الوساطة الاتفاقية في ضوء القانون 08.05 : الحصيلة
و الانتظارات
سميرة خـزرون
طالبة باحثة بماستر الوسائل البديلة لفض النزاعات
كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس
من الملاحظ أن الوسائل البديلة لفض المنازعات أصبحت ذات أهمية بالغة في
الوقت الراهن خاصة في ظل الاكراهات التي يعاني منها جهاز القضاء من كثرة القضايا
المعروضة على المحاكم وتراكمها بالاضافة الى البطء في اصدار الاحكام وبالتالي تأخر
الوصول إلى الحق بسبب طول الاجراءات.
كل هذه العوامل زكت الرغبة في الرجوع في نظرنا للآليات القديمة الحديثة
لفض النزاع والتي تعد الوساطة احداها خاصة في ظل النجاح الذي حققته التجارب
المقارنة في هذا الشأن ، اذ قطع اعتماد الوساطة كآلية للانهاء الودي للنزاع أشواطا
في دول كبريطانيا وأمريكا.
وفي ظل اعتماد المشرع المغربي للوساطة الاتفاقية في القانون 08.05، فنتساءل عن حصيلة هذا التكريس
؟ والانتظارات؟
أولا : واقع الوساطة الاتفاقية في التجربة المغربية: الحصيلة
نظم المشرع المغربي الوساطة والتحكيم بمقتضى القانون 08.05 المتمم لقانون
المسطرة المدنية ، حيث خصص الفصول من 55-327 الى 69-327 من الفرع الثالث من نفس
القانون للوساطة الاتفاقية.
وقد شكلت الخطب الملكية لاصلاح القضاء
لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله و الرسائل الملكية السامية في
العديد من المناسبات الوطنية تحفيزا
للمشرع المغربي لتنظيم الوسائل البديلة لفض المنازعات ومن ضمنها الوساطة ،
الى جانب دخول وزارة العدل في شراكات عدة مع بعض المؤسسات الدولية من أجل ادراج
الاليات البديلة لفض المنازعات في النظام القانوني والقضائي المغربي والتفعيل
المؤسساتي لهذه البدائل خاصة الوساطة مع توفير فرص التكوين فيها للقضاة والمحامين
وعدة فعاليات حقوقية وجمعوية ، كما تم تنفيذ
برامج للتعاون بهذا الخصوص مع عدة مؤسسات كالمعهد الأمريكي isdls ومنظمة البحث عن أرضية مشتركة
sfcg بدعم من الحكومة البريطانية ،
ثم برنامج للتعاون مع الوكالة الامريكية للتنمية الدولية usaid
ثم المؤسسة المالية الدولية sfi التابعة للبنك الدولي.
وجدير بالذكر أن المشرع المغربي اقتصر في تنظيمه للوساطة على الوساطة
الاتفاقية في اطار القانون 08.05 دون اشارة للوساطة القضائية بخلاف التشريعات
المقارنة التي نظمت الوساطة القضائية، ما
يخولنا الحديث عن امكانية التأسيس لتجربة مغربية فريدة في مجال الوسائل البديلة
لفض النزاعات والوساطة الاتفاقية خاصة.
والملاحظ أن الوساطة الاتفاقية كآلية للتسوية الودية للنزاع لم تحقق لحد
الآن المستوى المنشود نظرا لعدة أسباب سنحاول ملامستها في النقط الاتية:
1ــ غموض النص
القانوني المنظم للوساطة الاتفاقية
من المعلوم أن مرونة إجراءات الوساطة الاتفاقية لمن أهم
الخصائص المميزة لها، بالتالي كيف تستوي هذه المرونة وغموض النصوص القانونية
المنظمة لهذا الجانب ما يعد أبرز عائق أمام التفعيل الواقعي لهذه الآلية؟
فبالرجوع مثلا للفقرة الأولى والثانية من الفصل 64-327
من قانون المسطرة المدنية نجدها تنص على أنه:
يجب على المحكمة المحال عليها نزاع في مسألة أبرم
الأطراف في شأنها اتفاق وساطة وفقا لمقتضيات هذا الصراع أن تصرح بعدم القبول إلى
حين استنفاد مسطرة الوساطة أو بطلان اتفاق الوساطة.
إذا كان الوسيط لم يعرض عليه النزاع بعد، وجب على
المحكمة أيضا أن تصرح بعدم القبول ما لم يكن اتفاق الوساطة باطلا بطلانا
واضحا..."
وبمقارنتها مع الفقرة الأخيرة من نفس الفصل نجد صياغتها
جاءت كالتالي:
"لا يجوز للمحكمة في كلتا الحالتين أن تصرح تلقائيا
بعدم القبول..."
يتضح لنا أن التصريح بعدم القبول طبقا للفقرتين الأولى
والثانية ورد بصيغة الوجوب وللمحكمة إثارته دون قيد أو شرط، في حين أنه وطبقا للفقرة
الأخيرة من نفس الفصل لا يمكن للمحكمة أن تصرح بعدم القبول من تلقاء نفسها وإنما
لابد من إثارة ذلك من قبل طرفي أو أحد أطراف النزاع وهذا ما يشكل تناقضا.
فالظاهر اذن أن على المحكمة ان تصرح تلقائيا بعدم القبول
، واستثناء بالقبول في حالة بطلان شرط أو عقد الوساطة طبقا لمقتضيات القانون
08.05.
كما تثور تساؤلات في ذات الاطار نرى طرحها من الأهمية
بمكان كما الاجراءات المطلوب اتباعها لتذييل
اتفاق الصلح الناتج عن الوساطة بالصيغة التنفيذية؟ ثم ما مصير هذا الاتفاق حال رفض
المحكمة تذييله بالصيغة التنفيذية؟
بخلاف بعض التشريعات المقارنة ــ والتي كانت اكثر
ايضاحا بهذا الشأن ــ كالتشريع السويسري الذي نص في الفصل 71 من
القانون 8931 المعدل لقانون المسطرة المدنية على أنه:
1-إذا كان الاتفاق كليا أو جزئيا، يتعارض مع السياسة
العامة أو القانون الالزامي، فالقاضي يعطي الأمر بتعديله إلى الأطراف مشيرا إلى
النقط التي تستدعي التعديل، وذلك خلال مدة لا تتجاوز ثلاثين يوما، كما يبلغ الوسيط
بأمر رفض المصادقة.
2-إذا لم يلتزم الطرفان بما أمر به القاضي أو إذا ما كان
الاتفاق الجديد لا يلبي متطلبات الفقرة 1 فإنه يكون سببا في إصدار القاضي حكما
وفقا للمادة 116 (الفقرة 3).
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فيلاحظ على اجراءات الوساطة وفقا للقانون 05-08 أنها تطبق على جميع أنواع النزاعات وكأنها من
طبيعة واحدة، والحال أن هناك بعض النزاعات لها خصوصية متميزة كان من الأفضل أن
تفرد لها نصوص قانونية خاصة بها كالنزاعات الأسرية بحيث كان من المفترض إحاطتها
بصرامة أكبر وتقديم ضمانات أوسع لنجاح استمرارية الأسرة كركيزة أساسية داخل
المجتمع.
2ــ عدم فعالية الإطار المؤسساتي للوساطة الاتفاقية
إلى جانب الإكراهات التي يفرضها عدم اكتمال أحكام الوساطة
الاتفاقية وفقا للقانون 08.05، فهناك معيقات أخرى تقف حجر عثرة أمام نجاح تفعيل
هذه الآلية واقعيا تتمثل في
قلة مراكز الوساطة بالمغرب بحيث تعد من أهم مظاهر هذا
القصور بخلاف بعض التجارب المقارنة الرائدة في هذا المجال حيث تلعب فيها مراكز
الوساطة دورا مهما في إشعاع هذه الآلية على أرض الواقع.
كما يساهم ضعف الموارد المادية والبشرية لهذه المراكز في
تردي واقع الآليات البديلة بالبلاد ومنها الوساطة، إضافة إلى أن انعدام ثقافة
الوساطة يعد في نظرنا من أبرز معيقات نجاح
هذه الآلية .
بالتالي يبقى لنا أن نتساءل عن رهان تفعيل هذه الآلية في
الواقع المغربي؟
ثانيا : تفعيل الوساطة الاتفاقية في الواقع المغربي:
الانتظارات
في محاولة للإدلاء ببعض المقترحات بخصوص تفعيل الوساطة الاتفاقية
في الواقع المغربي، نقسم الحديث وفق شقين، يتمثل الأول في ضرورة إغناء مقتضيات
قانون الوساطة الاتفاقية ، ثم إشراك هيئات المجتمع المدني في القيام بعملية
الوساطة:
1ـ إتمام مقتضيات قانون الوساطة
الاتفاقية
يقتضي النهوض بآلية الوساطة الاتفاقية ضرورة إتمام
التأطير القانوني لهذه الآلية البديلة لفض النزاع عبر تفصيل مقتضياتها القانونية
وتوضيحها لتخلو من الغموض والقابلية للتأويل.
إلى جانب ضرورة العمل على تأهيل الشخص الوسيط علميا
وعمليا.
2 ــ إشراك هيئات المجتمع المدني
في تفعيل الوساطة
بغية بلوغ عدالة سمتها العدل والإنصاف وعدم التكلفة وكذا
السرعة في البث والفعالية في الحلول لجل المواطنين على حد سواء، ينبغي إيلاء
الاهتمام لكل الفاعلين في المجتمع المدني والمؤثرين في الحقل الاقتصادي
والاجتماعي، اعتبارا لدورهم في تفعيل مقتضيات قانون الوساطة الاتفاقية على أرض
الواقع، وكذا العمل على إشاعة ثقافة التصالح والحوار بين الأفراد والجماعات.
وبناء على ما سبق ، يتضح أن ادماج الوساطة الاتفاقية في
النظام القانوني المغربي خيار منطقي، وهكذا يكون المشرع المغربي قد أضاف لبنة
أساسية في بناء العدالة التصالحية ، لكون هذا القانون جاء بمقتضيات جريئة لا يسعنا
إلا أن نثمنها.
إلا أن مجموعة من التساؤلات تبقى مطروحة وتتعلق بمن هم
الأشخاص المخول لهم القيام بمهمة الوساطة ؟ وماهي الشروط الواجب توافرها في
هؤلاء؟وما هي أتعابهم؟
بحيث أنه وفي ظل غياب مثل هده المقتضيات قد يتم احتكار
مهمة القيام بالوساطة من أشخاص محددين ، ما سيؤدي إلى ارتفاع تكلفتها. وهو ما بات
يحتم ضرورة تعزيز المقتضيات القانونية الخاصة بالوساطة الاتفاقية ومنها تحديد الشروط
الأساسية لتعيين الشخص الوسيط وتحديد أتعابه والعمل على نشر ثقافة الوساطة عبر
مختلف وسائل الاعلام و عقد ندوات علمية ولقاءات حول موضوع الوساطة، مع ضرورة النهوض بدور المحامي كوسيط نظرا
لدرايته العلمية وتمكنه من التواصل و حل النزاعات الموكولة له.
كما أن الرهان الأساسي في اعتقادنا للنهوض بهذه الآلية
ـــ الى جانب ضرورة سد الفراغ التشريعي
على مستوى الاجراءات الخاصة بالوساطة كما أسلفنا يتطلب التركيز في نفس الوقت على اعادة احياء
ثقافة الحل الودي للنزاع بمفهومها الراسخ في التراث المغربي والتي تتماشى والتشريع
الاسلامي ، كنموذج ناجح بدليل استمرارية الحفاظ ولحد الساعة على الحل الودي
للنزاع في عدة مناطق من المغرب خاصة في بعض المنازعات الخاصة كقضايا الارث
والمنازعات البسيطة ، بالتالي ضرورة العمل على ملاءمة التشريع مع الواقع والخصوصية
المغربية انطلاقا من الموروث المغربي الغني
في اعمال الحل الودي للمنازعات بين
الأفراد.
المراجع المعتمدة
·
الرسالة الملكية الموجهة للمؤتمر 49 للاتحاد الدولي للمحامين المنعقد
أيام 1-3 غشت 2005 .
·
Nour-Eddine Toujgani , modes
alternatifs de règlement des conflits et l’accès au droit et à la
justice , travaux du colloque organisé par le département de droit privé
de la Faculté des sciences juridiques , économiques et sociales de Fès,en
collaboration avec le Ministère de la Justice et de l’Ordre des Avocats de Fès
Les 4 et 5 Avril 2003 , publication de l’Association de diffusion des
Données Juridiques et Judiciaires , collection conférences et journées
d’études –n°2 -2004, première édition
·
زهور الحرالصلح والوساطة الأسرية في القانون
المغربي والقانون المقارن، مداخلة قدمت في الندوة الجهوية الحادية عشر بمناسبة
الذكرى الخمسينية لتأسيس المجلس الأعلى- محكمة النقص حاليا- تحت عنوان:"
الصلح والتحكيم والوسائل البديلة لحل النزاعات من خلال اجتهادات المجلس
الأعلى" المنظمة بقصر المؤتمرات بالعيون 01-02 نونبر 2007، مطبعة الأمنية
الرباط سنة 2007
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق