مــقــابـــل الـــوفاء فـي السـند لأمــر
محسن المرابط
باحث في ماستر منازعات الأعمال
كلية الحقوق بفاس
مــقــدمــة:
يـعـد
مقابل الوفاء أحـد أهــم الضـمانـات الخاصة بأداء مـبـلغ الورقة التجارية عـنـد حـلـول
تـاريـخ الاستحـقاق، والـذي يـقـوم إلـى جـانبه بطبـيعة الحال كـل من الـقـبـول وتـضامن
الموقعـيـن والضمان الاحتـياطـي.
وانـطلاقـا
مـن مـقـتـضـيات الـمادة 166 من مـدونة التجارة عـرف أسـتاذنـا أحـمـد كويسي مـقابـل
الـوفـاء بـأنه ديـن الساحـب في ذمـة المسحوب علـيه، هذا الديـن هـو عبارة عـن مـبلغ
مـن الـمال[1].
ولما
كان مقابل الوفاء العنصر الأساسي لحركة الصرف، فإنه قد استعمل في فرنسا في الأمر
الملكي لسنة 1673 وكذا في مدونة نابليون للقانون التجاري لسنة 1807، غير أن أهمية
مقابل الوفاء بدأت تنقص مع ابتكار وتطور عملية التظهير[2].
وإذا
كان المشرع المغربي قد خصص صراحة المادة [3]166 من مدونة التجارة لمقابل
الوفاء في الكمبيالة ، والمادة 241[4] بالنسبة للشيك.
فإنه التزم الصمت بخصوص مقابل الوفاء في السند لأمر، بحيث لم
تتضمن المادة 234 التي أحالت على الأحكام المشتركة بين السند لأمر والكمبيالة، المادة
166 الخاصة بمقابل الوفاء.
وعدم
إحالة المشرع في المادة 234 على المادة 166 من مدونة التجارة، أدى إلى تضارب في
الآراء الفقهية والقضائية بين من يذهب إلى القول بوجوده وبين من يذهب إلى القول
بعدم وجوده.
وللحديث
عن الإشكال المتعلق بوجود مقابل الوفاء في السند لأمر سوف نتطرق في البداية إلى الاتجاه
القائل بعدم وجود مقابل الوفاء (المحور الأول) على أن نتطرق بعد ذلك للاتجاه
القائل بوجوده (المحور الثاني).
المحور
الأول: الاتجاه القائل بعدم وجود مقابل الوفاء
يتزعم
هذا الاتجاه الفقيه سلمان العبيدي[5] حيث يقول في مؤلفه الأوراق
التجارية في التشريع المغربي:
"ومن
ناحية أخرى فلا يثار موضوع مقابل الوفاء بالنسبة للسند لأمر، وذلك لسبب بسيط هو أن
مقابل الوفاء ما هو إلا دين الساحب في ذمة المسحوب عليه بينما يكون الساحب
والمسحوب عليه شخصا واحدا هو المتعهد في السند لأمر".
هكذا
إذن، فالأستاذ سلمان العبيدي، يرجع سبب عدم وجود مقابل الوفاء في السند لأمر إلى غياب
المسحوب عليه بحيث تجتمع في المتعهد صفة الساحب والمسحوب عليه
وحسب
الأستاذة لطيفة الداودي، فإن سبب عدم وجود مقابل الوفاء في السند لأمر، هو أن
المشرع لم يحل على مقتضيات المادة 166 الخاصة بمقابل الوفاء في الكمبيالة عند أحال
على الأحكام المشتركة بين السند لأمر والكمبيالة[6].
أما
بخصوص الاجتهاد القضائي الذي يسير في هذا الاتجاه، هناك قرار محكمة الاستئناف بالدار
البيضاء حيث جاء فيه:
"حيث
إن السند لأمر هو التزام بين طرفين اثنين بخلاف الكمبيالة التي يكون فيها ثلاثة
أطراف، ومن ثم فإن الفصل 134 من القانون التجاري لا يمكن التمسك به في السند لأمر،
لأنه التزام ووعد بالأداء لا يحتاج إلى إثبات وجود مقابل الوفاء"[7].
إن
ما ذهب إليه هذا القرار مجانب للصواب، لأن الكمبيالة لا تقوم دائما على ثلاثة
أطراف: الساحب، المسحوب عليه، المستفيد. بل يمكن أن تقوم على طرفين فقط كما في
الحالة التي يكون فيها الساحب هو نفسه المسحوب عليه[8] أو الحالة التي يكون فيها
الساحب هو المستفيد[9].
وفـي
نـفـس السياق، ذهـب المجلس الأعلى سابقا (محكمة النقض حاليا) في قرار له سنة 2005 إلى
أن مقابل الوفاء غير موجود في السند لأمر، حيث جاء فيه:
"حيث
ينعى الطاعنون على القرار عدم ارتكازه على أساس قانون وخرق مقتضيات المواد 234 و
235 و 236 من مدونة التجارة ذلك أن البنك المطلوب تقدم بمقال التمس من خلاله الحكم
بمبلغ 08,1.044.151 درهما عن الرصيد المدين لحساب
الطالبين ...ولقد أكد الطالبون أن هذه السندات لا تشكل سندا للمديونية لعدم إدلاء
البنك بما يفيد مقابل التعامل البنكي.... غير أن القرار المطعون فيه رد ذلك بأنه
تبعا للمادة 166 من مدونة التجارة فإن قبول السند لأمر يفترض معه وجود مقابل
الوفاء، وما دام الطاعنون لم يدحضوا هذه القرينة بالأداء، بما يفيد عدم وجود مقابل
الوفاء. فإن دفعهم يبقى غير مبني على أساس ويتعين رده، في حين أن المادة 166
تتعلق بالكمبيالة وليس السند لأمر ولا
تحيل المواد 234 و 235 و 236 من نفس المدونة عليها، مما يجعل الأساس القانون للقرار
غير سليم ومبني على أساس مما ينبغي نقضه"[10].
المحور
الثاني: الاتجاه القائل بوجود مقابل الوفاء
خـلافـا
لـلاتجاه الأول الـذي يذهـب إلى أن مـقابـل الـوفاء لا يوجد إلا في الكمبيالة فقط دون
السند لأمر، يذهب اتـجاه آخـر مـن الـفـقـه والـقـضاء إلـى أن مـقابـل الـوفـاء يـوجد
حـتى فـي السنـد لأمـر.
هكذا،
فبعض الفقهاء J.Hamel, G.Lagarde,
A.Jauffret[11] يذهبون إلى أن حامل السند لأمر يستفيد من الضمانات التي
يخولها مقابل الوفاء في الكمبيالة، ذلك أن المتعهد في السند لأمر تجتمع فيه صفتان:
صفة الساحب وصفة المسحوب عليه، و لما كانت صفة المسحوب عليه هي الطاغية على صفة
الساحب بسبب كون أن المشرع نص صراحة[12] على أن المتعهد يلتزم بنفس
الكيفية التي يلتزم بها القابل (المسحوب عليه الموقع على الكمبيالة)، فإنه لا يوجد
أي سبب يحول دون استفادة حامل السند من الضمانات التي يخولها مقابل الوفاء لحامل
الكمبيالة.
كما
يعللون توجههم بأن دين المستفيد إزاء المتعهد يجد أساسه في الروابط الأصلية التي
تجمعهما[13]، وهذا الدين ينقله
المستفيد من السند للمظهر إليه، ومن الطبيعي أن يشكل الدين الناتج عن هذه العلاقة
القانونية مقابل الوفاء في السند لأمر، الذي يجب أن تكون له نفس الآثار القانونية
لمقابل الوفاء في الكمبيالة[14].
ومن
الفقهاء الذين يقولون بأن مقابل الوفاء يوجد حتى في السند لأمر، هناك أستاذنا أحمد
كويسي[15] معللا رأيه بأن المشرع وإن
لم يحل على المادة 166 بموجب المادة 234[16]، فإنه قد أحال على المادة 206[17]، إذ بالرجوع إلى هذه المادة يتبين
أن فقرتها الثانية تتعلق بمقابل الوفاء حيث جاء فيها:
"
لكن السقوط لا يسري مفعوله تجاه الساحب إلا إذا أثبت وجود مقابل الوفاء بتاريخ
الاستحقاق. وفي هذه الحالة لا يبقى للحامل حق المطالبة إلا ضد المسحوب عليه."
فمنطوق
هذه الفقرة، يفيد أن الساحب هو الملزم بأن يقيم الدليل على أنه قام بتقديم مقابل
الوفاء في الحالة التي يكون فيها الحامل مهملا[18] وذلك حتى تنتفي مسؤوليته،
ومن ثم فالمتعهد يكون ملزما بإثبات وجود مقابل الوفاء في الحالة التي يكون فيها
المستفيد حاملا مهملا لأن المادة 234 أحالت صراحة على المادة 206 بأكملها، بحيث لم
يستثن المشرع الفقرة المتعلقة بمقابل الوفاء.
كما يعلل أستاذنا أحمد كويسي[19] رأيه بأن سحب الكمبيالة يشبه
السند لأمر في بعض الحالات، بحيث يكون ساحب الكمبيالة هو المسحوب عليه في نفس
الوقت خاصة وان المادة 161 تنص على أنه: " يجوز أن تسحب على الساحب نفسه".
ولما كان مقابل الوفاء موجودا في الكمبيالة، فإنه يوجد حتى في
السند لأمر ومن ثم يكون لحامل السند نوعين من الديون دين يرتبط بالعلاقة الأصلية
يطلق عليه وصول القيمة، يخضع لأحكام مقابل الوفاء، ودين صرفي ناتج عن حيازة الحامل
ورقة تجارية[20].
ومن بين الحجج المعتمد من طرف أستاذنا أحمد كويسي أن المادة
234 أحالت على المواد المتعلقة بالتظهير لتطبق على السند لأمر. والتظهير حسب
المادة 168 من مدونة التجارة ينقل جميع الحقوق الناشئة عن الكمبيالة بما فيها دين
المظهر إلى المظهر إليه، سواء سمينا هذا الدين بمقابل الوفاء في الكمبيالة أو وصول
القيمة في السند لأمر، وهذا ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية في قرار لها بتاريخ
5 مارس 1991 عندما صرحت بأن تظهير السند لأمر إلى البنك الخاصم ينقل إلى هذا الأخير جميع الحقوق الناتجة عن السند ويجعله
مالكا لدين المقاول الأصلي إزاء رب العمل[21].
خـــــاتــمـــة:
في
الختام، يمكن القول أن مقابل الوفاء يوجد حتى في السند لأمر، وذلك رغم عدم إحالة
المادة 234 من مدونة التجارة الخاصة بالسند لأمر على المادة 166 الخاصة بمقابل
الوفاء.
فالقراءة
الحرفية لنص المادة 166، سوف تؤدي بنا إلى القول بعدم وجود مقابل الوفاء في السند
لأمر، بسبب كون أن نفس المادة عرفت مقابل الوفاء بأنه دين الساحب في ذمة المسحوب
عليه، وبما أن المسحوب عليه غير موجود في السند لأمر فإن مقابل الوفاء غير موجود بالتبعية.
غير
أن القراءة الحرفية لنص المادة 166، تؤدي بنا في بعض الحالات إلى القول بعدم وجود
مقابل الوفاء حتى في الكمبيالة، خاصة في الحالة التي يكون فيها الساحب هو نفسه
المسحوب عليه.
بالإضافة
إلى ما سبق المشرع أحال على المادة 206 المتعلقة بحقوق الحامل المهمل، بحيث لم
يستثن المشرع الفقرة التي تلزم الساحب بإثبات مقابل الوفاء.
وعموما
فإن ما ذهب إليه الاتجاه الثاني القائل بوجود مقابل الوفاء في السند لأمر يبقى
الأقرب إلى الصواب حسب رأيي المتواضع، فالقول بعدم وجود مقابل الوفاء في السند
لأمر بسبب عدم وجود المسحوب عليه، وأن الكمبيالة تضم ثلاثة أطراف، قول مجانب
للصواب، ذلك أن الكمبيالة قد تسحب دون تواجد المسحوب عليه بحيث يكون الساحب هو
نفسه المسحوب عليه فنكون أمام وضعية مشابهة للسند لأمر.
[1] أحمد كويسي: "الأوراق
التجارية: الكمبيالة – السند لأمر - الشيك،
دراسة في ضوء القانون والاجتهاد القضائي المغربي والمقارن"، مطبعة أميمة-فاس،
الطبعة الأولى 2007، ص 106.
[2] محمد الشافعي: "الأوراق التجارية في مدونة
التجارة المغربية"، المطبعة والوراقة الوطنية-مراكش، طبعة 2010، ص 119.
[3] تنص المادة 166 من مدونة
التجارة على أنه: " يعد مقابل الوفاء موجودا إذا كان المسحوب عليه في تاريخ استحقاق
الكمبيالة مدينا للساحب أو لمن سحبت لحسابه بمبلغ
يساوي على الأقل مبلغ الكمبيالة."
[4] تنص الفقرتين 3 و 4 من المادة 241 من مدونة
التجارة على أنه: " يلزم الساحب أو الشخص الذي يسحب الشيك لحسابه أن يؤدي المؤونة ومع
ذلك يكون الساحب لحساب غيره مسؤولا شخصيا تجاه
المظهرين والحامل دون غيرهم.
وعلى الساحب دون غيره أن يثبت عند الإنكار، أن من سحب عليهم الشيك
كانت لديهم مؤونة وقت إنشائه، وإلا كان ضامنا
لوفائه ولو وقع الاحتجاج بعد مرور الآجال المحددة."
[5] سلمان العبيدي: "الأوراق التجارية في
التشريع المغربي"، الكمبيالة- السند الإذني- الشيك، مكتبة التومي، الرباط،
طبعة 1970، ص 429.
[6] لطيفة الداودي: "الأوراق التجارية -الحماية القانونية لحامل
الكمبيالة الحماية الجنائية"، المطبعة
والوراقة الوطنية - مراكش، طبعة
2001، ص 138
[7] قرار صادر عن محكمة الاستئناف بالبيضاء بتاريخ
20 يوليوز 1982. أشار إليه أستاذنا أحمد كويسي: مرجع سابق، ص 266
[8] تنص المادة 161 في فقرتها الثانية على أنه: "يجوز أن تسحب على الساحب نفسه".
[9] تنص المادة 161 في فقرتها الأولى على أنه: "
يجوز أن تكون الكمبيالة لأمر الساحب نفسه".
[10] قرار صادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 15-06-2005، ذكره
محمد الهيني: دليل الاجتهاد القضائي في مادة الأوراق التجارية، ص 41.
[11] J.Hamel,
G.Lagarde et A.Jauffret : traité de droit commercial, Dalloz 1966, p 589.
Cité par AHMED KAOUISSI, op.cit. p266
[12] تنص
المادة 237 من مدونة التجارة على أنه:
"
يلتزم
المتعهد بالسند لأمر بنفس الكيفية التي يلتزم بها قابل الكمبيالة."
[13] يقصد
بالروابط الأصلية هنا العلاقة التي كانت سببا في إصدار السند لأمر والتي قد تكون
في شكل بيع أو قيام بأشغال معينة....
[14] [14]
J.Hamel,
G.Lagarde et A.Jauffret : op.cit, p 589. Cité par AHMED KAOUISSI, op.cit,
p 268
[15] محاضرات ألقيت على طلبة ماستر منازعات الأعمال
الفوج الثالث، السنة الجامعية 2016/2017
[16] تنص المادة 234 من مدونة
التجارة على أنه :
" تطبق على
السند لأمر، كلما كانت لا تتنافى وطبيعة هذا السند، الأحكام المتعلقة بالكمبيالة
بصدد
المسائل الآتية:
- التظهير: (المواد من 167 إلى 173)؛
- تاريخ الاستحقاق: )المواد من 181 إلى 183)؛
-الوفاء: (المواد من 184 إلى 195)؛
-المطالبة بسبب عدم الوفاء: )المواد من 196 إلى 204 ومن 206 إلى 208)؛
[17] تنص الفقرة الثانية من المادة 206 على أنه
" لكن السقوط لا يسري مفعوله تجاه
الساحب إلا إذا أثبت وجود مقابل الوفاء بتاريخ الاستحقاق. وفي هذه الحالة لا يبقى
للحامل حق المطالبة إلا ضد المسحوب عليه."
[18] يكون الحامل مهملا طبقا لمنطوق
المادة 206 من مدونة التجارة في الحالات الآتية:
-
الحالة التي لا يقدم فيها الكمبيالة المستحقة عند
الاطلاع أو بعد مدة من الاطلاع داخل الأجل المحدد.
-
الحالة التي يقوم فيها بإحتجاج عدم القبول أو الوفاء
داخل الأجل المحدد
[19] محاضرات ألقيت على طلبة ماستر منازعات الأعمال
الفوج الثالث، السنة الجامعية 2016/2017
[20] أحمد كويسي: مرجع سابق، ص 268
[21] مرجع سابق، ص 268
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق