عملية الترسيخ الديمقراطي في الجزائر
أمينة ركاب
استاذة القانون العام المعمق
جامعة أبي بكر بلقايد –تلمسان-
ملخص:
إن ترسيخ دعائم الديمقراطية في النظام
السياسي الجزائري مسألة يفترض لتحقيقها أن تتكامل فيها
أدوار الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني، وكلاهما يرتكز على مميزات تعكس الشفافية والمساءلة والتشارك في تحمل المسؤولية،
والمشاركة في رسم السياسات وتعزيز دولة القانون واستقلالية القضاء، وتدعيم اللامركزية لتقريب صنع القرار من المواطنين.
Abstract:
The consolidation of democracy in the Algerian political system, the issue is supposed to achieve that integrates the roles of government and the private sector and civil society institutions, and both are based on the features reflect the transparency, accountability and shared responsibility, and participation in policy-making and to promote the rule of law and independence of the judiciary, and the strengthening of decentralization to bring decision-making citizens.
مقدمة
تعتبر الديمقراطية تعبير عن نظام للحكم يمكن جل أفراد المجتمع
أو المواطنين من المشاركة في اتخاذ القرارات الجماعية الملزمة، ويلغي أي وصاية لحاكم
فرد أو جماعة على المجتمع، ويمكنه من ضبط السلطة القائمة فيه وإدارة أوجه الخلاف سلميا .
وإن الانتقال إلى الديمقراطية وترسيخها يتم بموجب العبور من
حكم الغلبة الذي يسود فيه خيار وقرار الفرد أو القلة باعتباره مصدر الشرعية، إلى حكم
عصري حديث، حيث يكون الحكم للكثرة من الشعب وليس لفرد أو قلة منه؛ وذلك عندما يتم الاعتراف
بحقّ الشعب نصا وروحا وأن يكون هو مصدر السلطات، تتوافق كثرته على وضع الدستور وتشرّع
أغلبيته القوانين وتفوّض السلطات دوريا وتحاسب من يتولاها من دون هدر لحقوق الأقليات.
لذلك فإن الانتقال إلى الديمقراطية يسبق بالضرورة عملية التحوّل
الديمقراطي، وهي العملية أو الصيرورة التي تلي حالة الانتقال من نظام الوصاية إلى ترسيخ
نظام الحكم الديمقراطي واستقراره، حيث يتم بموجب التحوّل الديمقراطي نمو وارتقاء الممارسة
الديمقراطية من حالتها الإجرائية وحدّها الأدنى عند لحظة الانتقال، إلى تكريسها كقيمة
وثقافة وممارسة عامة ترسخ نظام الحكم الديمقراطي وتطوِّر أداءه نوعيا عبر الزمن.
و من ثم عملية الترسيخ الديمقراطي هي المرحلة التي تعقب عملية
التحول الديمقراطي، فالترسيخ الديمقراطي هو الغاية المرجوة من تطبيق آليات الانتقال
والتحول الديمقراطي، تلك الغاية المتمثلة في وحدة الاقتناع العام لدى كافة المواطنين
بأن التمسك بقيم الديمقراطية الحقيقية هي الضمان الوحيد لتحقيق تطلعاتهم، وعدم جواز
الالتفاف على تلك القيم بأية حجة أو تبريرات، ومهما كانت الظروف والتحديات التي تواجهها .
وعليه ترسيخ الديمقراطية هو ليست شعارات أو عبارات في النصوص
والمؤتمرات، وإنما هو مطلب ضروري وهام لاستقرار البلد وتطوير نظامه السياسي والاجتماعي
والاقتصادي تسعى له الشعوب الطامحة والمتمدنة بشكل عام والجزائر بشكل خاص، ولهذا سيتم
تبيان في هذا الموضوع مدى ترسيخ الديمقراطية في النظام السياسي الجزائري، ولذلك ارتأينا
طرح التساؤل التالي:
هل فعلا النظام السياسي الجزائري نظاما ديمقراطيا أو أنه لازال
في مرحلة التحول الديمقراطي؟ وماهي الأسباب التي أدت إلى عرقلة المسار الديمقراطي؟
وللإجابة على هذه الإشكالية سوف يتم تقسيم هذه الدراسة إلى:
المطلب الأول: مفهوم الترسيخ الديمقراطي
المطلب الثاني: آليات الترسيخ الديمقراطي في الجزائر
المطلب الثالث: معوقات وآفاق الترسيخ الديمقراطي في الجزائر
المطلب الأول: مفهوم الترسيخ الديمقراطي
لقد أثارت محاولات تأصيل مفهوم الترسيخ الديمقراطي نطاقا واسعا
من الجدل بين مختلف الباحثين حيث يسعى كل منهم إلى وضع محاولات استحداث طرق لضمان ديمقراطية
ناجحة، لذلك سيتم تعريف الترسيخ الديمقراطي كفرع أول، والإشارة لأهم محدداته كفرع ثان.
الفرع الأول: تعريف الترسيخ الديمقراطي
حظي مفهوم الترسيخ الديمقراطي باهتمام كبير من قبل مختلف الأدبيات
المعاصرة لدراسة النظم السياسية، باعتبار أن رسوخ الديمقراطية هو بمثابة المرحلة المتقدمة
من عملية التحول الديمقراطي.
وقد أثار مفهوم الترسيخ جدلا واسعا بين الفقهاء، فهناك من
اعتبره مرادفا لمفهومي الاستقرار والمؤسسة، وحاولت بعض الدراسات الحديثة للنظم السياسية
تحديد أهم العوامل المساهمة في رسوخ النظام الديمقراطي، في حين ركزت أخرى على مؤشرات
نهاية المرحلة الانتقالية وبداية مرحلة الترسيخ.
وعموما يمكن القول أن النظام السياسي الديمقراطي الذي يمكن
أن تتحدد أهم ملامحه في المرحلة الانتقالية من عملية التحول الديمقراطي، عادة ما يكون
مهددا بالانقلابات العسكرية وبعض أعمال العنف، وأن تجنب ذلك سيتحقق حتما من خلال عملية
الترسيخ وأهم ركائزها التي تتمثل في الاتفاق حول قواعد عملية الديمقراطية بين مختلف
الأطراف السياسية.
ولقد أكد في هذا الصدد بعض الفقه أن بداية رسوخ النظام الديمقراطي
عادة ما يكون باتفاق النخبة حول مختلف الإجراءات، مع مشاركة شعبية واسعة النطاق في
الانتخابات ومختلف العمليات المؤسسية الأخرى. وأن الديمقراطيات الراسخة هي التي يقتنع
فيها كل من الفاعلين السياسيين والأحزاب، وجماعات المصلحة المنظمة ومختلف المؤسسات
بعدم وجود بديل للتحول الديمقراطي1 .
ويظهر بذلك أن المسألة الأولى المهمة لتعزيز التحول الديمقراطي،
تتمثل أساسا في اتفاق الفاعلين السياسيين على مختلف الإجراءات التي تتطلبها العملية
السياسية أولا، واقتناعهم كخطوة ثانية أن النظام الديمقراطي هو النظام الأمثل ونبذ
كل ما يمكن إعاقة أدائه. مما سيدفع بالتأكيد كخطوة ثالثة باتجاه خلق مؤسسات ديمقراطية
فاعلة تضمن قدرا من الشرعية السياسية، وترتقي بالأداء السياسي وتضمن احترام التنوع
المجتمعي وتعمل على تمثيله2 .
الفرع الثاني: محددات الترسيخ الديمقراطي
تناولت قضايا التطور السياسي والديمقراطي في دول العالم الثالث
خلال الفترات الأخيرة كيفية العمل على تعزيز عملية التحول الديمقراطي وترسيخها في هذه
الدول، من خلال مجموعة من المحددات المتداخلة أهمها:
أولا: الثقافة السياسية
يقصد بالثقافة السياسية مجموعة المعارف والآراء والاتجاهات
السائدة نحو الشؤون السياسية والحكم، وتعني أيضا منظمة المعتقدات والرموز والقيم المحددة
للكيفية التي يرى بها مجتمع معين الدور المناسب للحكومة وضوابط هذا الدور، والعلاقة
المناسبة بين الحاكم والمحكوم.
وتبرز أهمية الثقافة السياسية في كونها:
- تمثل
مجموعة من القيم والمعتقدات تؤثر في السلوك السياسي لأعضائه حكاما ومحكومين، كما تمثل
الاتجاهات والسلوكيات والمعارف السياسية لأفراد المجتمع.
- درجة
اهتمام النخبة الحاكمة بقضية التغير الثقافي وحجم الاهتمام الذي توليه وتخصصه الدولة،
لإحداث هذا التغيير في ثقافة المجتمع ومدى رسوخ هذه القيم في نفوس الأفراد.
وبالتالي إن احترام التنوع المجتمعي بما يتطلبه من تعميق ثقافة
التعدد والاختلاف، هو أحد المداخل الإستراتيجية لترسيخ الديمقراطية، التي لا يمكن أن
تتحقق إلا من خلال وجود ثقافة سياسية ديمقراطية تدعم ذلك3
.
وعليه مادام أن النظام الديمقراطي هو ذلك النظام الذي يوفر
فرصا دستورية منتظمة لتغيير الحكام من أفراد وأحزاب. وبما أن هذا التغيير قد يحمل معه
الانشقاق والتنافس الذي تفرضه الديمقراطية ما قد يهدد تماسك المجتمع، فإن تجنب كل ذلك
يستدعي وجود مجموعة من الشروط واحدة من أهمها هي الثقافة السياسية، بما تعنيه من توفر
نسق من القيم والمعتقدات، يجعل من وجود المؤسسات الفعالة والانتخابات والصحافة الحرة،
مقبولة على نطاق واسع4 .
ثانيا: بناء وتدعيم المؤسسات السياسية
يعني ذلك إضفاء الصبغة المؤسسية على السلوك السياسي الديمقراطي
من خلال صياغة أطر قانونية ودستورية تتفق ومبادئ الديمقراطية، وإقامة نظام حزبي تعددي
وإجراء انتخابات دورية تنافسية حقيقية، فتعزيز عملية التحول الديمقراطي وترسيخ الديمقراطية
لا يعتمد فقط على شروط ثقافية، اقتصادية واجتماعية، بل يحتاج أيضا إلى خلق مؤسسات سياسية
قوية وفعالة، يمكن من خلالها تعزيز مبدأ فصل السلطات وسيادة القانون5 .
وعندما تكتسب هذه التنظيمات والإجراءات الطابع المؤسسي، فإنها
تصبح أكثر استقرارا ومحل تقدير وذات قيمة. وقد وضع صامويل هنتجتون أربعة شروط أساسية
حتى يكتسب التنظيم طابعا مؤسسيا هي :
- التكيف:
أي مقدرة المؤسسة على الاستجابة للتأثيرات الداخلية والخارجية، ومواجهتها من خلال ترتيبات
معينة، كإحداث تغييرات في الأشخاص أو الوظائف.
- التعقيد:
بمعنى أن تضم المؤسسة مجموعة من الوحدات المتخصصة، تقوم بمجموعة من الوظائف بما يكفل
لها الاستمرار، ويقاس بمدى درجة تعدد وتنوع وحدات المؤسسة ووظائفها.
- الاستقلالية:
تشير إلى مدى حرية المؤسسة في العمل، وتقاس بمدى استقلالية ميزانيتها وقدرتها على تجنيد
الأعضاء.
- التماسك:
ويقصد به درجة الرضا أو الاتفاق بين الأعضاء داخل المؤسسة6 .
ثالثا: مواجهة المشكلات الاقتصادية والاجتماعية
يتطلب الانتقال نحو الديمقراطية وترسيخ النظام الديمقراطي،
التصدي للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال تبني سياسات فعالة لمعالجة الاختلال
في توزيع الثروات والدخول بين فئات المجتمع، فهذه الاستراتيجيات تسهل عملية التحول
الديمقراطي وتسهم في ترسيخ النظم والقيم الديمقراطية، وبذلك تضمن تحقيق مزيد من العدالة
الاجتماعية وتقليص حدة التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية.
فالديمقراطية هي نتاج فكري ضامن لحسن استثمار وتوزيع الثروة،
ترتكز على مسألة الحريات التي من خلالها تتحقق العدالة الاجتماعية بما تشيعه من تكافؤ،
ما يساهم في تقليص حدة الصراعات وظواهر العنف والاحتجاج، التي يمكن أن تثور نتيجة التفاوت
الاجتماعي والاقتصادي، والتنافس الشديد على الثروة والموارد 7.
كما أن مثل هذه السياسات من شأنها المساهمة في تدعيم وتوسيع
قاعدة الطبقة الوسطى الركيزة الاجتماعية الأساسية للمشروع الديمقراطي، لأن اتساع نطاق
الطبقة الوسطى يجعلها عنصر استقرار وتوازن، وأكثر من ذلك قاعدة لقوى متعددة ومتنافسة،
خاصة أنها تشكل بمختلف شرائحها القاعدة الاجتماعية للعديد من الحركات والأحزاب السياسية
وصياغة فكرها وبرامجها، وتساهم في بناء المجتمع المدني والنقابات المهنية والصحافة
الحديثة، كما أن وجودها يعد بمثابة ضمانة أساسية لاستقرار المجتمع سياسيا واجتماعيا8 .
رابعا: الإيمان والكفاح من أجل ترسيخ الديمقراطية
إن تعزيز الديمقراطية يكون كذلك من خلال إيمان النخب الحاكمة
بقضية الديمقراطية وضرورة العمل على ترسيخها وتقبلها كشكل للحكم الأرقى والأقل كلفة،
وبذلك تكون دافعا قويا نحو تطور ديمقراطي أكثر رسوخا. ولقد شدد الأستاذ صامويل هنتجتون
على هذه المسألة بقوله:"إن الديمقراطية ستنتشر بقدر ما يود لها من يشغلون مقاعد
السلطة أن تنتشر، وإذا كان النمو الاقتصادي يجعل الديمقراطية أمرا ممكنا، فالقيادة
السياسية حسبه تجعل منها أمرا واقعا"
.
والإيمان بضرورة قيام دولة ديمقراطية لا يكفي إذا لم يتم الكفاح
لأجل ترسيخها، بحيث تصبح مطلبا اجتماعيا جماهيريا تعبر عنه حركة شعبية واسعة النطاق .
فإرساء الديمقراطية وتعزيزها عملية طويلة المدى تختلف عن عملية
تفكيك النظم السلطوية، وهي بناء إيجابي لنظام جديد يحتاج إلى موارد وأساليب ومناهج
عمل، تستمر إلى ما بعد قيام التعددية وإقرار الانتخاب العام والحر، ويحتاج الدفع باتجاهها
إلى عمل واع ومنظم ومثابر لتغيير الواقع بالقوة الاحتجاجية والتنظيمية والنظرية معا.
المطلب الثاني: آليات الترسيخ الديمقراطي في الجزائر
إن ترسيخ وتعزيز الديمقراطية يتطلب توافر واحترام مجموعة من
الآليات التنظيمية، تتعلق أولى هذه الآليات بالنظام الحزبي، والثانية بالنظام السياسي،
أما الثالثة فتتعلق بالنظام القانوني.
الفرع الأول: الآلية المتعلقة بالنظام الحزبي
يقصد بهذه الآلية تكريس التعدد التنظيمي المفتوح، بما يعنيه
من حرية تشكيل الأحزاب والمنظمات والجمعيات السياسية دون قيود، فهو يعتبر أحد عناصر
المفهوم الديمقراطي في ظل التطورات الراهنة، إذ تتضمن عملية التحول الديمقراطي تحولا
من صيغة سياسية لا حزبية أو تقوم على حزب واحد، إلى نظام حزبي تعددي له القدرة على
إرساء نظام سياسي ديمقراطي أكثر استقرارا وفعالية
.
وتشكل الأحزاب السياسية كمؤسسات حيوية عناصر مهمة وضرورية
للعملية الديمقراطية يجب أخذها بعين الاعتبار لفهم آلية أي نظام سياسي وإدراك عمله،
حتى قيل أن أي نظام سياسي ما هو إلا انعكاس للنظام الحزبي السائد فيه، ولا ديمقراطية
من دون أحزاب سياسية، لما تلعبه من دور مهم في تنمية الرأي العام، والتعبير عنه في
القضايا الرئيسية كوسيط بين الفرد والدولة، إلى جانب دورها الأساسي في الارتقاء بالديمقراطية.
ويبقى بناء نظام ديمقراطي تعددي والخروج من الرؤية الأحادية
وتعلم استيعاب التعددية التنظيمية السياسية والفكرية، أحد أهم مؤشرات ديمقراطية النظام
السياسي. فالتعددية في جوهرها هي إقرار بالحرية والاختلاف، والتعايش السلمي على قاعدة
لا ضرر ولا ضرار، واستيعاب الأحزاب السياسية التي تلعب دورا في تعزيز الديمقراطية .
لذا سنحاول تبيان مدى استيعاب الأحزاب السياسية في الجزائر
لهذه المهام المنوطة بها ونجاحها في ترسيخ الديمقراطية، أو أن العملية ستحتاج إلى البحث
عن مؤسسات أخرى.
وعليه إن الحديث عن التنظيم الحزبي في الجزائر، ودوره في الحياة
السياسية ومدى مساهمته في إرساء الديمقراطية، سوف يكون على مرحلتين: الأولى تميزت باحتكار
الحياة السياسية من طرف تنظيم حزبي وحيد هو جبهة التحرير الوطني، أما الثانية فتتعلق
بفترة الانفتاح السياسي والتعددية.
أولا: مرحلة الأحادية الحزبية
بعد
الاستقلال قامت السلطة في الجزائر بمنع قيام أحزاب سياسية معارضة استنادا للمادة
23 من دستور1963 ، وتأكد ذلك بمرسوم 14 أوت
1963 حيث أصبحت بموجبهما جبهة التحرير الوطني الحزب الوحيد المخول بممارسة العمل السياسي
والحزبي.
وقد شهدت الجزائر منذ الاستقلال إلى غاية سنة 1988 سيطرة الدولة
على المجتمع، لأن وجود دولة وطنية تغترف شرعيتها ومبادئها العقائدية من الإيديولوجية
الوطنية، لم يكن ليسمح ببروز أي استقلالية خارج هياكل مؤسساتها الرسمية، ما ساهم كثيرا
في خنق الحياة السياسية، وحال دون بروز التعدد الحزبي التنظيمي المفتوح رغم تعدد تيارات
الحركة الوطنية آنذاك .
فتحقيق هدف بناء الدولة والوحدة الوطنية يتطلب توحد كل الجهود
والقوى، وهو ما يترتب عنه محو التعددية بمؤسساتها كالأحزاب السياسية وإخضاعها مباشرة
للسلطة، مع الإبقاء على حزب وحيد هو جبهة التحرير الوطني، وتعطيل الحريات السياسية
وفي مقدمتها حرية الرأي وتكوين الأحزاب السياسية، اللتان تعتبران معيارين أساسيين للديمقراطية.
ذلك أنه لم يتم التوجه بعد الاستقلال نحو تجسيد الديمقراطية
ميدانيا، مع أن النضال من أجل تجسيدها ومبادئها لم يكن وليد الساعة، بل له امتداداته
عبر تاريخ الحركة الوطنية قبل الثورة وأثناءها وحتى بعد الاستقلال، حيث أخذت الدولة
اسم الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية11 .
وعليه بالرغم إذن من تأكيد العديد على أهمية ودور التعدد الحزبي
والتنظيمي، كأداة لتفعيل وتجسيد النظام الديمقراطي، واعتبارها من أسس الديمقراطية،
إلا أن النخبة الحاكمة التي قادت النضال الوطني في الجزائر، رأت في التعددية الحزبية
خطرا على الوحدة الوطنية، الشيء الذي أدى إلى ترك المسألة الديمقراطية جانبا حتى تدعم
هذه الوحدة .
وهو ما نجم عنه ترك التعددية الحزبية أو بالأحرى تجاهل تعددية
الحركة الوطنية، وإعطاء مصداقية للحزب الواحد لإحداث تنمية سياسية اقتصادية واجتماعية
في البلاد، وبناء الأمة في مرحلة ما بعد الاستقلال.
ثانيا: مرحلة التعددية الحزبية
شكلت المرحلة من 1989 إلى 1992 مرحلة انفتاح النظام بكل معنى
الكلمة، كانت بمثابة انتقالية من الأحادية الحزبية إلى التعددية السياسية والحزبية،
منحت فرصة لكافة الحساسيات السياسية الموجودة كي تنتظم في مؤسسات سياسية، كانت بدايتها
عبارة عن جمعيات ذات طابع سياسي .
وبذلك مكن الدستور الجزائري لسنة 1989 دخول عهد جديد يتسم
بالديمقراطية والتعددية واحترام الحريات، ومن ذلك ما نصت عليه المادة 40 على أن
"حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي معترف به" 12 وجاء قانون الجمعيات السياسية رقم 89/11 ،(13) ليضمن
التنظيم والتسيير الأحسن لهذه الحياة، حيث نصت المادة 02 منه على "تستهدف الجمعية
ذات الطابع السياسي في إطار أحكام المادة 40 من الدستور، جمع مواطنين جزائريين حول
برنامج سياسي ابتغاء هدف لا يدر ربحا، وسعيا للمشاركة في الحياة السياسية بوسائل ديمقراطية
وسلمية".
وبعد الأزمة التي عرفتها البلاد عقب توقيف المسار الانتخابي
في 1992 بحجة حماية الدولة ونظامها الجمهوري والديمقراطية الفتية، ودخولها مرحلة انتقالية
مسيرة بمؤسسات انتقالية14 .
كانت العودة مرة ثانية إلى الحياة الحزبية، لكن هذه المرة
بنص دستوري جديد تمثل في المادة 42من دستور
1996 ،(15) نصت على حق تشكيل الأحزاب السياسية،
وتوجه النظام السياسي على إثره قدما نحو الانفتاح السياسي، الذي تجسد ميدانيا بإقرار
التعدد الحزبي والتنظيمي المفتوح بنصوص دستورية وأخرى قانونية تنظيمية، وظهرت العديد
من الأحزاب السياسية ذات التوجهات السياسية المختلفة.
الفرع الثاني: الآلية المتعلقة بالنظام السياسي
هذه الآلية يمكن من خلالها إرساء نظام ديمقراطي وترسيخه؛ وهي
تتعلق بعملية التداول على السلطة السياسية عبر انتخابات حرة تنافسية، ما يتيح إمكانية
انتقال السلطة وفقا لنتائجها. بمعنى آلية صعود قوى سياسية من المعارضة إلى السلطة،
ونزول أخرى من السلطة لأنها غير قابلة للامتلاك بقدر ما هي قابلة للتداول.
وتتطلب مسألة التداول على السلطة من الدولة ونظامها السياسي
انتقال السلطة من نخبة إلى نخبة بشكل سلس وحضاري، في إطار تقاليد التداول من دون صدمات
نفسية وسياسية.
فالتداول على السلطة هو الركيزة الأساسية في بناء النظام الديمقراطي،
الذي يتطلب توفر مجموعة من الشروط يمكن حصرها في التعددية الحزبية، الانتخابات الدورية
الحرة والنزيهة، والاتفاق حول مؤسسات الدولة وحكم الأغلبية في ظل احترام الأقلية.
وبذلك سيتم التعرض لمبدأ التداول السلمي على السلطة السياسية
ومدى تجسده في الحياة السياسية في الجزائر، حتى يفهم كيف تم ويتم التداول على السلطة
فيها من خلال:
أولا: تجربة التداول على السلطة في مرحلة الأحادية
إن الحديث عن التداول على السلطة بالجزائر، يهدف أساسا إلى
معرفة مدى وجود تداول فعلي على السلطة، وهل يمكن أن نسميه تداولا على السلطة أم استيلاء
عليها. وعند محاولة استقراء أهم المحطات التاريخية للتداول على السلطة في الجزائر بعد
الاستقلال، يمكن القول:
• أن
تولي السلطة بإقرار الدستور كان يتم عن طريق تقديم الجبهة مرشحا واحدا للرئاسة، يتم
إجراء استفتاء شعبي عليه وتجدد مدة رئاسته كل خمس سنوات
.
• كان
تركيز السلطة في المؤسسة التنفيذية المسيرة للدولة والحزب، أين تتجسد وحدة القيادة
والتوجيه في شخص رئيسها الذي هو رئيس الجمهورية، فهو مفتاح ممارسة السلطة يجمع قانونيا
وواقعيا في شخصه الشرعية الثورية والدستورية، حيث يمنحه التمثيل الحزبي الشرعية الثورية
يضعه على قمة الحزب، أما التمثيل الانتخابي فيمنحه الشرعية الدستورية ويضعه على قمة
الدولة.
• كان
التداول على السلطة يتم دون توفر أهم شروطه المتمثلة في التعددية الحزبية والانتخابات
التعددية؛ نظرا لسيطرة الحزب الواحد طوال هذه الفترة على الساحة السياسية دستوريا وقانونيا.
• فيما
يخص الآلية أو الوسيلة التي يتم بها التداول السلمي على السلطة، المتمثلة أساسا في
الانتخابات الدورية يمكن القول أن الجزائر لم تعرف هذه الآلية، وما كان معمول به هو
تعيين الرئيس أو اقتراحه من طرف الحزب الواحد آنذاك، ثم الاستفتاء عليه من طرف الشعب16 .
إن الحديث إذن عن مبدأ التداول على السلطة في الفترة السابقة
لإقرار التعددية واتجاه الجزائر نحو الديمقراطية، لا يجعلنا نجزم بوجود تداول سلمي
حقيقي على السلطة بين تيارات سياسية مختلفة أو انتقالها من نخبة لأخرى، نظرا لعدم توفر
أحد أهم شروط التداول المتمثل في التعددية الحزبية، التي تم حظرها بحجة الحفاظ على
الوحدة الوطنية وتعويضها بالحزب الواحد، ما يعني عدم وجود خيارات وبرامج تنافسية متعددة.
ثانيا: تجربة التداول على السلطة في مرحلة التعددية السياسية
تبدأ هذه المرحلة مع الإصلاحات التي أقرها الرئيس الشاذلي
بن جديد، بعد الأحداث الدامية التي عرفتها الجزائر في الخامس من أكتوبر 1988، حيث تمت
المصادقة على دستور 23 فيفري 1989، الذي تبنى رسميا في مادته 40 مبدأ التعددية الحزبية،
بإقرار حق إنشاء الجمعيات ذات الطابع السياسي. ويعد هذا التغيير منعطفا قانونيا جذريا
أمضى رسميا شهادة وفاة الأحادية الحزبية والاحتكار السياسي في الجزائر، مشكلا بذلك
المرجعية القانونية العليا للتداول على السلطة مستقبلا.
وسأحاول من خلال هذا الطرح إبراز مدى تحقق مبدأ التداول على
السلطة في الجزائر في هذه المرحلة، خاصة وأن دستوري 1989 و1996 أرسى مجموعة من مبادئ الفكر الديمقراطي، أبرزها
التعددية الحزبية وضرورة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع كآلية لتداول السلطة، وذلك باستعراض
مختلف المواعيد الانتخابية التي عرفتها الجزائر منذ إقرار التحول الديمقراطي، للحكم
على مدى تجسد هذا المبدأ في هذه المرحلة.
تعتبر الانتخابات المحلية التي عرفتها الجزائر في 10 جوان
1990 أول امتحان للتجربة الديمقراطية الناشئة،
جاءت لتضع مبادئ دستور 23 فيفري 1989 على محك التجربة بإعطاء الشعب حرية اختيار ممثليه؛
حيث شكلت بالفعل أول تداول على السلطة على المستوى القاعدي بطريقة ديمقراطية حرة، سمحت
بفوز لأكبر حزب معارض آنذاك هو الجبهة الإسلامية للإنقاذ.
ثم تم تنظيم انتخابات تشريعية أسفرت نتائجها عن فوز ساحق وغير
متوقع للجبهة الإسلامية للإنقاذ ب 188 مقعدا، مقابل 25 مقعدا لجبهة القوى الاشتراكية،
و 16 مقعدا لصالح جبهة التحرير الوطني.
اعتبرت هذه الانتخابات الخطوة الأولى نحو تجسيد الديمقراطية
بمبادئها، لكن لم يكتب لها الاكتمال بعد تدخل الجيش باسم مجلس أمن الدولة لتأجيل الدور
الثاني منها، وتحول التأجيل الرسمي فيما بعد إلى إلغاء فعلي دخلت بعده الجزائر في مرحلة
انتقالية17 .
تولى المجلس الأعلى للدولة اختصاصات رئيس الجمهورية بعد إعلان
الرئيس الشاذلي بن جديد استقالته، ومنحت له سلطة اتخاذ التدابير التشريعية اللازمة
لضمان استمرارية الدولة وتنفيذ برنامج الحكومة، حتى يعود السير العادي للمؤسسات والنظام
الدستوري .
استمرت المرحلة الانتقالية لحين أجمع كافة الأطراف السياسية،
على ضرورة العودة إلى المسار الانتخابي من جديد لإنهاء الإشكالية المؤسساتية، وإجراء
انتخابات رئاسية وتشريعية تعددية، في إطار نظام سياسي جديد مبني على المبادئ الديمقراطية
التي وقع عليها الإجماع، تتضمن أساسا التعددية السياسية، وحرية الصحافة والحريات الأساسية
الفردية والجماعية وحقوق الإنسان، ومبدأ التداول على السلطة عن طريق الاقتراع العام .
ولقد تأكدت العودة فعلا من خلال أول انتخابات رئاسية تعددية
عرفتها الجزائر منذ الاستقلال، اعتبرت أنها أول انتخابات تعددية ضمت أربع مرشحين، فسحت
المجال لأول مرة لمرشح إسلامي هو السيد محفوظ نحناح، وانتهت بفوز الرئيس اليمين زروال.
بعد هذه الانتخابات وفي ظل استمرار الأزمة الأمنية، أعلن الرئيس
زروال عن تقليص عهدته الانتخابية في 11 ديسمبر 1998 وإجراء انتخابات رئاسية مسبقة،
اعتبرت خطوة أو إجراء لابد منه من أجل تزويد الجزائريين بفرص جديدة لتكريس مبادئ الديمقراطية،
بما فيها المشاركة السياسية والتداول السلمي على السلطة. وبالفعل بدأ التحضير لهذه
الانتخابات، التي دخل سباقها سبعة مرشحين أغلبهم- باستثناء السيد عبد الله جاب الله-
جاؤوا من جبهة التحرير الوطني18 .
ورغم انسحاب ستة مرشحين من هذه الانتخابات بحجة التزوير المسبق،
إلا أن ذلك لم يمنع من إجراءها في موعدها المحدد، وبمرشح واحد ونسبة مشاركة وصلت إلى60.25
% حصل فيها السيد عبد العزيز بوتفليقة على73.79% الأصوات المعبر عنها
.
بعدها أعلنت الحكومة الجزائرية في 25 فيفري 2002 تنظيم انتخابات
تشريعية بتاريخ 30ماي 2002، تعد ثالث انتخابات
تشريعية في عهد التعددية السياسية، عرفت مشاركة حزبية واسعة حوالي 20 حزبا سياسيا،
وكانت نتائجها كالتالي: فاز فيها حزب جبهة التحرير الوطني ب199 مقعدا من أصل 389 مقعدا،
والتجمع الوطني الديمقراطي ب 64 مقعدا، واحتل التيار الإسلامي مرتبة متقدمة حركة الإصلاح
ب 43 مقعدا وحركة حمس ب 38 مقعدا .19
وتعتبر انتخابات 08 أفريل 2004 ثالث انتخابات رئاسية تعددية
شهدتها الجزائر، سجل فيها السيد عبد العزيز بوتفليقة فوزا ساحقا لعهدة رئاسية ثانية،
ثم الانتخابات الرئاسية سنة 2009 و2014 وكان الفوز دائما للسيد عبد العزيز بوتفليقة.
وبالتالي ما يمكن أن يقال على تجربة التداول على السلطة في
الجزائر، هو أنه وحتى في ظل إقرار التعددية السياسية بنص قانوني تضمن حرية إنشاء أحزاب
سياسية كواحدة من شروط التداول السلمي، إلا أن هذه التعددية لم تؤد إلى تداول على السلطة
بل إشراك في السلطة بغية الاحتواء.
الفرع الثالث: الآلية المتعلقة بالنظام القانوني
أي منظومة الحقوق والحريات العامة التي أصبح توافرها مقياسا
لاحترام حقوق الإنسان وديمقراطية النظام السياسي، لأن ارتقاء النظام السياسي ليكون
نظاما ديمقراطيا مستقرا، يتطلب اعتبار حقوق الإنسان خاصة فيما يتعلق بالحريات العامة
وحقوق المواطنة والمساواة، أمورا مقدسة يعد الاعتداء عليها اعتداء على المجتمع كله .
ولذلك سيتم تبيان مدى سعي الجزائر قدما نحو تعزيز حقوق الإنسان
وحمايتها، وضمان حقوق مواطنيها وحرياتهم الأساسية، كواحدة من أهم ركائز بناء نظام ديمقراطي
أكثر استقرارا، أو أن العملية مازالت تحتاج إلى مزيد من العمل.
أولا: الحماية الدستورية للحقوق والحريات
سعت الجزائر منذ استقلالها جاهدة إلى تأسيس دولة قائمة على
المساهمة الشعبية، وحريصة على مراعاة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية. وحاولت تكريس
المبادئ العامة المتصلة بذلك من خلال مختلف الدساتير المتتالية التي عرفتها الجمهورية
الجزائرية المستقلة، باستحداث العديد من الهيئات الوطنية الخاصة بحقوق الإنسان، وسجلت
بخطى واضحة انضمامها إلى الصكوك القانونية الدولية المعنية بحقوق الإنسان .
كما خصص بموجب دستور 1989 فصلا كاملا للحقوق والحريات العامة
هو الفصل الرابع، الذي جاء في شكل اعترافات تنص على أن الحريات الأساسية وحقوق الإنسان
والمواطن مضمونة، وتشكل تراثا مشتركا بين جميع الجزائريين والجزائريات، واجبهم أن ينقلوه
من جيل إلى جيل آخر ليحافظوا على سلامته وعدم انتهاك حرمته .
وأكد على إعطاء ضمانات عديدة لممارسة الحريات الفردية والجماعية
المختلفة الأشكال وفي جميع الميادين لممارسة الشعب السلطة السياسية. كما نص في ديباجته
على أنه القانون الأساسي، الذي يضمن الحريات الفردية والجماعية ويحمي مبدأ حرية اختيار
الشعب، ويضفي الشرعية على ممارسة السلطات، ويكفل الحماية القانونية في مجتمع تسوده
الشرعية ويتحقق فيه تفتح الإنسان بكل أبعاده
.
كما جاء دستور 1996 مؤكدا في ديباجته بأن الشعب الجزائري قد
ناضل دوما في سبيل الحرية والديمقراطية، وأنه يظهر عزمه على إنشاء مؤسسات دستورية،
أساسها مشاركة كل جزائري وجزائرية في تسيير الشؤون العمومية، والقدرة على تحقيق العدالة
الاجتماعية والمساواة وضمان الحرية لكل فرد، وهو القانون الأساسي الذي يضمن الحقوق
والحريات الفردية والجماعية.
كما تضمن مجموعة هامة من الحقوق والحريات، من المادة 29 إلى
غاية المادة 59 ، التي تبرز من خلالها مكانة حقوق الإنسان. فالتعديل لم يحذف أي حق
كان موجودا من قبل، وإنما قام بإضافة حقوق جديدة، كما أنه وضع تعديلات على حقوق كانت
موجودة في السابق.
وتظهر هذه الحقوق الجديدة المقررة في نص المادة 37 منه:"
أن حرية التجارة والصناعة مضمونة، وتمارس في إطار القانون" فهذا الحق لم يكن موجودا في الدساتير السابقة، بسبب
التوجه الإيديولوجي والسياسي السائد في تلك الفترة.
كما أنه قام بتقوية بعض الحقوق الموجودة في الدستور السابق
مثل: مسؤولية الدولة على أمن الأشخاص والممتلكات، بعد أن كانت في المادة 23من دستور 1989 مسؤولة على أمن مواطنيها فقط.
وعموما يمكن القول أن دستور 1996 ، قد وضع حقوق الإنسان دستوريا
في موضع إيجابي، خاصة في وجود نصوص جديدة أضيفت زيادة على الأحكام المعدلة، هذا كله
يسير في اتجاه تكريس دولة الحق والقانون، التي تتطلب وجود نصوص دستورية تحميها وضمانات
توجب عدم انتهاكها.
ثانيا: الحقوق والحريات المكفولة في قوانين أخرى
بالإضافة للدستور، توجد ثلاث قوانين أساسية لترسيخ الديمقراطية،
وهي:
أ- قانون الأحزاب السياسية
تم إقرار حق إنشاء الأحزاب السياسية في المادة 42 من دستور
1996، ولضمان ممارسة هذا الحق تم إقرار إجراءات بسيطة غير مقيدة لحرية تكوين الأحزاب
بموجب القانون العضوي رقم 12-04 ، (20)إلا أنه توخى التقليل من إنشاء الأحزاب الطفيلية
التي تعمل ضد القانون والحد من تكاثرها وتنظيم الحياة السياسية بشيء من الحذر، حتى
لا تقع السلطة في نفس الخطأ الذي وقعت فيه سنة 1989، عندما سمحت بظهور العديد من التشكيلات
السياسية ذات التوجهات المختلفة، ما ساهم في حدوث إنزلاقات خطيرة في ممارسة النشاط
السياسي.
ب- قانون الجمعيات السياسية
بعد أحداث الخامس من أكتوبر 1988 ، وإقرار دستور1989 ، نصت
المادة 39 منه على أن حرية إنشاء الجمعيات والاجتماع مضمونة، ومع أن حرية إنشاء الجمعيات
قد وردت في مختلف الدساتير التي عرفتها الجزائر، إلا أن مدلولها يختلف من دستور لآخر.
فدستوري 1963 و1976 حصرا حرية إنشاء الجمعيات في الجمعيات غير السياسية، كونهما استبعدا
صراحة التعددية السياسية والحزبية. أما مع دستور 1989 المعدل سنة 1996 عرف مفهوم الجمعيات
تحولا كبيرا، بحيث لم يعد محصورا في المجالات الاجتماعية والثقافية والرياضية، بل امتد
إلى المجال السياسي الذي جسدته المادة 40 منه، وتم تنظيمها بشكل مفصل بموجب القانون
رقم 90-31 الملغى بالقانون رقم 12-06 المتعلق بالجمعيات( 21) .
ج- قانون الإعلام
تعد الجزائر من بين الدول العربية التي قدمت ضمانات لإطلاق
حرية الرأي دون قيود واضحة في ظل التحول الديمقراطي، ويبدو ذلك في نصوص كل من دستوري
1989 و 1996، فالمادة 35 من دستور 1989تحرم
المساس بحرية الرأي ، أما في دستور 1996 فقد نصت المادة 41 منه
على أن حرية التعبير مضمونة.
ولقد خطت الجزائر خطوات هامة في مجال حق التعبير والنشر وإصدار
الصحف، حيث يعتبر قانون الإعلام رقم 90-07 الملغى بموجب القانون العضوي رقم 12- 05
، واحد من الإنجازات الهامة التي وضعت حدا لمبدأ احتكار الدولة والحزب الحاكم لوسائل
الإعلام، وسمحت للجمعيات والأشخاص بإصدار المطبوعات العامة والمتخصصة .
حيث جاء هذا القانون محددا لقواعد ومبادئ ممارسة حق الإعلام،
وأقر التعددية الإعلامية، واستطاعت بذلك الجزائر أن تحقق تطورا نوعيا في هذا القطاع،
ترجمته العناوين الصحفية العديدة والمختلفة ما كرس حق المواطن في الإعلام.
المطلب الثالث: معوقات وآفاق الترسيخ الديمقراطي في الجزائر
أثبت الواقع المعيش أن هناك بطئ في عملية ترسيخ الديمقراطية
في الجزائر، ناتج عن وجود مجموعة من المعوقات، لذلك كان لابد من التفكير في إيجاد آفاق
مستقبلية تقضي على هذه المعوقات أو تخفف منها لإرساء نظام ديمقراطي فعلي، لذا سوف يتم
التطرق للعراقيل التي تواجه عملية الترسيخ الديمقراطي كفرع أول، وآفاقها كفرع ثان.
الفرع الأول: التحديات التي تواجه عملية الترسيخ الديمقراطي
في الجزائر
ممّا لا شك فيه أنّ نجاح أي إصلاح مرهون بتوافر مجموعة من
العوامل والأجواء السياسية والسياق العام المناسب، إلاّ أنّ المتتبّع للمشهد السياسي
الجزائري يلاحظ غياب الظروف الموضوعية لتجسيد الإصلاحات الديمقراطية، بسبب وجود عوائق
متعددة، اقتصادية، واجتماعية وثقافية. هذا ما أدّى إلى نوع من الركود والتعثّر في التجربة
الديمقراطية الجزائرية، فما هي هذه العوائق؟
أولا: المعوقات السياسية
والتي يندرج ضمنها الآتي:
- سيطرة
الحزب الواحد وضعف التعددية السياسية: إن الساحة السياسية الجزائرية تعرف إعادة هيكلة
مستمرة لخريطة الأحزاب السياسية، إلاّ أنّ التعددية في حدّ ذاتها لم تجد بعد طريقها
الصحيح، لأنّ “بعض الأطراف” في الدولة لم تتعوّد، من منطلق النزعة التسلّطية، على وجود
هيكل سياسي آخر يزاحمها، والبعض الآخر “خائف على تشتّت الوحدة الوطنية”، فيما يتّجه
فريق آخر إلى المطالبة بالإسراع في تجسيد التعددية
السياسية، ومبدأ التداول على السلطة.
ويعود هذا الإخفاق الحزبي إلى الأسباب التالية:
- هناك
عدد كبير ومبالغ فيه من الأحزاب السياسية، وهذا ليس في صالح المعارضة بقدر ما يخدم
الحزب الحاكم، فهذه “الفسيفساء” من الأحزاب، انعكست سلبا على حظوظ فوزها في الانتخابات،
وعلى تمثيلها وتصويتها داخل البرلمان.
- استمرار
السّلطة في توظيف “حزب جبهة التحرير الوطني”، كرمز من الرموز التاريخية والوطنية، ما
يعطي الانطباع أنّه “البديل الوحيد” ولا مجال للتعدّدية .
عموما تبقى التعددية الحزبية تعددية شكلية، ولا ترقى إلى درجة
تكريس مبدأ “التداول على السلطة”، وتحوّلت معظم هذه الأحزاب إلى “أحزاب مناسباتية”،
تدور في محيط السلطة، ولا تستجيب لتطلّعات المواطنين، هذا ما أسهم في تقليل دورها وإضعافها
أمام الرأي العام.
- غياب
مبدأ التنافس على الحكم وتداوله: أي لا تسمح السلطة السياسية بمبدأ صدور السلطة عن
الشعب وحقه الكامل في مراقبتها، وحتى عندما تسمح النخب بوجود مؤسسات برلمانية أو انتخابات
شكلية، القاعدة التي تقوم عليها الحياة السياسية مزورة، وهو الذي يفسر أن هذه الحياة
السياسية لا تزال بشكل عام محتجزة وأسيرة تماما في معظم الدول العربية، ولا يزال من
الصعب الحديث عن تنافس حقيقي ونزيه على الحكم أو تداوله في الجزائر.
- استغلال
السلطة السياسية لقوات الأمن: إن أهم العراقيل السياسية التي تحول دون تحقيق الديمقراطية
في الجزائر راجع لكونها دولة تحتكر أدوات القهر السياسي المتمثلة في قوات الأمن وتوظيفها
لقمع المعارضة السياسية للحفاظ على بقائهم في السلطة، إذ توصف الجزائر بأنها ضمن أعلى
دول العالم من حيث مستوى الإنفاق على الأمن.
- ضعف
المؤسسات التمثيلية: فعندما تصبح هذه المؤسسات كالبرلمان مثلا، ليست في مستوى الوظيفة
المنوطة بها، والمتمثلة في بلورة مصالح الأفراد والجماعات، ويتم في المقابل تمرير القرارات
بعيدة كل البعد عن اهتمامات المواطنين وقناعاتهم، سيؤدي ذلك إلى الاستخفاف بعملية المشاركة
السياسية، وعليه يصعب تحقيق ترسيخ ديمقراطي حقيقي.
ثانيا: المعوقات الاقتصادية
غياب قاعدة اقتصادية حقيقية مبنية على التنافس الحر، تسهم
في دعم التحول الديمقراطي والذي يلاحظ في عدة
أشكال من خلال:
- التبعية
الاقتصادية للدول أو للمؤسسات المالية والاقتصادية الدولية: ما يؤدي إلى النفوذ تشكيل
القرار السياسي داخل هذه الأقطار وفرض سياسات تنموية مناقضة لطموحات صانعي القرار في
الدولة.
- هيمنة
الشركات المتعددة الجنسيات على الإنتاج المحلي، وكذا ضغوطات المنظمات الاقتصادية التي
تفرض إصلاحات سياسية واقتصادية تخل بالعملية الديمقراطية في الدول المعنية، ولا تتماشى
والخصوصية المحلية.
- غياب
المساواة والتوزيع العادل للثروات وانخفاض مستويات الاستثمار والمشاريع الاقتصادية.
- اعتمادها
بشكل كبير على صادرات البترول والغاز كمصدر لها، وفي المقابل تصاعد اعتماد المواطن
على الدولة للحصول على الدخل والخدمات العامة، هذا ما يسبب خللا في العلاقة بين السلطة
السياسية والمواطنين ، ومن ثم اعتماد الاقتصاد الوطني على الصادرات النفطية يؤدي إلى
مركزية السلطة السياسية، فضلا عن انتشار الممارسات القمعية في مواجهة الإضرابات والمظاهرات
بما يؤدي لإضعاف وتهميش مؤسسات المجتمع المدني في مقابل تضخم الجهاز الإداري والتنفيذي
للدولة.
ثالثا: المعوقات القانونية
تمثل البنية القانونية في الجزائر عائقا كبيرا أمام الإصلاح
الديمقراطي، حيث تؤسس لاختلال التوازن بين السلطات واستقلالها، وتضع العراقيل أمام
ممارسة المواطنين الكاملة لحقوقهم الطبيعية، وتقيد حرية تكوين الأحزاب وتفعيل عناصر
المجتمع المدني، فمعظم دساتيرها تكرس لهيمنة السلطة التنفيذية على حساب السلطات الأخرى،
وفي المقابل تعاني السلطة التشريعية من التبعية للجهاز التنفيذي وعدم القدرة على ممارسة
وظيفتها التشريعية، كما تعاني السلطة القضائية من عدم القدرة على الاستقلال عن أجهزة
الدولة، والتعرض للضغوط التي تعرقل وظيفتها في حماية حقوق وحريات المواطنين.
رابعا: المعوقات الثقافية والاجتماعية
- نقص
وغياب الثقافة الديمقراطية على مستوى الشعب والهيئة الحاكمة على حد سواء ما يصعب مهمة
التحول نحو الديمقراطية.
- تفشي
الجهل والأمية، وأيضا البطالة التي أدت إلى انتشار الفقر وتدني مستويات المعيشة هذا
كله وقف حائلا أمام ترسيخ الديمقراطية.
- الافتقاد
إلى خبرة ديمقراطية سابقة، لأن مفهوم الديمقراطية السائد هو عبارة عن إفرازات لتطورات
تاريخية غربية، لم يتم فيها مراعاة الواقع التراثي المرتبط بالزمان والمكان عندما تم
نقل هذه الأفكار والمفاهيم، ما يؤدي إلى غياب لغة مشتركة بين الطبقات الاجتماعية وقواها
السياسية...
الفرع الثاني: آفاق الترسيخ الديمقراطي في الجزائر
تؤكد محدودية ما أفرزه المشروع الديمقراطي في الجزائر على
ضرورة توفير وتحسين شروط تجسيد الديمقراطية وتفعيلها، وهذا يتطلب القضاء على مختلف
العوائق التي كانت وراء تعثر المسار الديمقراطي في الجزائر، ذلك أن الديمقراطية كنظام
حكم رغم عسر تطبيقها في الواقع العربي عامة وفي الجزائر خاصة، لكن هذا لا يثبط من إرادة
شعوب وقادة المنطقة للعمل من أجل تحقيقها وممارستها فعليا. وأمام هذه الوضعية فقد انصرفت
جهود مجموعة كبيرة من الباحثين للبحث عن بدائل لتجسيد معالم الديمقراطية، وتم وضع جملة
من التصورات والإستراتيجيات يمكن أن تتبناها قوى المجتمع السياسي في مسارهم الإصلاحي
التنموي نذكر منها:
أولا: إعادة تفعيل دور القطاع العام
يجب أن يكون القطاع العام في مستوى تطلعات المواطنين بالاعتماد
على ما يلي:
- توفير
الشفافية في القوانين والإجراءات والتشريعات سواء التي تنظم التعامل مع أفراد المجتمع
أو التي تنظم العملية الانتخابية في الدولة والتي بموجبها يتم تقرير مصير الدولة، فضلا
عن توفير أدوات وأساليب الرقابة على مستوى أداء سلطات الدولة حيث يضطلع تطبيق القانون
بحماية حقوق المواطنين وسيادة دولة القانون
.
- اعتماد
مبدأ الفصل الفعلي بين السلطات وتوضيح الحدود بين مختلف مؤسساتها وأجهزتها حسب الأدوار
والوظائف، بمعنى التسليم بتجزئة السلطة على أساس توزيع الصلاحيات في الدولة، واحترام
كل سلطة لمجالها المحدد دستوريا.
ثانيا: نزاهة العملية
الانتخابية
إن تنظيم انتخابات حرة ونزيهة في الدولة الجزائرية يتطلب عدّة
اعتبارات يمكن إيجازها فيما يلي:
- صياغة
نظام انتخابي عادل وفعّال، حيث تستند نزاهة إدارة عملية الانتخابات بشكل رئيسي إلى
القانون الانتخابي الذي ينظم عملية الانتخابات في مختلف مراحلها، ويتيح لكل أطراف العملية
من ناخبين ومرشحين ومشرفين الوقوف على الكيفية التي تتم من خلالها إدارة الانتخابات
وإعلان نتائجها فالإطار القانوني هو أساس النظام الانتخابي.
- توفير
مصداقية الانتخابات وذلك بتعزيز مبادئ الحرية والتنافسية في الانتخابات، كما يجب أن
يكون الإطار القانوني محايدا ويحدد بعدالة حقوق وواجبات كل المشاركين في العملية الانتخابية، كما يجب أن يوفر هذا الإطار القانوني آليات الرقابة
والمتابعة.
- لابد
من إيجاد هيئة مستقلة لإدارة الانتخابات في الجزائر، حيث أن إدارة العملية الانتخابية
تتطلب وجود مؤسسات مستديمة عادلة ومستقلة وتشمل على وجه الخصوص الأجهزة التي يتوافر
لها شرعية القوانين وضمان نزاهة العملية، وأن تعمل كمؤسسات منفصلة كليا عن السلطة التنفيذية،
وبالتالي هنا لا تكون مسؤولة أمام أي وزارة أو إدارة حكومية .
- لابد
من إخضاع الأطراف الفاعلة في العملية الانتخابية إلى مبدأ المحاسبة، وهذا ما قد يضفي
شفافية وشرعية على العملية الانتخابية في الجزائر.
ثالثا: تعزيز دور البرلمان
لتأسيس برلمان فعال يسير أمور الدولة والمجتمع، يجب الأخذ
بعين الاعتبار النقاط التالية:
- تمكين
المواطنين من الحضور الفعلي لجلسات البرلمان، وليس الاكتفاء فقط بمتابعة الجلسات على
الشاشة أو الحصول على المعلومات عن طريق الإنترنيت من خلال الموقع الإلكتروني للبرلمان.
- التفكير
في آلية تسمح للمواطنين بالمشاركة المباشرة في عملية التشريع، كما هو معمول به في النمسا،
بحيث يمكن للمواطنين المشاركة في وضع القوانين بتقديم مبادراتهم واقتراحاتهم إلى المجلس .
- فتح
فضاءات حوار وتأسيس غرف نقاش تعمل على ردم الهوة الموجودة بين المؤسسات التشريعية والمواطن،
من خلال إلقاء محاضرات تعرّف بدور البرلمان كمؤسسة تمثل حقيقة الإرادة الشعبية .
- زيادة
استقلالية البرلمان والتقليل من هيمنة السلطة التنفيذية في مجال التشريع عن طريق المبادرة،
لأن العيب الواقع على مستوى البرلمان الجزائري يجعل منه أداة للتصويت فقط .
رابعا: الحد من احتكار السلطة على العمل السياسي
ضرورة وضع حد لعملية الاحتكار على العمل السياسي والإنفراد
بالساحة السياسية في الدولة، من خلال تمتع
قوى ومؤسسات المجتمع المدني بهامش من حرية الحركة وذلك بتوفير القنوات والوسائل الرسمية
التي تمكنها من التعبير عن نفسها بطريقة سلمية عبر المجالس التشريعية، وإطلاق المبادرات
والتوجهات المستقلة لهذه المؤسسات سواء تنظيمات المجتمع المدني أو الأحزاب السياسية
تمكنها من حق التعبير عن أهدافها وأرائها بما يجعل منها مؤسسات فاعلة في العملية الديمقراطية .
خامسا: تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية
تساهم التنمية الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية في ترسيخ
الديمقراطية، لأن الحكم الديمقراطي يحتاج إلى وضعية اقتصادية واجتماعية مواتية تساعد
في تعزيزه، تتمثل أهم عناصرها في وجود قدر يعتد به من الرخاء الاقتصادي وعدالة التوزيع
ومرونة البناء الطبقي، ويتحقق ذلك من خلال:
- وضع
خطة تنموية شاملة ومتكاملة تشمل أهم القطاعات لاسيما القطاعين الصناعي والزراعي، مع
ضرورة تماشيها ونظام التعليم والتكوين، كما تكون قائمة ومعتمدة على الإمكانيات والقدرات
الذاتية، والواقعية للحاجات الوطنية، ولكن دون إهمال التعاون المثمر مع القدرات الخارجية.
- ضرورة
التكفل بقضايا أفراد المجتمع وخاصة الشباب والمرأة ووضع سياسة حكيمة لكل ما تواجهه
هاتان الفئتان، سواء فيما يتعلق بقضايا التعليم والتكوين والتشغيل، والقضاء على كل
آليات الكبح والحرمان من الحقوق والتهميش والمحاصرة والاستغلال.
- مواجهة
كل تعقيدات المشاكل الاجتماعية مثل السكن والبطالة والفقر وتدني مستوى المعيشة والفساد
الأخلاقي والعنف وغير ذلك.
وعموما يمكن القول رغم أنه لا تزال توجد الكثير من النقائص،
إلى جانب تركة تاريخية سلبية تتمثل في طول الفترات التي غاب فيها العمل السياسي الديمقراطي،
وسوء الحصيلة التي شهدت مثل ذلك العمل. إلا أن ما يحدث اليوم من حرية الإعلام والتنظيم
الحزبي ولو أنها نسبية، والمناقشات العلنية حول الهوية والعروبة والأمازيغية، كلها
مؤشرات دالة عن بداية تشكل قيم العمل الديمقراطي، وترقية الثقافة الديمقراطية اللذين
من شأنهما المساهمة مستقبلا في تعزيز الديمقراطية.
الخاتمـــة
نستنتج مما سبق أن دراسة ترسيخ الديمقراطية في الجزائر تشير
إلى غياب نظام حكم ديمقراطي فعلي. بالرغم من أنها أصدرت دساتير نصت على أن نظام الحكم
فيها ديمقراطي، إلا أنها سحبت باليمنى ما قدمته باليسرى، فجعلت من الممارسة على أرض
الواقع ممارسة حكم مطلق في وقت نصت فيه الدساتير على أن الشعب مصدر السلطات.
لذلك يمكن القول أن النظام السياسي الجزائري ما زال نظام حكم
فرد أو قلة تمارس وصايتها على الشعب وتتصرف بموجب " شرعية" تلك السيادة التي
تتناقض مع جوهر نظام الحكم الديمقراطي المتمثل بمبدأ " لا سيادة لفرد أو قلة على
الشعب" وتخل بمبدأ المواطنة الكاملة المتساوية.
وترسيخ الديمقراطية فعلا ما زال تواجهه عدة تحديات أهمها ضعف
المجتمع وحالة الانقسام فيه والتفكير التقليدي للأسر الحاكمة المستحوذ والمستأثر بالسلطة
والثروة.
وإذا كانت هناك فرص مستقبلية فإنها تتوقف أوّلا على نبذ الشقاق
في المجتمع والتوافق على قواسم مشتركة تعزز المطالبة بإصلاح جذري يعيد للمواطنين دورهم
الرئيسي.
وثانيها أن عملية الانتقال إلى نظام حكم ديمقراطي وترسيخه
على النحو الذي يضمن استمراريته واستقراره هي في الأغلب الأعم عملية معقدة وتستغرق
فترة زمنية طويلة نسبيا، ولذلك فإن مجرد الانتقال من نظام حكم غير ديمقراطي لا تعنى
بالضرورة قيام نظام ديمقراطي راسخ ومستقر، حيث أن ذلك له شروط ومتطلبات عديدة لابد
من توفيرها وإنضاجها.
وثالثها أن الديمقراطية لا تُفرض من الخارج كما أنها لا تُصدر
ولا تُستورد، بل لابد وأن تنمو وتتطور في الداخل مرتبطة بالتطورات والخصوصيات الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية للدول والمجتمعات. ولكن الخارج يمكن أن يقوم بدور هام في دعم
ومساندة التطور الديمقراطي في دول لديها معطيات وإمكانيات تجعلها أكثر قابلية للانتقال
الديمقراطي.
ورابعها يجب إقناع المؤسسات بضرورة إتمام التحول الديمقراطي،
وحثها على الاستمرار فيه وتبنى آليات التفاوض والمشاركة السياسية التي ترسخ الثقة المتبادلة
بين تلك المؤسسات وباقي الأطراف الفاعلة، والتخلي تماما عن آليات الصراع السياسي التي
ترسخ لهدم الثقة والتنازع واحتدام الصراع و الصدام بين كافة القوى الفاعلة بما فيها
مؤسسات الدولة .
[1] -
متيكس هدى، دراسة النظم السياسية في العالم الثالث، اللجنة العلمية للعلوم
السياسية والإدارة العامة، القاهرة، 1999، ص137-139.
[2] - محمد سعد أبو عامود، الرأي العام والتحول الديمقراطي، دار الفكر
العربي، مصر، 2010، ص61.
[3] -
عبد الغفار رشاد القصبي، الرأي العام والتحول الديمقراطي في عصر المعلومات، مكتبة
الأدب، مصر، 2004، ص19. ص104.
[4] - جمال علي زهران، الأصول الديمقراطية والإصلاح السياسي، مكتبة
الشروق الدولية، القاهرة، 2005، ص22.
[5] -
أسامة الغزالي حرب، الأحزاب السياسية في العام الثالث، عالم المعرفة، الكويت،
1997، ص41.
[6] - عبد الغفار رشاد القصبي، المرجع السابق، ص227.
[7] -
حسنين توفيق، دراسة الأحزاب السياسية في العالم الثالث، القاهرة، 1999، ص191.
[8] - هشام الصمادي عبد الرؤوف العودات، أثر التنمية الاقتصادية في
الديمقراطية، مجلة جامعة الشارقة للعلوم الإنسانية والاجتماعية، المجلد 6، العدد3،
2009، ص122.
[9] - حسنين توفيق، المرجع السابق، ص189.
[10] - دستور 1963، ج.ر.ع.64 مؤرخة في 10 سبتمبر 1963.
[11] - Mohamed
Tahar Ben Saada, Le régime politique algérien, entreprise de livre, alger, p21.
[12] - دستور 1989، ج.ر.ع.9 مؤرخة في 1 مارس 1989.
[13] - قانون رقم 89-11 مؤرخ في 5 يوليو 1989 يتعلق بالجمعيات ذات
الطابع السياسي، ج.ر.ع.27 مؤرخة في 5 يوليو 1989.
[14] -
بشير كاشة الفرحي، الانتخابات التشريعية والرئاسية في ظل التعددية الحزبية، دار
الأفاق، الجزائر، 2003، ص28.
[15] -
الدستور لسنة 1996، ج.ر.ج.ج، ع.76 مؤرخة في 8 ديسمبر
1996 معدل بالقانون رقم 02-03 المؤرخ في 10 أبريل 2002، ج.ر.ج.ج، ع.25 مؤرخة في 14
أبريل 2002، والقانون رقم08-19 المؤرخ في 15 نوفمبر 2008، ج.ر.ج.ج، ع.63 مؤرخة في
16 نوفمبر 2008.
[16] -
عبد النور ناجي، النظام السياسي الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر،
2006، ص83.
[17] -
عمر صدوق، دراسة في مصادر حقوق الإنسان، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، 1995،
ص70.
[18] - حسين بودارة، الإصلاحات السياسية في الجزائر 1988-1992، مذكرة
ماجستير، قسم العلوم السياسية، جامعة الجزائر، 2002/2003، ص130.
[19] -
موقع: المجلس الشعبي الوطني www.apn.dz
[20] - قانون عضوي رقم 12-04 مؤرخ في 12 يناير 2012، يتعلق بالأحزاب
السياسية، ج.ر.ع.2 مؤرخة في 15 يناير 2012.
[21] -
قانون رقم 12-06 مؤرخ في 12 يناير 2012، يتعلق بالأحزاب
السياسية، ج.ر.ع.2 مؤرخة في 15 يناير 2012.
[22] -
قانون عضوي رقم 12-05 مؤرخ في 12 يناير 2012، يتعلق
بالأحزاب السياسية، ج.ر.ع.2 مؤرخة في 15 يناير 2012.
[23] - فتاح كمال، دور الأحزاب السياسية في التنمية السياسية المحلية،
مذكرة ماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، كلية الحقوق والعلوم
السياسية، جامعة وهران، 2011-2012، ص120.
[24] -
جمال علي زهران، تحديات الممارسة الديمقراطية القيود والآفاق، القاهرة، مركز المحروسة للبحوث والتدريب والنشر،
2000، ص16.
[25] -
عبد الحفيظ بلميلاط، الآليات القانونية لتحقيق الحكم الراشد في الجزائر والعالم
العربي، متحصل عليه من الموقع www.maktooblog.com
.
[26] -
الطاهر خويضر، البرلمان والمجتمع المدني في الجزائر، مجلة الفكر البرلماني، ع4،
2003، ص76.
[27] -
علي الدين هلال، المجتمع العربي والتعددية السياسية –في الواقع العربي وتحديات
القرن الجديد-، مؤسسة عبد الحميد تومان، الأردن، 1999، ص56.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق