قراءة في مسطرة الصلح وفق القانون رقم
18.12
المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل
عدنان بوشان
باحث في قانون الشغل و العلاقات المهنية
تقديم :
لقد أصدر المشرع
المغربي أخيرا قانونا جديدا يتعلق بحوادث الشغل والذي عوض ظهير 25 يونيو 1927
المعدل من حيث الشكل بموجب ظهير 15 مارس 1963 هذا القانون الذي عمر طويلا والذي
كان يزخر بمجموعة من المساطر بين الإدارية والقضائية تتداخل فيها مجموعة من الجهات
والأجهزة.
ويعتبر قانون
18.12[1] من بين حسنات الإصلاح
القضائي التي شهدتها المملكة والذي توج بمجموعة من النصوص القانونية يحاول من
خلالها المشرع مواكبة التطورات الداخلية (دستور 2011 ) والخارجية (مصادقة المغرب على مجموعة من الاتفاقيات ) وقد
تميز هذا القانون عن نظيره بالبساطة وحسن صياغة النصوص، واختيار العبارات حيث
اقتصر فقط على 197 مادة موزعة على تسعة أقسام وكل قسم يضم أبواب وفروع، بالإضافة إلى
الجديد الذي جاء به هذا القانون الذي سنحاول عرض بعضه من خلال هذه القراءة.
إن مساطر الصلح
قد برزت في الآونة الاخيرة كحل للنزاعات وتخفيف اليد على القضاء، فبادر التشريع إلى
تبنيها سواء من خلال قوانينه المدنية أو الجنائية هي الأخرى بحثا عن التيسير وجعل
حل النزاع بين يدي الخصوم، هم أولى بمعرفة مصالحهم قبل الولوج إلى القضاء.
وقد اهتم
القانون الجديد بهذا النوع من المساطر البديلة فأفرد لها بابا خاصا بها، فكيف تتم
هذه المساطر ما قبل القضائية وهل هي إلزامية، وهل يمكن أن تنتقل إلى مسطرة قضائية
تلزم القضاء ؟. و هو ما سنحاول تناوله من
خلال اعتماد التقسيم التالي :
المطلب الأول : مسطرة الصلح الاتفاقي في حوادث الشغل
المطلب الثاني : مسطرة الصلح القضائي في حوادث الشغل
المطلب الأول : مسطرة الصلح الاتفاقي في حوادث
الشغل
تعتبر مسطرة
الصلح من مستجدات قانون 18.12 والتي لم يعرف لها نظير في ظهير 1963 حيث كان النزاع
يعرض مباشرة على القضاء من قبل الجهات الادارية المصرح أمامها بالحادثة، وقد أفرد
لها المشرع من خلال القانون المذكور أعلاه الباب الاول من القسم الخامس معنونا
إياه بمسطرة الصلح مفردا له المواد من 132 الى 140، ومنه نتساءل عن مدى الزامية
هذه المسطرة وما جزاء عدم سلوكها وعلى من تقع مسؤولية تتبعها وهل ميز المشرع في
إطارها بين المشغل المؤمن والغير المؤمن ؟.
الفقرة الأولى: مدى إلزامية الصلح الاتفاقي
سنحاول
الإجابة عن مدى الزامية هذه المسطرة من عدمه من خلال التمييز بين المشغل المؤمن
والغير المؤمن سيرا على نفس نهج المشرع الذي أراد هذه التفرقة، مبينين مدى حجية
الصلح الاتفاقي.
أولا : بالنسة للمشغل المؤمن
إن مسطرة الصلح
الاتفاقي[2] تقع مسؤولية تتبعها والسهر
على إنجاحها على كل من المصاب بالحادثة أو ذوي حقوقه والمقاولة المؤمنة للمشغل[3]، فبمجرد أن تتم عملية
التصريح بالحادثة من قبل المصاب أو ذوي حقوقه أو من يمثلهم[4] إلى المشغل أو أحد مأموريه
وبعد قيام هذا الاخير هو الاخر بالتصريح بالحادثة للجهات المعنية ومن ضمنها
المقاولة المؤمنة[5]،
فإنه يقع على عاتق المصاب أو ذوي حقوقه واجب تتبع مسطرة الصلح مع هذه الأخيرة وذلك
قبل القيام بأي إجراء من الاجراءات القضائية، بمعنى أن مسطرة الصلح الاتفاقي هي
المرحلة الأولى ما بعد وقوع الحادثة والتصريح بها، هذا ويجب على المقاولة المؤمنة
للمشغل بعد أن تتوصل من قبل المشغل المؤمن بشهادة الشفاء أو شهادة الوفاة داخل أجل
شهر من هذا التاريخ أن تعمد إلى تقديم عروض المصاريف والتعويضات للمصاب أو ذوي
حقوقه[6].
لكن ترك الأجير
المصاب أو ذوي حقوقه، في مواجهة المقاولة المؤمنة خلال مسطرة الصلح قد يجعلنا
نتساءل عن الحماية التي يخولها المشرع لهذا الطرف الضعيف ؟
لقد فطن المشرع
إلى ذلك، وحتى تكون كفة كلا الطرفين متوازنة نسبيا فإنه قد خول المصاب أو ذوي
حقوقه إمكانية توكيل محام أو أكثر وذلك من أجل مساندتهم والإشراف وتتبع مسطرة
الصلح في مواجهة المقاولة المؤمنة[7]، هذه الأخيرة التي تكون
مطوقة بثلة من المحامين.
وقد يعمد
المصاب أو ذوي حقوقه مدعما بمحاميه إذا تم توكيله، إلى قبول العروض المقدمة إليه
من قبل المقاولة المؤمنة، إن وجد فيها ما يخدم مصالحه وما فيه جبر للضرر الذي
لحقه، وقد يتم التفاوض حولها بالزيادة، ويتم تفريغ محتوى هذا الاتفاق في محضر يسمى
محضر الصلح يحدد نموذجه بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالشغل.
يعتبر هذا
الصلح أو الاتفاق نهائيا وغير قابل لأي طعن أمام المحكمة الابتدائية، وهو ما يخوله
حجية قاطعة تجعل النزاع محسوما كقاعدة، لكن كاستثناء خول المشرع إمكانية الطعن
ومراجعة مضمون هذا المحضر وذلك في حالتين، الحالة الأولى وهي المنصوص عليها في
المادة 133/ف3 إذا كانت المصاريف والتعويضات الممنوحة للمصاب أو ذوي حقوقه أو
مبلغها يقل عن تلك المضمونة في هذا القانون، والحالة الثانية هي المنصوص عليها في
المادة 152 حيث خول المشرع إمكانية تعديل محضر الصلح إذا لم تتم مراعاة أحكام هذا
القانون المتعلقة بتقدير واحتساب المصاريف والتعويضات أو في حالة وجود خطأ مادي،
وهو الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن جدوى مساندة المحامي للطرف المصاب أو ذوي حقوقه ؟
هذا وقد يعمد
المصاب أو ذوي حقوقه إلى رفض عروض المصاريف والتعويضات المقترحة من طرف المقاولة
المؤمنة للمشغل، وفي هذه الحالة فإن مسطرة الصلح تنبئ عن نهايتها مما يفتح الباب
أمام إمكانية ولوج القضاء ورفع مقال افتتاحي بذلك، للبث في طلب التعويض عن الأضرار
المترتبة عن حادثة الشغل، وهو ما يبين عدم إمكانية التغاضي عن مسطرة الصلح
الاتفاقي بالولوج مباشرة إلى القضاء، إلا في حالة فشل هذه المسطرة التي لم يحدد
لها المشرع مدة معينة.
ثانيا: بالنسبة للمشغل غير المؤمن
لقد ميز المشرع
المغربي في مباشرة مسطرة الصلح، بين المشغل المؤمن والغير المؤمن، فهل يحق للمشغل
غير المؤمن أن يباشر مسطرة الصلح بأن يقدم عروض المصاريف والتعويضات المقترحة من
طرفه إلى المصاب أو ذوي حقوقه ؟ .
لقد عمد المشرع
المغربي إلى عدم تخويل المشغل الغير المؤمن إمكانية الدخول مع المصاب أو ذوي
حقوقه في مفاوضات من خلال اعتماد مسطرة
الصلح الاتفاقي عكس ما هو مخول للمشغل المؤمن من خلال المقاولة المؤمنة له[8].
ومنه فإنه
يتعين على المصاب أو ذوي حقوقه وفق ما جاء في المادة 18 من قانون 18.12 أن يعمد
مباشرة إلى اتباع أو سلوك المسطرة القضائية طبقا للكيفيات والشروط المنصوص عليها
في المواد من 141 إلى 144 المتعلقة بالمسطرة القضائية.
الفقرة الثانية : جزاء عدم سلوك مسطرة الصلح
الاتفاقي
إذا كانت مسطرة الصلح الاتفاقي ملزمة للأطراف،
المصاب أو ذوي حقوقه والمقاولة المؤمنة فما هو جزاء عدم سلوك هذه المسطرة وهل يمكن تصور ولوج
المسطرة القضائية دون المرور من هذه المسطرة ؟ وما دام أن أحكام هذا القانون من
النظام العام، فهل يمكن أن تحكم المحكمة بعدم قبول الدعوى المرفوعة أمامها والتي
لم تباشر فيها مسطرة الصلح الاتفاقي؟.
من خلال المواد
من 132 إلى 140 المتعلق بمسطرة الصلح، يتبين أن المشرع قد اعتمد مصطلحات الالزام
والوجوب من قبيل "يجب"
"يتعين"، وهو ما يؤكد الزامية هذه المسطرة وضرورة سلوكها،
وحتى يتأكد هذا
الالزام فقد نص المشرع من خلال المادة 160 على جزاء عدم سلوك المصاب أو ذوي حقوقه
لمسطرة الصلح[9]،
حيث خول للمحكمة المرفوعة أمامها الدعوى و التي يثبت لها عدم وجود مسطرة الصلح، وذلك
من خلال اطلاعها على الملف الذي يجب أن يكون مرفوقا بنظائر لمجموعة من الوثائق من
بينها اقتراحات العروض المقدمة من طرف المقاولة المؤمنة للمشغل وتوضيح لأسباب رفض
هذه العروض من طرف المصاب أو ذوي حقوقه[10]، إمكانية أن تبت في هذه
الدعوى وفقا لأحكام القانون العام، بمعنى أن المحكمة لا تنظر وفقا لأحكام هذا
القانون وما تتميز به المسؤولية عن حوادث الشغل من خصائص، هي بلا شك في مصلحة
المصاب، وإنما تنظر هذه المسؤولية وفقا للقواعد العامة وما يستتبع ذلك من ضرورة
اتبات الخطأ والضرر والعلاقة السببية.
المطلب الثاني : مسطرة الصلح القضائي في حوادث
الشغل
تناول القانون رقم 18.12 المتعلق بحوادث الشغل
كل ما يتعلق بالمسطرة القضائية في الباب الثاني من القسم الخامس من هذا القانون[11]، والذي استهل مواده بالإحالة
بخصوص البت في النزاعات المترتبة عن تطبيق أحكام هذا القانون على القواعد والأحكام
المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية باعتباره الشريعة العامة للإجراءات
والمساطر القضائية، وإذا كانت المادة 277 من ق م م تنص على ضرورة سهر القاضي على
التصالح بين الأطراف في بداية الجلسة، فإن الأمر يفرض علينا التساؤل عن مدى الزامية
قيام القاضي في نزاعات حوادث الشغل بمحاولة الصلح علما أن ذلك سبقه محاولة للتصالح
الاتفاقي كان مصيرها الفشل؟ لكن قبل ذلك لابد من ضرورة تحديد الحالات التي يمكن
اللجوء فيها للقضاء.
الفقرة الأولى : الحالات التي يتم اللجوء فيها
للقضاء
يعتبر باب
القضاء مفتوحا على مصراعيه لكل طالب بحق، توفرت فيه الشروط الضرورية، لكن المشرع
في بعض الأحيان قد يضع قيودا ليس الهدف منها الحد من حق التقاضي وإنما تنظيم هذا
الحق ومحاولة التخفيف على القضاء.
أولا : علاقة المصاب أو ذوي حقوقه بالمشغل المؤمن[12]
كما سبق لنا
وأن بينا أن المصاب أو ذوي حقوقه لا يمكن له أن يدق باب القضاء إلا بعد تعذر
التوصل إلى اتفاق تصالحي بين الأطراف يتم تحريره في محضر رسمي تكون له حجية قاطعة
(باستثناء الحالات التي ذكرناها)، هذا الإجراء الذي فرضه المشرع إنما أراد من
خلاله تسريع المسطرة وتمكين المصاب أو ذوي حقوقه من التوصل إلى حل دون الدخول في مساطر
قضائية قد ترهقه و تدفع به إلى تكلف مصاريف هو في غنى عنها.
ومنه فإن
الحالات التي يمكن للمصاب أو ذوي حقوقه اللجوء فيها إلى القضاء لا تخرج عن ثلاث
حالات حددها المشرع في كل من المادة 133 و المادة 138 والمادة 152 من القانون رقم
18.12، حيث تتمثل في الثالي:
الحالة الأولى : الحالة
التي يرفض فيها المصاب أو ذوي حقوقه عروض المصاريف والتعويضات المقترحة من طرف
المقاولة المؤمنة للمشغل، بمعنى عدم نجاح مسطرة الصلح الاتفاقي.
الحالة الثانية : تتمثل
في الحالة التي يقوم فيها المصاب أو ذوي حقوقه بالطعن في محضر الصلح، نتيجة لكون
المصاريف والتعويضات الممنوحة للمصاب أو ذوي حقوقه أو مبلغها يقل عن تلك المضمونة
في هذا القانون.
الحالة الثالثة :
وهي مشابهة للحالة الثانية وتتمثل في الحالة التي يتم من خلالها تقديم طلب تعديل
محضر الصلح (نجاح مسطرة الصلح) لعدم مراعاة أحكام هذا القانون المتعلقة بتقدير
واحتساب المصاريف والتعويضات أو في حالة وجود خطأ مادي، فعدم مباشرة المشغل أو
مؤمنه اجراءات تعديل محضر الصلح داخل الأجل المحدد لذلك يخول المصاب أو ذوي حقوقه
امكانية اتباع المسطرة القضائية.
وتجدر الإشارة
إلى أن الحالتين الأخيرتين هما حالتين ينحصر دور المحكمة فيهما فقط في نظر مدى
مطابقة المصاريف والتعويضات المتفق عليها أو المحكوم بها لما نص عليه المشرع في
القانون رقم 18.12 أما الحالة الأولى فإن المحكمة تبسط سلطتها على القضية كاملة.
ويبقى الإشكال
المطروح في الحالة التي يقبل فيها المصاب أو ذوي حقوقه للعروض المقترحة من قبل
المقاولة المؤمنة للمشغل، لكن يتبين له فيما بعد أن بعض حقوقه لم يتم تضمينها
بالمحضر في هذه الحالة هل يحق له اللجوء إلى القضاء مباشرة للطعن في هذا المحضر أم
يقوم بتقديم طلب تعديل هذا المحضر؟.
ثانيا : علاقة المصاب أو ذوي حقوقه بالمشغل غير
المؤمن
إذا كان المشغل
غير مؤمن كان للمصاب أو ذوي حقوقه اللجوء مباشرة إلى المسطرة القضائية دون امكانية
سلوك مسطرة الصلح المنصوص عليها في المادة 132، وهو الأمر الذي أشارت إليه المادة
18 من قانون 18.12 والتي جاء فيها أنه " يتعين على المصاب أو ذوي حقوقه اتباع
المسطرة القضائية طبقا للكيفيات والشروط المنصوص عليها في المواد من 141 الى 144
من هذا القانون في حالة عدم خضوع المشغل لإجبارية التأمين أو لعدم ابرامه لعقد
التأمين "، وهو ما يؤكد ضرورة لجوء المصاب أو ذوي حقوقه مباشرة إلى القضاء
للمطالبة بالتعويضات عن الأضرار المترتبة عن الحادثة.
تجدر الإشارة
أخيرا إلى أن المشرع افترض في الحادث الذي يمكن أن يتعرض له المصاب أنه حادث شغل
بأن عمد إلى جعل مسطرة الصلح الزامية وضرورة اقتراح المقاولة المؤمنة لعروض
المصاريف والتعويضات، فماذا لو أن المقاولة المؤمنة لم تقم باقتراح هذه العروض معتبرة
أن الحادث لا يكتسي طابعا شغليا، علما أن المشرع عاقب عن ذلك بغرامة من 20.000 إلى
50.000 درهم، فهل يحق في هذه الحالة للمصاب أو ذوي حقوقه اللجوء إلى القضاء مباشرة
وما سندهم القانوني في ذلك؟.
الفقرة الثانية : مدى إلزامية
قيام القاضي بمسطرة التصالح بين الأطراف قبل البت في الدعوى
يعتبر الفصل
277 من ق م م السند القانوني الذي يخول القاضي التدخل باعتماد مسطرة التصالح قبل
بته في النازلة المعروضة أمامه، وهي مسطرة اعتبرها العمل القضائي المغربي ملزمة
يترتب عن غيابها بطلان الحكم، فهل يمكن الحديث في ظل القانون الجديد المتعلق
بحوادث الشغل والذي جاء بمسطرة للصلح الاتفاقي تسبق المرحلة القضائية عن هذه
المسطرة ؟.
أولا : حالة النزاع
بين المشغل غير المؤمن والمصاب أو ذوي حقوقه
لم يخول المشرع
المغربي للمصاب أو ذوي حقوقه امكانية تتبع مسطرة الصلح الاتفاقي مع المشغل الغير
المؤمن وفق ما جاء بالمادة 18 من القانون رقم 18.12 وإنما خوله ضرورة اتباع
المسطرة القضائية مباشرة.
وفي الحالة
التي يقوم فيها المصاب أو ذوي حقوقه برفع دعوى أمام المحكمة الابتدائية المختصة في
مواجهة المشغل الغير المؤمن، فإن المشرع وبموجب المادة 140 من قانون حوادث الشغل
خوله إمكانية إبرام صلح مع المصاب أو ذوي حقوقه أمام نفس المحكمة التي تم رفع
الدعوى أمامها، وتحت إشراف القاضي المكلف بالقضية، وبذلك فإن للمشغل الغير المؤمن
أن يقترح على المصاب أو ذوي حقوقه وذلك قبل نظر الدعوى عروض المصاريف
والتعويضات، فإن هو المصاب أو ذوي حقوقه وافق على هذه العروض، أصدر القاضي المكلف
بالقضية والذي تم تعينه لنظر الدعوى أمرا قضائيا بالتصالح وفق ما أشارة إليه
المادة 152 من قانون 12.18، دون حاجة لإعمال الفصل 277 من ق م م.
أما إذا رفض
المصاب أو ذوي حقوقه العروض المقترحة عليه، فإن المحكمة تبت بصفة استعجالية إذا
تبين لها أن الطرفين لا يختلفان على مادية الحادثة أو على جميع العناصر المعتمدة
لتقدير المصاريف والتعويضات طبقا لأحكام هذا القانون[13]، الأمر الذي يفيد أن مجرد
رفض المصاب أو ذوي حقوقه العروض المقترحة من طرف المشغل، يعتبر بمثابة فشل مسطرة
الصلح القضائي، التي لا حاجة لإعادتها من طرف المحكمة طبقا للفصل 277 من ق م م.
وقد لا يبادر
المشغل غير المؤمن إلى اقتراح عروض أمام المحكمة لصالح المصاب رافع الدعوى أو ذوي
حقوقه من أجل ابرام صلح قضائي _ مصطلح "إبرام" إنما جاء به المشرع لأن مبادرة الصلح تأتي من
المشغل غير المؤمن وليس المحكمة_ وفي هذه الحالة تكون المحكمة ملزمة بمحاولة
التصالح بين الطرفين في بداية الجلسة وقبل بتها فيها بحكم قضائي.
ثانيا : حالة النزاع بين المشغل المؤمن والمصاب أو
ذوي حقوقه
إذا كان الصلح
بين المشغل الغير المؤمن والمصاب أو ذوي حقوقه يتم داخل أسوار المحكمة وتحت إشراف
القاضي المكلف بالقضية، فإن الصلح الذي يتم بين المقاولة المؤمنة للمشغل والمصاب
أو ذوي حقوقه إنما يكون خارج أسوار المحكمة، وهو الأمر الذي يفرض علينا القول بأن
مسطرة الصلح القضائي لابد من سلوكها وفق ما أشار إليه الفصل 277 من ق م م حتى ولو
تم إجراء محاولة للصلح الاتفاقي لم تنتج آثارها المرجوة.
ومنه فإن رفض
المصاب أو ذوي حقوقه للعروض المقترحة من طرف المقاولة المؤمنة للمشغل إنما يأتي عن
عدم جدية هذه العروض أو أن المصاب لا يتق في المقاولة المؤمنة ويريد سندا قانونيا
أكثر آمانا هو الحكم القضائي.
لكن
قد يتبين للمحكمة من خلال الوثائق المرفوعة إليها المرفقة بالمقال الافتتاحي
للدعوى، من قبيل الشواهد الطبية واقتراحات العروض وكذا الأسباب التي أدت بالمصاب
أو ذوي حقوقه إلى رفض هذه العروض، أن هذه الأخيرة جاءت وفقا لما هو مسطر من أحكام
بهذا القانون، وأن المصاب برفضه لهذه العروض إنما تعسف في استعمال حقه هذا، مما
يخول حسب رأينا للمحكمة ودون المرور عبر مسطرة التصالح الحكم وبشكل استعجالي في
القضية.
خاتمة :
ومن خلال هذه
القراءة المتواضعة لمسطرة الصلح الاتفاقي كمولود جديد جاء به قانون 12.18 ولمسطرة
التصالح القضائي التي كرسها قانون المسطرة المدنية، يتبين أن المشرع حاول التخفيف
على القضاء وترك فض النزاع بين يدي الأطراف، في انتظار ما سيفرزه العمل القضائي
المغربي في هذا المجال.
الهوامش :
ü 01
ظهير شريف رقم 1.14.190 الصادر في 6 ربيع الاول (29 ديسمبر 2014 ) بتنفيد القانون
رقم 18.12 المتعلق بالتعويض عن حواث الشغل، منشور بالجريدة الرسمية عدد 6328
بتاريخ فاتح ربيع الآخر 1436 (22 يناير 2015).
ü 02
عرف المشرع المغربي بموجب القانون رقم 18.12، الصلح بكونه الاتفاق المبرم بين
المصاب بالحادثة أو ذوي حقوقه والمقاولة المؤمنة للمشغل، من أجل تمكينهم من
الاستفادة من المصاريف والتعويضات المنصوص عليها في المادة 37 ، وتلك المنصوص
عليها في القسم الرابع من هذا القانون. وهو ما يبين أن مسطرة الصلح الاتفاقي مسطرة
تهم فقط المشغل المؤمن من خلال مقاولة التأمين التي تباشرها مع المصاب.
ü 03
تحل بقوة القانون المقاولة المؤمنة محل المشغل المؤمن له في أداء جميع المصاريف
والتعويضات والإيرادات المنصوص عليها في هذا القانون، أيا كانت تسميتها ... وفقا لما أشارت إليه المادة 34 من القانون رقم
18.12.
ü 04
ويتم الإخبار بالحادثة في اليوم الذي طرأت فيه، أو في ظرف الثمانية والأربعين ساعة
على أبعد تقدير، خلاف ما كان عليه الحال في ظهير 1963 الذي كان يخول فقط أربعة
وعشرين ساعة للإخبار بالحادثة.
ü 05
المادة 14 و 15 من من
القانون 12.18 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل.
ü 06
المادة 134 من القانون رقم 12.18 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل.
ü 07
هو مقتضى لم يكن يشير إليه ظهير 1963
ü 08 نجد أن المادة 18 من القانون 12.18 تنص
على أنه : "يتعين على المصاب أو ذوي حقوقه اتباع المسطرة القضائية طبقا
للكيفيات وللشروط المنصوص عليها في
المواد من 141 الى 144 من هذا القانون في حالة عدم خضوع المشغل لاجبارية التأمين
أو لعدم إبرامه لعقد التأمين "
ü 09
تنص هذه المادة على أنه : "... ويمكن للمحكمة المرفوعة إليها الدعوى إذا ثبت
لديها عدم وجود مسطرة الصلح المشار إليها في الباب الأول من القسم الخامس من هذا
القانون أو ثبت لديها عدم وجود دعوى مقامة طبقا لأحكام هذا القانون أن تبت في دعوى
المسؤولية وفقا لأحكام القانون العام، بمعنى البث وفقا للمبادئ العامة للمسؤولية
المدنية.
ü 10
المادة 138 من القانون رقم 18.12 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل.
ü 11
المواد من 141 إلى 144 من القانون رقم 12.18 المتعلق بالتعويض عن حوادث الشغل.
ü 12
تنص المادة 29 من نفس القانون على أنه " يجب على المشغلين الخاضعين لأحكام
الظهير المتعلق بنظام الضمان الاجتماعي أن يبرموا لزوما لدى مقاولات التأمين
المرخص لها بذلك عقد تأمين يضمن المصاريف والتعويضات المنصوص عليها في هذا
القانون...."
ü 13 وهو الأمر الذي أشارت إليه المادة 143 من نفس القانون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق