خصوصيات

قراءة في أهـم مستجدات القانون رقم 49.16 المتعلق بالكراء التجاري والصناعي والحرفي

 قراءة في أهـم مستجدات القانون رقم 49.16 المتعلق بالكراء التجاري والصناعي والحرفي



 بقلــــــم : سعيـد موقـوش   
  باحـث بمركـز الدراسات في الدكتوراه
بكليـة الحقـوق بطنجة – جامعة عبد المالك السعدي

بعـد رُقـوده تحت قُبـة البرلمان أزيـد من ثمـان سنوات عجـاف من حصيلة المؤسسة التشريعية، تـمّ "الإفراج" والمصادقـة على القانون رقم 49.16 المتعلق بكـراء العقارات والمحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، المنشور بالجريدة الرسمية بتاريخ 11 غشت 2016، والذي قُـدّم للمناقشة منذ 25 مارس 2008، وهو ما يؤشـر على أزمـة صناعة التشريع بالمغـرب في ضوء دستـور فاتح يوليوز 2011، بحيث لم تتقدّم المؤسسة التشريعية سوى بـ 174 مقترح قانون من أصـل 19070 نـص قانوني، وذلك خلال الولايـة التشريعية الحالية.
وحيادا عن أي طـرح قيمي بشأن القانون الذي بين أيدينا، سوف نحاول من خلال هذه المقالة بسـط أهم المستجدات التي جاء بها القانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، مع سَـبْـك هذه الدراسة بحُـزمة من الإشكالات القانونية التي تعتري القانون الجديد.
أولا: نطـاق تطبيـق القانون رقـم 49.16
خلافا لمقتضيات ظهير 24 ماي 1955، الذي لم يكـن دقيقـا بشأن مجال تطبيقـه ( من الفصل الأول إلى الفصل الرابع)، مما أثـار نقاشا قضائيا وفقهيا حول مجموعة من الأنشطة التي يمكن أن تسري عليها مقتضيات الظهير المومأ إليه، فقـد عمـل المشرع من خلال المادة الأولى والثانية من القانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، على التنصيص على بعض المجالات التي تسري عليها مقتضيات القانون الجديد، والتي لم يكن منصوص عليها في ظل الظهير السابق، ويتعلق الأمـر بعقود كراء العقارات أو المحلات التي تمارس فيها مؤسسات التعليم الخصوصي نشاطها، أو التي تمارس فيها التعاونيات نشاطا تجاريا، أو عقود كراء المحلات التي تمارس فيها المصحات والمؤسسات المماثلة لها نشاطها، أو التي يمارس فيها النشاط الصيدلي والمختبرات الخاصة للتحاليل البيولوجية الطبية وعيادات الفحص بالأشعة. وكلها مجالات تقدّم خدمات اجتماعية، ذات صلة مباشرة بحياة المواطن، وبالتالي فإنه نرى في تقديرنا المتواضع، أن المشرع لم يكن صائبا بإقحامـه لهاته الأنشطة في إطار الكراء التجاري. فهل باعتقاد مشرعنـا اللّبيـب أن شمـول عقود كراء هذه المجالات بمساطر تجارية معقّـدة ولَهـث مُدراء المؤسسات التعليمية والأطبـاء والصيادلـة ورؤساء التعاونيات داخـل ردهـات المحاكـم التجاريـة، من شأنـه أن يكـرّس الأمـن القانونـي الذي هو سبيل من سُبل تحقيق التنمية الاجتماعية؟ وكيف يمكن تصوّر أن الكتاتيـب القرآنيـة تسـري عليها مقتضيات ومساطر الكراء التجاري؟ وهو الأمـر الذي كرسته محكمة النقض (المجلس الأعلى سابقا)، من خلال قرارها عدد 515، الصادر بتاريخ 20/02/2001، والذي اعتبـر أن الكُتّـاب القرآني المشغل لتعليم القراءة والكتابة للأطفال، وتحفيظ آيات القرآن الكريم، يعـدّ مؤسسة من مؤسسات التعليم الخاضعة لمقتضيات ظهير 24 ماي 1955. كما نساءل المشرع كذلك: كيف يعقـل سريـان القانون الجديد رقم 49.16 المتعلق بالكراء التجاري والصناعي والحرفي، على المحـلات التي يزاول فيها الأطبـاء أنشطتهم، الذين ولو أنهم يستعملون مجهودا يدويـا، فإنهم يضلون أصحاب مهنـة خاضعين للقانون رقم 67.12 المتعلق بكراء الأماكن المعدّة للسكنى والاستعمال المهني، لأن الأصـل في عملهم أنـه فكري وعلمـي، بينمـا يتـم استبعـاد المحلات التي يزاول فيها المحامين والموثقين والعـدول والمفوضين القضائيين والتراجمة أنشطتهم ؟
إلى جانـب ما ذكـر، فقد ميّـز القانون الجديد بين عقود كراء العقارات والمحلات التي تدخل في نطاق الملك الخاص للدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات العمومية، وعقـود كراء العقارات والمحلات التي تدخـل في نطاق الملك العام للجهات المذكورة، بحيـث أخرج المشرع عقـود الكراء التي تدخل في نطاق الملك العام من مجال تطبيق القانون رقـم 49.16 (المادة الثانية). كما استثنى المشرع من مجال تطبيق هذا القانون، عقـود كـراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي التي تدخـل في نطاق الأوقاف، أو التي تبرم بناء على مقرر قضائي أو نتيجة لـه، وكذا عقـود كـراء العقارات أو المحلات الموجودة بالمراكز التجارية، وعقـود الكراء الطويل الأمـد وعقود الائتمان الايجاري العقاري.
ثانيــا: محاولـة تليين المساطـر المعتمـدة
لقد ترتـب عن المبالغـة في الشكليات وتعقيـد المساطر في ضوء ظهير 24 ماي 1955، ضيـاع الكثير من الحقوق، خصوصا بالنسبة للمكتري الذي يصبح محتـلا للمحـل التجاري بدون سنـد ولا قانون بمجرّد عـدم سلوكه مسطرة الصلح داخل أجـل ثلاثين يوما من تاريخ توصله بالإنذار، وحتـى إذا احتـرم الأجـل المذكـور، يبقـى تحت رحمة المـكري الذي يوافق على الصلح أو يرفضه، وفي حالة رفضه يصبح المكتري ملزمـا برفع دعـوى المنازعـة في الإنذار داخل أجل ثلاثين يوما من تاريخ توصله بقرار عدم نجاح الصلح، وإلا أصبح محتلا بدون سنـد ولا قانون. وبالتالي فإن مسطرة الصلـح المنصوص عليها في الفصل 27 وما بعده من ظهير 24 ماي 1955 اكتـوى بنارها العديد من المكتريـن، وإن محكمة النقض أتيحت لها الفرصـة لإصدار اجتهادات قضائية في هذا الموضوع. ولأجل فـكّ هذا الاختلال التشريعي، تدخـل المشروع من خلال القانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، لحـذف مسطرة الصلـح.
ثالثـا: اعتمـاد مبدأ التوقعيـة في بعض مقتضيات القانون الجديـد
سعيـا منه لتكريس مساطر قانونية أكثـر شفافيـة وموضوعية، عمـل المشـرع من خلال مقتضيات القانون رقم 49.16 المتعلق بكـراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، على اعتمـاد مبدأ التوقّعيـة، سواء في طلب الزيادة في السومـة الكرائية، أو التعويض الكامل عن الإفراغ في الحالات التي تستوجب ذلك. هكذا نصـت المادة الخامسة من القانون رقم 49.16 على أنـه: " تطبق على مراجعة الوجيبة الكرائية مقتضيات القانون رقم 07.03 المتعلق بمراجعة أثمـان كـراء المحلات المعدة للسكنى أو الاستعمال المهني أو التجاري أو الصناعي أو الحرفي". وبالعودة إلى القانون المشار إليه، نجده ينـص من خلال المادة الرابعة منه على أنه: " تحدد نسبة الزيادة في ثمن الكراء كما يلي: 8% بالنسبة للمحلات المعدة للسكنى، 10% بالنسبة لباقي المحلات". وعليـه فإن المشرع قـد أحسـن صنعـا، حيـن اعتمـد معيارا موضوعيـا ودقيقا في مراجعـة الوجيبة الكرائية، وهو نفـس النهج الذي سـار عليه أثناء تحديد التعويض الذي يستحقـه المكتري عند إفراغه، بحيث يشمل هذا التعويض قيمـة الأصـل التجاري، التي تحدّد انطلاقـا من التصريحات الضريبية للسنوات الأربع الأخيرة، بالإضافة إلى ما أنفقـه المكتري من تحسينات وإصلاحات وما فقده من عناصر الأصل التجاري، كما يشمل مصاريف الانتقال من المحل. وقـد جاء هذا التحديـد لوضـع حـدّ للتعويـض المبالغ فيه، الذي كان يحصل عليه المكتري مقابـل إفراغه، بعد إسناد مهمة تقديـر عناصر الأصل التجاري للخبراء، ولاشك أن هذا الاتجاه هو تطبيق مرة أخرى لمبدأ التوقعيـة والشفافية، الذي يجعـل المتقاضين متوقعين لمبلـغ التعويض المنتظر الحكم بـه على وجه التقريب، ويحُول دون مفاجأة المكـري بالحكـم عليه بتعويض قد يجعله غير قادر على الوفاء بـه، فيضطر إلى التراجع عن طلب الإفراغ وممارسة حق التوبـة.

رابعــا: سعـي القانون رقم 49.16 لتكريس الأمـن القانونـي والقضائي
حـرص القانون رقـم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، على سـنّ مقتضيات جديدة تسعـى إلى تحقيق الأمن القانوني والقضائـي واستقرار المراكز القانونية لأطراف العلاقـة الكرائية وكذا الأغيـار (الدائنين مثلا)، بحيـث نـص على إلزاميـة إبرام عقـود كـراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي، بمقتضـى محرر كتابـي ثابت التاريخ (المادة 3)، تحت طائلـة عدم إخضاعه لمقتضيات القانون رقم 49.16، وبالتالي تطبيق أحكام قانون الالتزامات والعقود (المادة37)، درْءًا للمشاكل التي عانت منها المحاكم لإثبات وجود العقـد. فضـلا عن ذلك، اشترط المشرع الرسميـة في تفويـت الحق في الكراء، إذ نـصّ في الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 25 من القانون رقم 49.16، على أنـه: " يتـمّ التفويـت بعقـد رسمي أو عرفي ثابت التاريخ، يتضمن البيانات الواردة في المادة 81 من القانون رقم 95.15 المتعلق بمدونة التجارة ". كما تـمّ التنصيص على ضرورة إيـداع ثمن تفويت الأصل التجاري أو الحق في الكراء، لـدى جهـة مختصـة للاحتفاظ بالودائـع، لتوزيـع الثمـن وفق ما تنص عليه مدونة التجارة في هذا الباب (في حالة وجود دائنين للمكتري التاجر). بالإضافـة إلى ذلك، تطرّق المشرع من خلال مقتضيات المادة 30 من القانون رقم 49.16، إلى ضرورة الحصول على شهادة من كتابة الضبط، تفيد خلـوّ الأصـل التجاري من تقييدات (رهون مثلا) حتى يحصل المكتري على التعويض المستحق لـه، بحيث تم التنصيص على إلزام المكتري بإشعار الدائنين المقيديـن بوقـوع الإفراغ، وبوجود تعويض مستحق، مع إمكانية التعرّض على أداء مبلـغ التعويض من طرف الدائنين المقيّديـن كجزاء، وتمّ التنصيص كجزاء آخر على كون المكتري لا يُمنح له مبلـغ التعويض إلا بعد انصـرام أجـل التعرضات (15 يوما).
وقصد فـكّ تنازع الاختصاص النوعي في قضايا الأكرية التجاريـة، الذي ساد بين المحاكم التجارية والمحاكم الابتدائية في ظل ظهير 24 ماي 1955، والذي يشكل إخلالا بالأمـن القضائـي، تدخـل المشرع من خلال مقتضيات المادة 35 من القانون رقم 49.16 لينص على أنـه: " تختصّ المحاكم التجارية بالنظر في النزاعات المتعلقة بتطبيق هذا القانون، غير أنه ينعقد الاختصاص للمحاكم الابتدائية طبقا للقانون المتعلق بالتنظيم القضائي للمملكة". وبهذا يكون المشرع قـد أنهـى التضارب والتجاذب القائـم بين محاكم الموضوع بشأن الاختصاص النوعي في دعاوى الكراء التجاري، مع العلـم أن المجلس الأعلى (محكمة النقض حاليا)، تدخّـل من خلال قراره المؤرخ في 14 نونبـر 2001 لتوحيـد الاجتهاد القضائي والحسـم في نقطـة انعقـاد الاختصاص للقضاء التجاري للنظر في قضايا الأكريـة التجاريـة.
كما كـرّس القانون الجديد، بعض القواعـد التي استقرّ عليها الاجتهاد القضائي، كالنصّ على أن اندثـار المحل التجاري بسبب قوة قاهرة أو حـدث فجائي، يصبح معـه المالك غير ملزم بأداء أي تعويض للمكتري (البند الخامس من المادة الثامنة من القانون رقم 49.16)، أو النـصّ على الإدلاء برخصة البناء أو التصميم في حالة تبرير الإنذار بالرغبة في الهدم وإعادة البناء، على أساس تعويض مؤقت يوازي كراء ثلاث سنوات مع الاحتفاظ له بحق الرجوع (المادة 9).
إلى جانب ما ذكـر، أتـى القانون رقم 4916، لإجازة الكـراء من الباطـن (تولية الكراء)، بحيث أعطـى للمكتري الحق في أن يُؤجّـر للغير المحـل المكترى كلا أو بعضا، ما لم ينص العقد على خلاف ذلك، وتبقى العلاقة قائمة بين المكري والمكتري الأصلي (المادة 24)، وهو ما لم يكن مُتاحا في ظل ظهير 24 ماي 1955، الذي لا يجيز تولية الكراء إلا إذا وافـق رب المِلك عن ذلك أو أُذنـت عقدة الكراء به.

وتجدر الإشارة إلى أن المشرع، نـصّ على ضرورة تبليـغ الإنذارات والإشعارات وغيرها من الإجراءات بواسطة مفوض قضائي أو طبق الإجراءات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية (المادة 34 من القانون 49.16)، غير أن هذا المقتضى، لن يضع حدا للتلاعبات التي كانت تمارس بهذا الخصوص، بحيث أن الاحتفاظ بالتبليغ عن طريق البريد المضمون مع إشعار بالتوصّل (المادة 37 من قانون المسطرة المدنية)، كثيرا ما يطرح إشكالات، حيث تبث أن الكثير من المكترين يدّعـون توصّلهم بالظرف الذي يحتوي على الإنذار فارغا.

هناك تعليق واحد: