.
بالرغم من أن المنافسة تشكل قيمة حقوقية مرادفة
لحرية المبادرة و لها دور في ازدهار النشاط الاقتصادي فإن ذلك لا يعني التسيب بل
هناك مجموعة من الضوابط يجب الالتزام بها و ذلك لعدم استغلال ابرام الاتفاقات
المنافية للمنافسة التي يكون الهدف منها عرقلة المنافسة و الإضرار بها.
و
هذا ما جعل المشرع المغربي يعيد النظر في قانون 06.99 و تعديله بموجب قانون 104.12
المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة حيث حاول المشرع في هذا القانون استحضار
المعايير الدولية المعمول بها في قانون المنافسة ، خصوصا ما يتعلق بالاتفاقات
المنافية للمنافسة حيث نظم هذه الاتفاقات في المادة 6 من قانون 104.12 و ذلك لوضع
حد للتجاوزات التي من شأنها الإضرار بالمنافسة لكن قد ترد على هذه الاتفاقات
استثناءات تثبت شرعيتها و هذا ما تم التنصيص عليه من طرف المشرع المغربي من خلال
مقتضيات المادة 9 من نفس القانون.
و
هذا الموضوع يكتسي أهمية بالغة على المستوى النظري و العملي ، فعلى المستوى النظري
نجد أن الاتفاقات المنافية للمنافسة تشكل أهم نوع من الممارسات المنافية للمنافسة
فهي سرطان الاقتصاد لما لها من تأثير خطير على المنافسة.
أما
الأهمية العملية فتكمن في كون هذه الاتفاقات آلية متداولة في المنافسة ، لكن يتم
المعاقبة عليها إذا ألحقت ضررا بالمنافسة و ذلك لحماية الاقتصاد الوطني.
اذن
من خلال ما سبق يتبادر إلى أذهاننا التساؤل التالي :
إلى
أي حد استطاع المشرع المغربي توفير إطار قانوني قادر على الحد من الممارسات
المنافية للمنافسة ؟
للإجابة
عن هذه التساؤلات ارتأينا تقسيم الموضوع إلى :
المبحث
الأول : الاتفاقات المنافية للمنافسة
المبحث
الثاني : الممارسات المستثناة من مبدأ حظر الاتفاقات المنافية للمنافسة
المبحث
الأول : الاتفاقات المنافية للمنافسة
في
هذا المبحث سنحاول التطرق إلى مفهوم المنافسة و العناصر المشكلة لها (المطلب الأول
) ، ثم بعد ذلك تطبيقات الاتفاقات المنافية للمنافسة ( المطلب الثاني ).
المطلب
الأول : مفهوم المنافسة و العناصر المشكلة لها :
في
هذا المطلب سندرس مفهوم المنافسة ( أولا ) ثم العناصر المشكلة لها ( ثانيا ).
أولا
: مفهوم المنافسة
لقد
نظم المشرع المغربي الاتفاقات المنافية للمنافسة في المادة 6 من قانون 104.12 و
باستقرائنا لهذه المادة نجد أنه لم يعط تعريفا دقيقا لهذه الاتفاقات بل ترك أمر
ذلك للفقه الذي حاول وضع تعريف لهذا النوع من الاتفاقات ، حيث عرفها الأستاذ عبد
العزيز الصقلي بكونها " حالة اتفاق أو تحالفات بين عدة مقاولات[1].
أما
أستاذنا نور الدين التجكاني فيعرفها بأنها " ممارسة محظورة بموجب المادة 6 من
قانون حرية الأسعار و المنافسة فهي اتفاقية أو فعل مدبر يكون الغرض منها أو يترتب
عليها عرقلة المنافسة أو الحد منها في سوق المنتجات و الخدمات المعنية و قد تتخد
عدة أشكال ( كتابية أو شفوية ، صريحة أو ضمنية...)[2].
و
انطلاقا من هذه التعاريف نجد أن هناك صعوبة في وضع تعريف دقيق لهذه الاتفاقات نظرا
لكونها ذو طابع اقتصادي أكثر منها قانوني.
مع
الإشارة أنه يجب التمييز بين نوعين من الاتفاقات ، اتفاقات أفقية تفترض وجود حالة
منافسة بين التجار على مستوى واحد ، و اتفاقات عمودية تفترض وجود أطراف على مستوى
مختلف في السوق[3].
ثانيا
: العناصر المشكلة للاتفاقات المنافية للمنافسة
إن
المشرع المغربي يمنع الاتفاقات التي من شأنها منع أو عرقلة النشاط الاقتصادي في
السوق لذلك فلكي يقع الاتفاق تحت طائلة المنع يشترط توفر عنصرين ، وجود الاتفاق
بين الأطراف (1) ثم الإضرار بالمنافسة (2).
1
: وجود اتفاق بين الأطراف
من
خلال استقرائنا للمادة 6 من قانون 104.12 نجد أن وجود اتفاق منافي للمنافسة مرتبط
بوجود اتفاق يجمع على الأقل بين شخصين ، فيحصل الاتفاق إما بشكل صريح أو ضمني و
يكون الهدف منه هو تحريف سير المنافسة في السوق و هذا الاتفاق يجب أن يكون بإرادة
الأطراف هذا بالنسبة للأشخاص الطبيعية.
أما
إذا تعلق الأمر بأشخاص معنوية يكون من اللازم أن يكون هذا الشخص المعنوي متمثلا
باستقلال قانوني و استقلالية اقتصادية[4].
2
: الإضرار بالمنافسة
لكي
تقع الاتفاقات تحت طائلة المنع يجب أن تؤدي إلى المساس بقواعد المنافسة و هذا ما
أكد عليه المشرع من خلال المادة 6 من
قانون 104.12 ، حيث أن الاتفاق يكتسي طابعا منافيا للمنافسة بسبب الهدف المتوخى
منه و يصبح معاقبا عليه دون وجود أي نتيجة سلبية لهذا الاتفاق في السوق[5].
المطلب
الثاني : تطبيقات الاتفاقات المنافية للمنافسة
إن
الاتفاقات المنافية للمنافسة تتخذ مجموعة من الأشكال و هذا ما سنحاول التطرق إليه
، في هذا المطلب حيث سندرس الحد من دخول السوق و عرقلة تكوين الأسعار ( أولا ) ثم حصر أو مراقبة الإنتاج و
تقسيم الأسواق ( ثانيا ).
أولا
: الحد من دخول السوق و عرقلة تكوين الأسعار
1
: الحد من دخول السوق أو من الممارسة الحرة للمنافسة من لدن منشآت أخرى
إن
هذه الاتفاقات هي اتفاقات حصرية قد تتخذ مجموعة من الأشكال تتجلى في تقليص قوة
المنافسين أو عددهم و ذلك من خلال منع المنافسين الجدد من الدخول لممارسة نشاط
صناعي أو تجاري[6].
2
: عرقلة تكوين الأسعار عن طريق الآليات الحرة للسوق بافتعال ارتفاعها أو انخفاضها
إن
هذا النوع من الاتفاقات يتصل بالتحديد المدبر للأسعار سواء بين المقاولات
المتنافسة أو بين هذه الأخيرة و أخرى توجد في مستويات اقتصادية متباينة[7].
بمعنى
أن هذه الاتفاقات تهم الأسعار و شروط البيع و تحديد عناصرها كالهوامش و عائد
الأرباح ، و تجدر الإشارة إلى أن الاتفاقات التي من شأنها افتعال انخفاض الأسعار
تهدف إلى إلغاء المنافسين من السوق[8].
ثانيا
: حصر أو مراقبة الإنتاج و تقسيم الأسواق
1
: حصر أو مراقبة الإنتاج أو المنافذ أو الاستثمارات أو التقدم التقني
إن
هذه الاتفاقات تحمل معنى واسع فهي قد تكون محلا لعدة أنواع من الاتفاقات فقد يتعلق
الأمر باتفاقات اختصاص و التي من خلالها تتفق المقاولات على انفراد كل واحدة
بإنتاج و صنع مواد و سلع معينة دون الدخول في منافسة بينها[9].
كما
قد يتضمن اتفاق الأطراف شرط عدم التصدير الذي أشار إليه التقرير العام الأول
الصادر عن المجموعة الأوروبية في قضية صناع المنتجات شبه المعدنية.
كما
أن المادة 6 تحظر أيضا الاتفاقات التي تهدف إلى حصر أو مراقبة المنافذ و ذلك من
خلال تخلي المقاولات عن حريتها التجارية و اتفاقها على تحديد قدر المبيعات و
مداخيل أخرى لمداخيل الإعلانات التجارية و هكذا فإن فرض كوطا للمبيعات تعتبر
محظورة[10].
بالإضافة
إلى أن الاتفاقات التي تستهدف تقليص الاستثمارات و التقدم التقني هي الأخرى
محظورة.
2
: تقسيم الأسواق أو مصادر التموين
قد
يتخذ هذا النوع شكل مجموعة مقاولات تتشكل على أساس تقسيم جغرافي للأسواق بين
الفاعلين الاقتصاديين ، حيث أن المبدأ الأساسي في تقسيم الأسواق يقوم على تجني أية
منافسة فيما بين المقاولات المعنية نتيجة اعترافهم لبعضهم البعض بالحق في زبائن
خاصين لكل مقاولة[11]
.
و على
العموم فكل هذه الاتفاقات تعتبر محظورة لأنها تحد من الحرية التجارية و تضعف
المنافسة بين المقاولات التي تشكل طرفا في الاتفاق.
المبحث
الثاني : الممارسات المستثناة من مبدأ حظر الاتفاقات المنافية للمنافسة
لكل
قاعدة استثناء لذلك فقانون المنافسة أيضا لا يخلو من الاستثناءات فمبدأ منع
الاتفاقات المنافية للمنافسة ترد عليها استثناءات و هذا ما سنحاول دراسته في هذا
المبحث.
سنتطرق
إلى الاستثناءات الناتجة عن تطبيق نص تشريعي أو تنظيمي (المطلب الأول) ثم
الممارسات التي من شأنها المساهمة في التقدم الاقتصادي (المطلب الثاني)
المطلب
الأول : الاستثناءات الناتجة عن تطبيق نص قانوني أو تنظيمي
من
خلال استقراء المادة 9 من قانون 104.12 يتبين لنا أن هناك بعض الممارسات لا تخضع
لأحكام المادتين 6 و 7 من نفس القانون ،فقد أجاز المشرع المغربي القيام بالممارسات
المنافية لقواعد المنافسة كلما سمح بذلك نص تشريعي أو تنظيمي كيفما كان نوعه.
و
بذلك يكون المشرع المغربي قد حذا حذو المشرع الفرنسي لسنة 1945 [12] ،إلا أن هذا الأخير سرعان
ما تراجع عن هذا الاتجاه بحيث ضيق من مفهوم النص التشريعي.
و
يعتبر هذا الاستثناء مبررا بالمنفعة العامة شريطة أن تكون الممارسات المذكورة
نتيجة ضرورية للنصوص المعنية ، كما لا يمكن لأصحاب هذه الممارسات تبرير موقفهم
بكون تصرفاتهم تدخل في إطار الدفاع الشرعي ضد الممارسات غير المشروعة المتخذة ضدهم.
إذ
يمكن للمقاولات التي تعتبر نفسها ضحية لتصرفات غير شرعية أن تلجأ إلى الجهات
المسؤولة و ليس الرد على هذه التصرفات من تلقاء نفسها [13].
مع
الإشارة إلى أن الدفع بوجود نص تشريعي أو نص تنظيمي يبقى مجال استعماله ضيقا.
المطلب
الثاني : الممارسات التي من شأنها المساهمة في التقدم الاقتصادي
إن
المشرع المغربي أجاز الاتفاقات المنافية للمنافسة إذا كان من شأنها المساهمة في
التقدم الاقتصادي و المشرع قد أولى عناية خاصة بالقطاع الفلاحي و ذلك حسب ما جاءت
به مقتضيات المادة 9 من قانون 104.12 ، و قد أحسن المشرع صنعا عندما أخذ بعين
الاعتبار الطابع الفلاحي الذي يتميز به الاقتصاد الوطني[14].
كما
أن هذه الاستثناء لا يمنح إلا إذا كان التقدم الاقتصادي يتوفر على الشروط التالية:
1
: حصة عادلة في الربح الناتج عن التقدم الاقتصادي
2
: أن يكون التقدم الاقتصادي نتيجة مباشرة للممارسات المفروضة
3
: يجب ألا تكون الممارسات قد ألغت المنافسة في جزء مهم من السوق
خـــــــاتمــــــــة
و
في الختام يمكن القول أن الإطار القانوني للاتفاقات المنافية للمنافسة لازال يحتاج
لمزيد من التطوير و كذلك يجب تطبيق مجموعة من المقتضيات القانونية خاصة التي تتعلق
بالإعفاء ، كما يجب نشر ثقافة المنافسة و التعاون بين الفاعلين الاقتصاديين.
الفهرس
مقــــدمــــة
المبحث الأول : الاتفاقات
المنافية للمنافسة
المطلب الأول : مفهوم
المنافسة و العناصر المشكلة للاتفاقات المنافية لها
أولا : مفهوم المنافسة
ثانيا : العناصر المشكلة
للاتفاقات المنافية للمنافسة
المطلب الثاني : تطبيقات
الاتفاقات المنافية للمنافسة
أولا : الحد من دخول السوق
وعرقلة تكوين الأسعار
ثانيا : حصر أو مراقبة
الإنتاج و تقسيم السوق
المبحث الثاني : الممارسات
المستثناة من مبدأ حظر الاتفاقات المنافية للمنافسة
المطلب الأول : الاستثناءات
الناتجة عن تطبيق نص تشريعي أو تنظيمي
المطلب الثاني : الممارسات
التي تساهم في التقدم الاقتصادي
خــــــاتمـــــة
لائحة المراجع
المؤلفات :
Ø
عبد
العزيز الصقلي ، قانون المنافسة المغربي ، مطبعة سجل ماسة،مكناس،2005 .
الرسائل :
Ø
ربيع
شركي ، الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ، تقرير لنيل دبلوم الدراسات المعمقة ،
جامعة الحسن الثاني -عين الشق- الدار البيضاء ، 2007.2008.
Ø
الحسن
الرائي ، الاتفاقات المنافية للمنافسة ، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون
الخاص ، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، كلية الحقوق ، فاس ،2013.2014.
المقالات
Ø أبو بكر مهم ،الاتفاقات المنافية للمنافسة
قراءة في المادة 6 من القانون رقم 06.99 المتعلق بحرية الأسعار و المنافسة ،العدد
156 ،2009.
Ouvrage :
· Nour-Edine
Toujgani « guide pratique de la concurrence » série : n 2 ,
1ere ed, imprimerie Oumayma , fes ,2006
[1] عبد
العزيز الصقلي ، قانون المنافسة المغربي ، مطبعة سجل ماسة ، مكناس ، 2005 ، ص 83.
[2] Nour-Edine
Toujgani "
guide pratique de la concurrence " série: n 2, 1ere ed,
i mprimerie Oumayma , fes ,2006,p :2
[3] ربيع
شركي ، الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ، تقرير لنيل دبلوم الدراسات المعمقة ،
جامعة الحسن الثاني – عين الشق-الدار البيضاء،2007/2008 ،ص 22
[4] أبو بكر
مهم ،الاتفاقات المنافية للمنافسة قراءة في المادة 6 من القانون رقم 06.99 المتعلق
بحرية الأسعار و المنافسة ، مجلة القضاء و القانون، العدد 156 ، 2009
[5] الحسن
الرائي ، الاتفاقات المنافية للمنافسة ، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون
الخاص ، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ، كلية الحقوق، فاس،2013/2013، ص 30
[6] الحسن
الرائي ، الاتفاقات المنافية للمنافسة ، المرجع السابق، ص53/25.
[7] عبد
العزيز الصقلي ، قانون المنافسة المغربي ،مرجع سابق ، ص 91.
[8] عبد العزيز الصقلي ، مرجع سابق ، ص 92.
[9] ربيع
شركي ، الممارسات المنافية لقواعد المنافسة ، مرجع سابق ، ص32.
[10] عبد
العزيز الصقلي ، م س ، ص 93.
[11] الحسن
الرائي ، مرجع سابق ، ص 59.
[12] ربيع
شركي ، مرجع سابق ، ص 56.
[13] عبد
العزيز الصقلي ، م س ، ص 110.
[14] ربيع
الشركي ، م س ، ص 59.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق