خصوصيات

إمكانية تطبيق الوساطة الأسرية في التشريع المغربي

إمكانية تطبيق الوساطة الأسرية في التشريع المغربي


محمد الورضي
طالب باحث بسلك الماستر الوسائل البديلة لفض النزاعات
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فـاس


أصبح اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل النزاعات بصفة عامة أمرا ملحا فرضته ضرورة تخفيف العبء الذي أصبح يثقل كاهل القضاة والموظفين بسبب كثرة القضايا المعروضة على المحاكم، ومن بين هذه الوسائل البديلة نجد الوساطة ، فهذه الأخيرة تحظى باهتمام مجتمعي وتفاعلي أكاديمي وتشجيع تشريعي وممارسة قضائية واقعية وطنيا ودوليا
و يعرف الاهتمام بنظام الأسرة تطورا كبيرا على المستوى العالمي وكذلك على المستوى الوطني، ذلك أن الأسرة تشكل أولى لبنات التنمية في المجتمع. إذن سنحاول التطرق إلى إمكانية تطبيق الوساطة على المستوى القانوني (المطلب الأول) ثم على مستوى القضاء (المطلب الثاني).
المطلب الأول: المستوى القانوني   
تعتبر الوساطة كآلية بديلة لفض النزاعات ولما كانت هذه الآلية تنتهي بالحل الاتفاقي الذي لا يمكن أن يترتب عن الصلح فهي إذن ليست غريبة عن معتقداتنا الدينية وقوانيننا الوضعية لدى فهي قابلة للتطبيق ببلادنا ، لكن ذلك يتطلب اتخاد عدة تدابير يبقى على رأسها تقنين نظام الوساطة في نصوص قانونية واضحة ومفصلة خالية من الغموض وغير قابلة لعدة تأويلات ، ومن الأفضل الأخذ بنظام الوساطة القضائية بخصوص القضايا البسيطة ومنها المتعلقة بالأسرة. فالوسيط يعتبر عنصرا فاعلا في نظام الوساطة، يجب وضع شروط محددة ودقيقة  وذلك من خلال إيجاد تنظيم قانوني لهذه المهنة وتأهيل عناصر أكفاء لهذه المهمة الخطيرة والدقيقة تراعى خصوصيات الأسرة وما تتطلبه من معاملة خاصة من أجل استقرارها وقيامها وتفادي تفككها وانهيارها. " ويتضح أن المشرع أولى الصلح والتسوية الودية كطريق من الطرق البديلة لفض النزاعات أهمية جوهرية سواء على مستوى قوانين الإجراء أو قوانين الموضوع في مدونة الأسرة "[1].
وكما توجد مجموعة من المواد في هذا الإطار منها المواد 81و82 وتتعلق بانتداب الحكمين أو مجلس العائلة لإصلاح ذات البين، وهذه صورة جلية من صور الوساطة ثم مسطرة الشقاق المنصوص عليها في المواد من 94إلى97 و113و114و120و271 وعليه
ولضمان نجاح هذه المؤسسة – الوسيط- يجب تخصيص جانب واسع من المراقبة والتأديب للشخص الوسيط في حالة تقصيره في أداء مهامه ولكي يمكن إقناع طرفا النزاع باللجوء إلى الوساطة وجعلها مجانية قدر الإمكان  وبأثمنة رمزية لتحفيز الأطراف، وفي إطار إحياء الوساطة الأسرية ببلادنا نجد أن مدونة الأسرة تضمنت فقرة صغيرة لكنها ذات أهمية
في تحديد مفهوم الوساطة حيث يشير النص و هو مقتطف من ديباجة المدونة إلى تعزيز آليات التوفيق والوساطة بتدخل الأسرة والقاضي وهذه العبارة تفيد تلازما بين فعلي التوفيق والوساطة وفي نفس الوقت تحدد شخصية الوسيط الذي هو القاضي والأسرة.
ورغم كون العبارة الواردة في النص جد مركزة فإنها تعطي المؤشرات الأساسية للوساطة الأسرية وإن كانت لا تستعمل هذا المصلح في موادها فهل يمكن اعتبار هذه الإشارة تمهيدا ضمنيا لإعمال الوساطة الأسرية ببلادنا؟ إن المدونة الجديدة كنص تشريعي تعطي مؤشرات لتفعيل حركات الوساطة في مجال قضاء الأسرة باستعمالها لفض الوساطة وتفعيلها لآليات مسطرة الصلح ذات الصلة بها كما هي معتمدة في كثير من البلدان الأمريكية والأوروبية .
إن تقنين الوساطة لا يكفي فيه وضع النصوص وبقائها جامدة حيث يجب تفعيلها على المستوى العملي الذي يبرز فيه دور القاضي والمحامي فمن جهتهم يلقى على عاتقهم اقناع افراد الأسرة المتنازعة بحل نزاعهم بواسطة طرف ثالث هو الوسيط ومنحهم أجلا كافيا لذلك وإن فشلت محاولة التوفيق والوساطة يتدخل القاضي للحكم في النزاع. 
المطلب الثاني : المستوى القضائي
من أهم الرهانات الاهتمام بقطاع القضاء وإصلاح أوضاعه لارتباطه بموضوع النزاعات الأسرية حيث يعتبر الملجأ الوحيد لأصحابها مما يشكل ضغطا كبيرا يجعله أقل مردودية [2].
وكما تحظى الوساطة القضائية بأهمية كبيرة  في إنهاء النزاعات الزوجية باهتمام الأنظمة القانونية المعاصرة حيث تتمثل  طبقا للقانون المغربي في تلك المسائل التي تبدلها المحكمة المختصة للإيجاد تسوية ودية للنزاع المعروض عليها في دعاوي الشقاق تتم بحضور الزوجين بعد استدعائهما وفق ضوابط التبليغ شخصيا أو بواسطة دفاعهما في الجلسة الأولى التي تعقدها المحكمة حيث جاء في الفصل  180 من قانون المسطرة المدنية انه يجب على الأطراف أن يحضروا شخصيا في الجلسة الأولى أو بواسطة ممثلهم القانوني وتجري دائما إمكانية محاولة الصلح ، والنص على إمكانية حضور المحامي طرفي النزاع في الجلسة الاولى نابع من كون المحكمة تكتفي خلالها بالاستماع الأولى  والمطالبة بتمكينها من البيانات مما يعنى الحضور الشخصي للزوجين يبقى أمرا ضروريا في الجلسة لأن الحضور الشخصي تمكن المحكمة من الشروع في تفعيل إجراءات الصلح القضائي المنصوص عليه في مدونة الأسرة والتي تعتبر ضرورية لتسوية النزاع القائم بينهما حيث لا يمكن اللجوء إليها في غيبتهما ولو عن طريق الوكالة .
وبخصوص التطبيق القضائي لمبدأ الحضور الشخصي للزوجين في جلسة الصلح نورد حكما قضائيا صادرا عن قسم قضاء الأسرة التابع لابتدائية الحسيمة جاء فيه: أن التطليق للشقاق يقتضي حضور الطرفين شخصيا أمام المحكمة للوقوف على أسباب الشقاق ومحاولة تقريب وجهة النضر المختلفة  وحيث أنه أمام تعذر حضور المدعى عليها أمام المحكمة يتعذر معه معرفة الشقاق وأسبابه وكذلك سلوك المسطرة المنصوص عليها في المواد من 94إلى 97  من مدونة الأسرة وحيث أنه إبقاء على العلل المذكورة أعلاه يكون طلب المدعى غير دي أساس ينبغي التصريح بعدم قبوله . وبناء على حضور الزوجان ودفاعهما المنتدبان من طرفهما لجلسة الصلح تشرع المحكمة في تفعل إجراءاته حيث تجرى المناقشة بغرفة التابعة لها [3]. يتم خلالها الاستماع إليها حول موضوع النزاع وأسبابه مع تعميق البحث وطرح الأسئلة الهادفة عليها للإحاطة بكل جوانبه وبالتالي الوصول إلى الحقيقة التي تمكن في حالة فشل محاولة الصلح  وتحديد مسؤولية المتسبب في الشقاق  واستمراره والباعث عليه لما يترتب عن ذلك من آثار عند الحكم بالتطليق [4]، إن المحكمة وهي تقوم بالوساطة بين الزوجين لإجراء الصلح بينهما تطلع بدور إنساني واجتماعي جديد يضاف الى دورها القضائي التقليدي لذلك اذا تبين لها من خلال المناقشات التي تجريها أن المصلحة تقتضي تأخير القضية لجلسة لاحقة تلقائيا وبناء على طلب الزوجين أو أحدهما فلها أن تفعل ذلك مع إشعار الطرفين بتاريخها كذلك يمكنها استدعاء كل من ترى فائدة في الاستماع إليه إذا اقتضت إجراءات الصلح ذلك مع مراعات أجل ستة أشهر المحددة قانونا للبث في دعاوي الشقاق ، وإذا بدى لها سبب الامتناع عن الكشف عن أسباب الشقاق أمام هيئة الحكم الجماعية المكونة من ثلاثة قضاة ومثل النيابة العامة وكاتب الضبط يرجع إلى تعلقه بأسرار الحياة الزوجية فإنه يجوز لها  أن تعين أحد أعضائها ليتولى الاستماع إلى الزوجين والشهود بمكتبه حيث بعد قيامه بمهمته وإعداده لتقرير في الموضوع يعيد القضية إلى القضاء الجامعي بعد إشعار الطرفين بذلك ليواصل بعد ذلك إجراءات الصلح بين الزوجين على ضوئه [5].
 وأما في حالة وجود اطفال تقوم المحكمة بمحاولتين للصلح تفصل بينهما ثلاثين يوما حسب ما هو منصوص عليه في الفقرة الثانية من المادة 82 من مدونة الأسرة ، أن التجربة القضائية أثبتت مند دخول مدونة الأسرة حيز التطبيق إلى الأن عدم وجود توجه قضائي موحد بخصوص الكيفية التي يجب أن تجرى بها الوساطة القضائية بين الزوجين في دعاوي الشقاق .
عموما فهذا الرصد للتوجه القضائي العام المعمول به في مجال تسوية النزاعات الأسرية الزوجية عن طريق الوساطة القضائية ليس الهدف منه التأكيد على أن المحكمة ملزمة قانونا بالتركيز أساسا على وساطتها القضائية لإجراء الصلح بين الزوجين ولكن بالمقابل التنبيه إلى عدم جعلها مرحلة شكلية يبتعد فيه القضاة عن دورها الإيجابي التدخلى المنوط بها طبقا لمدونة الأسرة في مجال تفعيل مسطرة الشقاق والذي يؤطره مبدئيا هاجس الحفاظ على كيان الأسرة من التفكك والانهيار خلال القيام بكل الإجراءات القانونية الضرورية لإصلاح ذات البين بين الزوجين  بما فيها تلك المتعلقة بالوساطة الغير القضائية . وهذه الأخيرة تتم تحت إشراف المحكمة حيث تتمثل في تلك الإجراءات التي تلجأ إليها المحكمة في حالة عدم استطاعتها الإصلاح بين الزوجين بغية الإبقاء على الامل في إمكانية التسوية النزاع القائم بينهما وديا وتتجدد تلك الإجراءات طبقا للمادة 82من مدونة الأسرة في انتداب المحكمة حكمين من اهله ومن أهلها ، فانتداب الحكمين الهدف منه معرفة اسباب النزاع القائم بين الزوجين ومحاولة الإصلاح بينهما على أحسن وجه ، وفي حالة عدم توفر قريبين للزوجين يمكن للمحكمة أن تعين شخصين اجنبيين وإن كان المشرع لم ينص على شرط القرابة في إجراء التحكيم في دعاوي الشقاق . ويتمتع الحكمين في مجال التحكيم بين الزوجين في دعاوي الشقاق بصلاحيات مهمة لأجل محاولة التوفيق والاصلاح بين الزوجين فقد ورد في المادة 95من مدونة الأسرة أنه يقوم الحكمان أو من في حكمهما باستقصاء أسباب الخلاف بين الزوجين وبدل جهدهما لإنهاء النزاع .
إن مجلس العائلة يعكس هاجس تدعيم أواصر القرابة التي تجمع بين افراد العائلة لما  يتيحه لهم من إمكانية التعاون على خيرها وصلاحها ،باعتباره إطارا عائليا غايته إيجاد الحلول للخلافات التي تنشأ داخل مؤسسة الأسرة لحماية أفرادها من الانعكاسات السلبية التي تترتب عن انحلالها ، أما مهامه تبقى استشارية وتتمثل في قيامه بالتحكيم لإصلاح ذات البين بين الزوجين المتخاصمين، وإبداء رأي كل ما له علاقة بشؤون الأسرة وعلى غرار بعض الأنظمة القانونية المعاصرة تعزيز آليات الوساطة غير قضائية لإحداث أجهزة مستقلة تتكلف بالتحكيم بين الزوجين ومعالجة كافة المشاكل التي تواجهها الأسرة مع الحرص على أن تكون قادرة على تأدية مهمتها بكل وعي ومسؤولية ومتمكنة من الوسائل التي تؤهلها للقيام بذلك ، حيث يمكن للمحكمة أن تحيل عليها النزاعات الزوجية المعروضة أمامها للنضر فيها ومحاولة إنهائها كما ان تلك الأجهزة تسمح للزوجين باللجوء إليها لتسوية النزاعات القائمة بينهما دون الالتجاء إلى القضاء الذي يقتصر على مدى احترامها للضوابط القانونية المنظمة لعملها وكذا الإشراف على تنفيد الحكم الصادر عنها من خلال تديله بالصيغة التنفيذية ، وهذا من شانه ان يساهم في نشر ثقافة العدالة التصالحية للنزاعات الزوجية لدى الأسرة المغربية .
خاتمة
نستخلص مما سبق أن الوساطة كوسيلة بديلة لفض النزاعات في الميدان الأسري للحد من نسبة الطلاق والتطليق تفيد الطلبات الرامية إلى ذلك برقابة القضاء وإشرافه تفاديا لكل تعسف أو مغالطات ، فالوساطة كآلية بديلة لتسوية النزاعات فرهان تطبيقها مقبول وناجح هو أن يكون هناك اتفاق بين الأطراف للجوء إلى هذه الوسائل ورهين بنوعية الفاعلين في الحقل القانوني والقضائي ، وبذلك نرى أن ركوب قاطرة الحلول البديلة وخصوصا الوساطة أصبح مطلبا ملحا لتلاف تراكم القضايا بمحاكمنا إذا توفرت النوايا الحسنة وتكاثفت الجهود بمختلف الواجهات خصوصا وأن فكرة الوساطة ليست غريبة على بلادنا كل ذلك من شأنها أن يساهم في انجاح هاته التجربة التي ستقدم عليها بلادنا مستقبلا على غرار ما صارت عليه العديد من الدول.




لائحة المراجع:
-        الحسن العلمي "مسطرة الشقاق في ضل مدونة الأسرة " مجلة المعيار، العدد 32.
-        بنسالم أديجا  "الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لفض النزاعات " الطبعة الأولى  2009.
-        لقباقبي حنان "الطرق البديلة لتسوية المنازعات الأسرية " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص ، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس. سنة 2005-2006م.



[1] - بنسالم أديجا "الوساطة كوسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات " ط. الأولى سنة2009،ص250.
[2] -  لقباقبي حنان "الطرق البديلة لتسوية المنازعات الأسرية " رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون الخاص كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس سنة 2005-2006 ص 128
[3] - غرفة المشورة تعتبر من ضمن الغرف المشكلة للمحاكم العادية في إطار التنظيم القضائي للمملكة أحدثت نتيجة التقسيم الإداري الداخلي لتلك المحاكم أو أسندت لها مهام ذات طبيعة خاصة تطلبت إحداثها تتعلق ببعض القضايا التي تتطلب السرية والسرعة ورغم أهميتها فإن المشرع المغربي لم يفرض لها نصا قانونيا خاصا بها وإنما اكتفى بالتعرض للدور المنوط بها في عدة قوانين كالمسطرتين المدنية والجنائية وقانون المحاماة ومدونة التجارة ة ومدونة الأسرة وللمزيد من التفاصيل حول غرفة المشورة انظر " محمد بالهاشمي التسولي " الطبيعة القانونية لغرفة المشورة " الطبعة الأولى سنة 1422ه-2002م المطبعة والوراقة الوطنية مركش الحمراء.
[4] - الحسن العلمي "مسطرة الشقاق في ضل مدونة الأسرة "مجلة المعيار، عدد32، ص167.
[5] - الحسن العلمي، مرجع سابق. ص 167.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق