تحديث
المنظومة القانونية الأسرية في مجال الاصلاح الأسري بين مطلب الاستعجال وناقوس
الخطر ؟
حمزة
التريد
باحث
في العلوم القانونية
كلية الحقوق
بفاس
يعتبر التأصيل الدستوري لكيان الأسرة
المغربية ومأسستها احدى أهم الركائز الكبرى الذي بنيت عليها معالم الوثيقة
الدستورية ، بحيث أبانت هذه الأخيرة عن مكانة الأسرة
باعتبارها الخلية الأساسية للمجتمع وعملت على اضفاء الطابع الدستوري المؤسساتي
عليها قصد الرقي بها الى مصاف المؤسسات الدستورية الكبرى التي تستفيد لا محالة من أوراش
ومشاريع اصلاحية هادفة بالأساس الى ضمان تنزيل سليم للمقتضيات الدستورية المؤطرة
لها بشكل يتلائم وروح الدستور هذا من جهة ، والترسانة القانونية المنظمة للأسرة[1] من جهة أخرى .
وبهذا يكون التعديل الدستوري الجديد الذي عرفته الساحة القانونية المغربية
، قد أتى من أجل استكمال معالم الأسرة من كافة الجوانب القانونية لا سواء من ناحية
تعزيز الحماية القضائية وكذا القانونية عبر تحميل الدولة مسؤوليتها في هذا المجال
الحمائي ذا الطابع الحقوقي والاجتماعي والاقتصادي بامتياز ، بشكل يستحضر المبادئ والأسس
الواردة في مدونة الأسرة[2] والتي سعت جاهدة الى
تكريسها .
لكننا اليوم ، وبعد مرور اثني عشر
سنة على دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ ، وكذا الخمس السنوات الأخيرة من خوض لمعارك
ومحطات تشريعية أتت استجابة لثورة دستورية أعلنت عن دخول بلادنا أوج مسيرة
الانتقال الديمقراطي بامتياز ، لكن وللأسف اليوم دق ناقوس الخطر أبواب أسرتنا
المغربية بشكل يثير الاستغراب والتساؤل : هل بالفعل دولتنا اليوم تتحمل مسؤولية ما
ألت اليه أوضاع الأسرة المغربية والتي أصبحت تستكين تحت عتبات المحاكم أملا في
الاستجابة لطلبات تحمل في طياتها هدما و اخلالا بمقاصد ديانتنا الاسلامية وكذا بدستورية
هذا الكيان الأسري وقدسيته ؟
تساؤل لا زال يطرح نفسه بشدة رغم أن الاجابة واضحة المعالم ، لكن ردود
الفعل التشريعية وان وجدت تبقى بعيدة كل البعد عن واقع النزاع الأسري الذي أسفر
منذ بداية مسلسل التنزيل والتفعيل الذي عرفته مدونة الأسرة الى يومنا هذا عن
احصائيات وأرقام لنسب الطلاق والتطليق بشكل لا يسعنا الا القول بأننا اليوم أصبحنا
أمام مطلب أخد من هاجس تحقيق الاستقرار الذي ينبغي أن تنعم به الأسر المغربية
عنوانا له ، مطلب لا يسعه الا أن يحاكي سبل تحقيقه عبر سلوك غمار احدى المجالات التي
عززت نصوص مدونة الأسرة من صفوفها القانونية لتبقى حبرا على ورق ألا وهو مجال
الاصلاح الأسري .
مجال ساهم النص والواقع في تهميشه ، ليفتح النقاش اليوم على مصراعيه لبديل
أخر لن نخوض معه غمار مأسسته ومدى امكانية تطبيقه ، بل سنقف عند احدى أهم المقاربات
التي أصبحت تغيب عن معالم السياسة الأسرية ببلادنا ألا وهي المقاربة الاصلاحية ؟
لعل قارئ هذه الأسطر سيتساءل عن أية مقاربة اصلاحية نتحدث هنا . فليكن الجواب
كالتالي :
قبل الحديث عن هذه المقاربة ، سنتحدث عن مكامن وأسباب الدعوة الى النهوض
بها ، والتي لن تعدو أن تكون سوى أسباب تجد مردها في العجز والشلل الذي يشوب
النصوص القانونية المؤطرة لمجال الاصلاح الأسري بمؤسساته المرصدة للصلح ، وكذا ضعف
على مستوى تنزيل وتفعيل هذه المقتضيات القانونية من طرف الجهاز القضائي بدعوى كثرة
الملفات المحالة عليه وكذا ضيق الوقت وغياب الفضاءات الملائمة لإعمال مسطرة الصلح وغيرها
، كلها أسباب أصبحت تستدعي تدخلا تشريعيا ينبني في جوهره على مقاربة اصلاحية تأتي
كرد فعل عن ما أبانت عنه مسطرة الصلح أمام القضاء الأسري من صعوبات واشكالات يمكن
القول معها بتحسين وجهة هذه الألية وكذا المؤسسات المرصدة لها الى الأفضل بشكل
يضمن استمرار العلاقة الزوجية كأصل وليس كاستثناء كما هي عليه الأن .
فناقوس الخطر وان دق عتبات الاستقرار الأسري
بالمغرب ، فإننا كنا نأمل أن تكون سبل التصدي له قد انطلقت من رحاب مدونة الأسرة باعتبارها
الميلاد القانوني والمرجعية التي ساهمت بالأساس أيضا في زعزعة كيان الأسرة بدل
حمايته ، لأن النقاش اليوم حول رهان جديد وتجربة جديدة (الوساطة الأسرية ) في مجال
كسب معالم الاستقرار الأسري في مقابل غياب معالم الاصلاح الحقيقي التي كنا نأمل من
الجهات المعنية النهوض به ، ألا وهو ابداء مقاربة اصلاحية لهذه الألية التصالحية
وكذا مؤسساتها المرصدة للصلح تأتي كرد فعل عن العديد من التحديات التي واجهتها والتي
أصبحت تتطلب ردا تشريعيا من أجل تلافيها ، وهو نفس النهج الذي دأبت عليه مسودة
مشروع قانون المسطرة الجنائية فيما يخص التصدي للفشل الذي أبانت عنه ألية الصلح الجنائي
عن طريق تبنيها لمقاربة اصلاحية لها محاولة تجاوز العديد من الثغرات وكدا مكامن النقص
أو الفراغ التي كانت تشوب مقتضيات المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية الحالي.
لذا
فمطلب تحديث المنظومة القانونية الأسرية في مجال الاصلاح الأسري لتستجيب لواقع
النزاع الأسري بالمغرب ، أصبح أمرا ملحا يتطلب نوعا من الاستعجال وليس التأكيد على
فشلها على حساب الانفتاح على رهان جديد قد لا يشكل بدوره الا اعادة لسيناريو تجربة
الصلح، ليكون بذلك ما اعطاه المشرع بيده اليمنى قد سحبه
بيده اليسرى ، وبالتالي فميلنا للمقاربة الاصلاحية هذه ، لن يحول دون ابدائنا لبعض
المقترحات التي من شأنها النهوض بمقاربة جديدة لمفهوم العدالة التصالحية التي
ينبغي لمدونة الأسرة ان كتب لها طرق أبواب الاصلاح التشريعي أن ترصى عليها ، وهي
كالأتي :
-
اعادة النظر في النصوص القانونية المنظمة لمؤسسة الصلح
بألياتها المرصدة لذلك (مجلس العائلة والحكمين) والعمل على تحيينها بشكل يتلاءم مع
الواقع العملي الذي أبانت عنه الممارسة العملية لمسطرة الصلح أمام القضاء الأسري منذ
اقرارها سنة 2004 .
-
دعم الدور الاصلاحي لبعض الجهات التي أبانت التجربة عن
قدرتها على مواكبة النزاعات الأسرية بحكم قربها
واطلاعها على هذا النوع من القضايا (كتابة الضبط .. ) ، عن طريق المناداة بتدخل تشريعي
يشمل مقتضيات المادة 82 في الشق الخاص بالإجراءات التي يتخذها القاضي من أجل انجاح
محاولة الصلح ، والنص على هذه الجهات ضمن المؤسسات المرصدة للصلح .
-
الاسراع بإنزال المقتضيات الدستورية المؤطرة لإحدى أهم المجالس الدستورية المناط بها مهام
الأسرة والطفولة ألا وهو المجلس الاستشاري للأسرة والطفولة المكرس دستوريا بنص
الفصل 169 من الدستور .
[1] - ويقصد هنا بالترسانة
القانونية المنظمة للأسرة في اصطلاح هذه الدراسة مختلف النصوص التشريعية التي تنظم
القضايا المتعلقة بالأسرة سواء وردت في مدونة الأسرة أو القوانين ذات الصلة بها .
[2] - القانون رقم
70.03 بمثابة مدونة الأسرة ،كما تم تعديله بالقانون رقم 08.09 الصادر بتنفيذه الظهير
الشريف رقم 1.10.103 بتاريخ 3 شعبان 1431 ( 16 يوليو 2010 )؛ الجريدة الرسمية عدد
5859 بتاريخ 13 شعبان 1431 ( 26 يوليو 2010)، ص 3837.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق