اشكالية ترتيب الصوائر و الفوائد على الحسابات
البنكية غير المشغلة
عمر الصافي
باحث في القانون الخاص
يعتبر تاريخ بروز النظام
البنكي و البنوك عامة في العالم بحق مصدر خلاف بين الباحثين و المهتمين بالمجال البنكي ، فهناك من ارجعه اول مرة لآسيا حين كان رجال الدين
يسجلون عملية تلقي الودائع و منح القروض ، و هناك من ادعى انه ظهر اول مرة في بابل
، فيما يرى اخرون ان النشاط البنكي ظهر اول مرة في ايطاليا في القرن 16 ، لكن في المغرب
ظهر سنة 1844 في عهد المولى عبد العزيز حين فتحت البنوك الاوروبية شبابيك لها في المغرب
و مجملها كان للفرنسيين ، و كما هو معلوم فالتعامل مع المؤسسات البنكية في وقتنا الحاضر
اصبح من الضروريات للعديد من الاشخاص طبيعيين كانوا او معنويين ، بل ان بعض الفئات
هي ملزمة بإدراج اموالها في حساب بنكي لها المادة 22 من قانون شركات المساهمة و المادتين
18 و 308 من مدونة التجارة .
و لكل هده الاعتبارات نجد المشرع
المغربي ضمن القانون البنكي 134.12 عدة مقتضيات
تتعلق بالعمليات التي تجريها البنوك مع زبونيها ، ثم أضاف الى دلك مدونة التجارة حيث
خصص القسم السابع من الكتاب الرابع لتنظيم العقود البنكية ، ثم اضاف قانون 53.95 المتعلق
بانشاء المحاكم التجارية ، اد اصبحت نزاعات البنوك من اختصاص المحاكم التجارية.
وفي
بادئ دي بدء ينبغي التعريف بالحساب البنكي فهدا الأخير و هو عبارة عن عقد يبرم بين
طرفين اي البنك و الزبون ، حيث يسمح للزبون بالحصول على الائتمان في الحالة التي يرخص
له البنك بدلك بالاضافة الى عمليات اخرى كتحصيل و استخلاص مبالغ الاوراق التجارية التي
يسحبها الزبون على البنك المفتوح لديه الحساب ، كدلك تنفيد أوامر التحويل البنكي التي
يصدرها صاحب الحساب كما انه يعتبر بداية تقييد او عملية فيه
.
و لفتح الحساب البنكي وجب على
المؤسسات البنكية التحقق من مجموعة من المعطيات و قد عددها المشرع في المادة 488 من
مدونة التجارة و هي الهوية و بيانات البطاقة الوطنية او بطاقة الإقامة بالنسبة للاجانب
او جواز السفر هدا بالنسبة للاشخاص الطبيعيين ، اما الاشخاص المعنويين عنوان المقر
و هوية و سلطات الشخص و كدا رقم الضريبة على الشركات و رقم السجل التجاري او رقم الباتانتا
، و كما هو معلوم فالحساب البنكي يفتح بمبلغ
معين يقتطعه البنك من رصيد الحساب البنكي كما يرتب عليه فوائد معينة ، فهدا الامر لن يثير اي اشكال مدام ان الشخص لم يستغني
عن حسابه و لازال يشغله و يستفيد من خدماته فمن الطبيعي ان يقتطع البنك صوائره و فوائده ، لكنه لن يكون طبيعي عند استغناء هدا الشخص عن حسابه و لمدة تقدر بالسنوات إما باستبدال
المؤسسة البنكية لو بنسيانه اصلا ، و ادا به
يفاجئ انه مدين للمؤسسة البنكية بمبالغ كبيرة هي نتيجة تراكم الصوائر و الفوائد البنكية
في دمته كل تلك السنوات التي لم يشغل فيها حسابه البنكي ، فهو يظن انه بمجرد عدم استخدام
حسابه سوف يغلق مباشرة لكن البنوك عادت ما
تتعمد ترك كل الحسابات البنكية مفتوحة رغم ان اصحابها لا يشغلونها لتستخلص تلك المبالغ
، و بهذا ستكون المؤسسة البنكية لم تخرق القانون فالمادة 503 من مدونة التجارة قد نصت
صراحة ، انه يوضع حد للحساب البنكي بالاطلاع بارادة اي من الطرفين بدون اشعار ادا كانت
المبادرة من الزبون و مع مراعاة الاشعار المنصوص عليه في الباب المتعلق بفتح الاعتماد
ادا كانت المبادرة من البنك ، و يقفل الحساب البنكي ايضا بالوفاة او بانعدام الاهلية
او التسوية او التصفية القضائية .
ادن فالمشرع قد عدد حالات قفل
الحساب البنكي و هي بوضع حد له بارادة اي من الطرفين او بالوفاة او بفقدان الاهلية
او التسوية او التصفية القضائية ، و هنا المشرع لم ينتبه الى الحسابات البنكية المفتوحة
و الغير مشغلة من طرف اصحابها ما مصيرها من الناحية القانونية ، و هدا ما فتح الباب
امام للسلطة التقديرية للمؤسسات البنكية في إعمال إرادتها المنفردة في حل هدا الاشكال
اد من الممكن مطالبة الزبون بالصوائر و الفوائد على حسابه البنكي الذي لم يستحذمه لمدة
معينة فكان بإمكانها مطالبته قضائيا بذلك، لكن من الناحية المنطقية هذا لا يجوز فليس
معقولا مطالبة الزبون بهذه المبالغ و هو لم يستخذم هذا الحساب أصلا لمجرد أنه لم يغلق
حسابه إما بتقاعس منه أو نسيانا و هذا الأمر
ولد مع التجربة مشاكل للبنوك و زبنائها معا، و لما كانت القاعدة القانونية بالدرجة
الأولى قاعدة اجتماعية أي أنها جاءت للمجتمع و نابعة منه و لتنظيم نشاطاته و ليس التنكيل
به، فقد كان من الضروري تعديل مقتضيات المادة
503 من مدونة التجارة لتصبح على الشكل التالي، توضع حد للحسابات بالإطلاع بإرادة
اي من الطرفين و بدون إشعار سابق إذا كانت المبادرة من الزبون و مع مراعاة الإشعار
المنصوص عليه في الباب المتعلق بفتح الإعتماد إذا كانت المبادرة من البنك غير أنه وجب
أن يوضع حد للحساب المدين بمبادرة من البنك إذا توقف الزبون عن تشغيل حسابه مدة سنة
من تاريخ آخر عملية دائنة مقيدة به.
وفي هذه الحالة يجب على البنك
قبل قفل الحساب إشعار الزبون بذلك بواسطة رسالة مضمونة في آخر عنوان يكون قد أدلى به
لوكالته البنكية
إذا لم يبادر الزبون داخل آجل
ستين يوما من تاريخ الإشعار بالتعبير عن نيته في الاحتفاظ بالحساب، يعتبر هذا الأخير
مقفلا بانقضاء هذا الآجل. و بالتالي حتى و لو تقاعس الزبون عن إغلاق حسابه البنكي او
لم يعد يريده اصلا فبمرور سنة على دلك سيغلق، كما ان المشرع بهذا التعديل يكون قد قطع الطريق على تلك الصوائر و الفوائد الكيدية التي
تترتب في دمة الزبون صاحب الحساب الغير مشغل لمدة سنة ، فهدا المعيار الدي اخده المشرع
اي مدة السنة هو معيار مقنع اد ليس من المعقول إهمال حساب بنكي لمدة سنة كاملة الا
ادا كان صاحبه قد تخلى عنه و هدا ما سيقرأه البنك نتيجة لدلك ، اد سيعتبره كتعبير ضمني
من الزبون يقول فيه للبنك اغلق حسابي ، فالمشرع المغربي هنا كان اكثر حكمة فبتعديله
لمقتضيات المادة 503 من م ت ج لم يحل هدا المشكل
في حد داته وحسب بل مجموعة من المشاكل ، فإلى جانب إقحامه للفقرة الثانية و الجديدة
في المادة 503 و التي أعطت للبنوك معيارا يسمح لها بإغلاق حسابات و ترك اخرى ، فإنه
قد وفر على الزبناء و البنوك معا هدرا لمواردهم المادية و البشرية في التقاضي كما انه
سيخفف من عبء القضاة و كدا تكدس الملفات في
المحاكم . .
إدن ومن خلال الدراسة و التحليل
للقانون البنكي رقم 134.12 يمكننا القول ان الحساب البنكي تلازمه و لحد الساعة مجموعة
من الاشكاليات و ابرزها اشكالية ترتيب الصوائر و الفوائد على الحسابات الغير مشغلة و التي تركها اصحابها و لم يعودوا يشغلونها لمدة
طويلة ، لكن ادا ما تفطنوا لها او اتجهت إرادتهم لتشغيلها مرة اخرى وجدوا أنفسهم مدينيين لوكالتهم البنكية ، فتعديل
المادة 503 أنهى هدا الخلاف و بالتالي لم يعد للمؤسسة البنكية الحق في مطالبة زبنائها
بتلك الصوائر و الفوائد ، و ادا ما فعلت تكون قد خرقت القانون و وجب مسائلتها .
وبهدا تكون المادة 503 من مدونة
التجارة مكسب للزبون يجب الدفع به في الدعوى القضائية لإبطال مزاعم البنك ، و الى جانب
هدا الاشكال الدي يواجه الحساب البنكي هناك مجموعة من الاشكاليات الاخرى و التي تنتظر
لالتفات المشرع لها هي الاخرى ، و منها اشكال السلطة التقديرية المفرطة للبنك في امكانية
فتح الحسابات فبإمكانه الرفض و من دون لا سبب و لا تعليل الى جانب فرض إتباع شكلية
معينة لطالبي فتح الحسابات البنكية ، كدلك اشكالية قفل الحساب البنكي بشكل سريع و مفاجئ دون اشعار الزبون ، فتقليص أوجه تدخل الدولة
في القطاع البنكي يعطينا عدم التوازن بين البنوك و زبنائها و هدا ما يضر أصحاب الحسابات
البنكية ، فإلى متى سيفرض عدم التوازن هدا ...؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق