نحو
إرساء معالم الديمقراطية التشاركية
في دستور 2011
شهدت بلادنا في ظل
دستور 2011 طفرة نوعية نحو إرساء وترسيخ قواعد الديمقراطية التشاركية
بوصفها إحدى مقومات النظام الدستوري المغربي إلى جانب مرتكز فصل السلط وتوازنها
وتعاونها ومرتكز الحكامة الجيدة وكذا ربط المسؤولية بالمحاسبة، ولئن كان خيار
الديمقراطية المواطنة والتشاركية قد تجسد على مستوى النص الدستوري في فصول بوأت
أحكامها عموم المواطنات والمواطنين وسائر جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الغير
الحكومية مكانة الشريك في
صناعة القرار العمومي، فإنه في واقع الأمر قد اسهم تحت القيادة الرشيدة لجلالة
الملك محمد السادس في تعزيز تمييز النموذج الديمقراطي المغربي في محيط إقليمي
مضطرب، لهذا فالمجتمع والدولة المغربية يعتمدان الاختيار الديمقراطي كمرجع مبدئي
وآلية إستراتيجية لتصريف الشؤون العامة، وأرضية فلسفية في التدبير اليومي الحديث
لحياة الافراد والجماعات وعيا بالحقوق وتحمل الواجبات الاساسية[1].
ويعتبر الحديث عن
الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافية أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي[2]،
لأن الاختيار الحر والرشيد يجعل من العملية الديمقراطية تعاقد اجتماعي ديمقراطي،
توافقي إرادي، فعلي وواقعي، وفي سياق تأكيد مشروعية التمثيل الديمقراطي عن طريق
الانتخابات الدي أكد عليه الدستور المغربي الجديد، جعل المشرع المغربي من اختصاص
القانون تحديد القواعد التي تضمن الاستفادة على نحو منصف من وسائل الإعلام
العمومية والممارسة الكاملة للحريات والحقوق الأساسية المرتبطة بالحملات
الانتخابية،لكن الاشكال الدي يضل دائما مطروحا هو تعثر القوانيين واستغراقها مدة
ليست بالقصيرة مما يحول دون تفعيل المقتضيات الدستورية بالشكل المطلوب ، كما تعتبر
جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الغير الحكومية في العصر الحاضر من المكونات
الأساسية لكل مجتمع ديمقراطي حداتي، لذلك متعها الدستور الجديد بحق ممارسة أنشطتها
بحرية في إطار احترام الدستور والقانون ومخولا اياها جملة من الضمانات القضائية
التي تجعل أمر حلها أو توقيفها من قبل السلطات العمومية لا تتم إلا بمقتضى مقرر
قضائي، كما تساهم هذه الجمعيات في إطار الديمقراطية التشاركية في إعداد قرارات
ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية وكذا في تفعيلها وتقييمها[3] .
ولقد أثبتت مجموعة من
التجارب السياسية اليوم أن للفاعليين الجمعويين دور هام في تنشيط الحياة السياسية
والتنموية وأضحىى تواجدهم إلى جانب الفاعليين السياسيين أمر لامناص منه[4]،
لذلك لم يغفل الدستور المغربي الجديد هذه المعادلة من خلال إقرار الفصل 13 منه
هيئات للتشاور تهدف بالأساس إلى إشراك الفاعليين الاجتماعيين بمختلف أصنافهم في
بلورة السياسات العمومية وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها، ليكون المجتمع المدني أداة
تشاورية وفاعلة في التنمية الاجتماعية بتحقيق الالتقائية بين طموحات الفاعل
السياسي والفاعل الاجتماعي، لكن الإشكال الذي يطرح هو الكيفية التي سيتم بها تشكيل
هذه الهيأة التشاورية وتبقى لغة النص القانوني هي الإيحاء الوحيد بذلك.
ويعتبر احدات هيئات للتشاور مظهرا من مظاهر
الديمقراطية التشاركية وأحد الركائر الأساسية للتأهيل المؤسساتي والدستوري للمجتمع
المغربي، لأنها تنشد وضع حد للسمة الانغلاقية التي ضلت تطبع عمل تصريف الشان العام
والدعوة لمقومات التدبير التشاركي
للفعل العمومي القائم
على ميكانيزمات الانفتاح والتشاور والتواصل والاسهام الفعلي لمجموعة من القوى
الحية تتصدرها الساكنة كشريك اساسي لا محيد عنه[5].
ومن أجل إعطاء دفعة
قوية للمجتمع المدني وتشجيع المبادرات الشعبية عمل المشرع المغربي من خلال دستور 2011 على دسترة وتفعيل آلية العرائض وكذا الملتمسات في مجال التشريع، ودللك في الفصلين
14 و15
حيث اتجه المشرع لجعل العرائض تقوم بدور اساسي مهم عبر إتاحة
الفرص للمواطنين والمواطنات الحق في تقديم اقتراحات في مجال التشريع، حيث أن
التنصيص الدستوري على تقديم العرائض في مجال التشريع يشكل وسيلة دستورية يستطيع
بواسطتها صاحب الحق اللجوء إلى السلطات التشريعية من أجل الدفاع عن حقوقه بعد أن
حرمه القانون عن اقتضاء حقوقه بنفسه، بالإضافة الى ذلك أن هذا المقتضى يسير في اتجاه
تقوية المشاركة السياسية وتقوية دور دولة المؤسسات التشريعية خاصة في القيام
بدورها بشكل غير مباشر،انها رغبة المشرع الدستوري في زيادة اهتمام المواطنين
بالشؤون الحكومية والتقليص من عزلة الناخبين وتقوية دولة القانون والمؤسسات، كما
يعطي فرصة للمواطنين الصادقين المنقطعين عن ممارسة الشأن العام فرصة للمساهمة في
تنزيل البنود الدستورية وبناء صرح الدولة الحداثية والمجتمع الحداثي المندمج في
صيرورات بناء الأوضاع الدولية والمجتمعية برمتها، كما تشكل العرائض التي يتم
تقديمها إلى السلطات العمومية حقا من حقوق المواطنة، باعتبارها وسيلة من وسائل
المراقبة والتتبع للشأن العام الوطني والمحلي، كما من شأن هذا الإجراء الدستوري
اعطاء دفعة كبيرة لهيأة المجتمع المدني في إطار الديمقراطية التشاركية وإعداد
القرارات والمشاريع التنموية لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، ولابد من
الإشارة أن العمل بنظام العرائض بدأ مع النظام البريطاني مع إعلان الميثاق الاعضم
سنة 1215 ، أما في فرنسا فكانت معروفة قبل الثورة الفرنسية إلى أن تم تكريسه كحق
مضمون عقب الثورة خصوصا العرائض المتعلقة بتشكيل البلديات .
لكن إن كان توكيل هذا
الحق للمواطنين والمواطنات على السواء مع بعض الاستتناءات المعروفة، فإنه يتطلب
الوعي التام بأهميته انطلاقا من تجاوز بعض المشاكل المتعلقة بعمل جمعيات المجتمع
المدني حتى نستطيع مسايرة المقتضيات الدستورية بمأسسة الجمعيات وإعادة تحصينها
وإعادة النظر في ظهير الحريات العامة.[6]
لقد يبدو أن المشرع
المغربي متألقا حتى عندما مكن الدستور المغربي المغاربة المقيمين بالخارج من
الثمتيلية والمشاركة الفعلية في المؤسسات الاستشارية وهيأة الحكامة الجيدة وذلك من
أجل النهوض بوضعيتهم ،حيث تشكل مشاركتهم داخل هذه المؤسسات ضمانة قانونية تخولهم
ابداء رأيهم واقتراحاتهم واستشاراتهم في تدبير وصناعة السياسات العمومية المتعلقة
بالهجرة والمهاجرين من أجل تطوير الإجراءات المتعلقة بإدماج وإشراك المغاربة
بالخارج وخصوصا الكفاءات في صناعة الفعل العمومي المغربي وبلورة إستراتيجية
مستقبلية تخدم الإشراك الفعلي لهذه الفئة في الحياة العامة.
وإذا كانت مؤسسات
الشباب اليوم هي قاطرة التنمية ببلادنا والمحرك الأساسي لعجلة الديمقراطية، فان
المشرع المغربي عمل على تمكين الشباب من فضاء مؤسسي للتعبير ونقاش القضايا
الشبابية ، حيت نص الدستور على احداث المجلس الاستشاري للشباب وذلك لتحقيق مجموعة
من الأهداف منها توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية
والسياسية للبلاد ،بالإضافة الى مساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة
والجمعوية وتقديم المساعدة لأولئك الذين
تعترضهم صعوبات عديدة [7].
وباعتبار الجماعات
الترابية اليوم رصيد لا محيد عنه في التنمية عامة تجسد لمستوى عالي للامركزية ،
ينص الدستور المغربي 2011 على أنه تضع مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى
أليات تشاركية للحوار والتشاور لتسيير
مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في اعداد برامج التنمية وتتبعها كما يمكن
للمواطنين والمواطنات تقديم العرائض الهدف منها مطالبة المجلس بادراج نقطة تدخل في
اختصاصه ضمن جدول اعماله[8].
من هنا ألزم النص
الدستوري مجالس الجهات والجماعات الترابية الاخرى بوضع هده الاليات، وهومبتغى يجعل
من الحكامة التشاركية في التدبير التنموي للجماعات الترابية احد ركائز التاهيل
المؤسساتي للشأن الجهوي والترابي بالمغرب، وتمكن المقاربة التشاركية المبنية على
تسيير مساهمة المواطنين والجمعيات في اعداد برامج التنمية الجهوية والمحلية وتتبعها من الترجمة الاجرائية لديمقراطية الحوار
والتشاور عبر ثلاث مستويات أساسية :
المستوى الأول : يمكن
من العمل على الرفع من معدل المشاركة السياسية، اذ لا حكامة تشاركية دون تراكمات
سياسية وتدبيرية عبر الديمقراطية التمثيلية أولا،والقصد هو عمل الفرقاء
السياسين،دولة،جماعات ترابية،احزاب سياسية ومنظمات المجتمع المدني،على الحد من
الاتار السلبية لضاهرة العزوف السياسي من خلال استرداد عامل الثقة في العمل
السياسي وطنيا وجماعيا واقليميا وجهويا.
المستوى الثاني : تتحدد الحكامة التشاركية من
خلال تحديد حجم الأولويات في المفكرة السياسية للفرقاء المحليين وفق نظام
الأسبقيات والأولويات .
المستوى الثالث : يعد
المستوى الأكثر اجرائية بالنسبة للحكامة التشاركية [9]لأن
عبره يتم الانفتاح بقصد الاشراك الفعلي للساكنة كقوة تنظيمية اقتراحية مبادرة
ومسهمة في الانماء المحلي .
في الأخير وجب الاشارة
الى أن الدستور يعتبر صك للحقوق والحريات جاء بالعديد من النصوص الأخرى ليجسد الديمقراطية
بالمعنى الحقيقي كالحكامة الجيدة والحكم الرشيد
بالاضافة الى مؤسسات وهيئات استشارية أخرى (هيئات المناصفة ومقاربة النوع ،
الشباب والعمل الجمعوي) .ولا بد من الوعي التام بالدور الفعال للمجتمع المدني في
الحياة العامة لدللك وجب الاسراع في تفعيل القوانين التنظيمية المتعلقة بالعمل
الجمعوي واليات الديمقراطية والحكامة الجيدة ،فالتكريس الدستوري حاضر فنأمل بنخبة
سياسية ناضجة لها وعي وتربية بمكانة المجتمع المدني في الحياة العامة .
[1] -مخرجات الحوار
الوطني حول المجتمع المدني والأدوار الدستورية الجديدة ، التقرير التركيبي بشأن الحوار
الوطني حول الديمقراطية التشاركية المنظم من طرف الوزارة المكلفة بالعلاقات مع
البرلمان ، بمدينة فاس ، أبريل 2014 .
[2]- هذا مايستفاذ من نص
الفصل الحادي عشر من الدستور، الذي ينص على أن : "الانتخابات الحرة والنزيهة والشفافية هي
اساس مشروعية التمتيل الدمقراطي وينص في
الفقرة التانية على ان الساطات العمومية ملزمة بالحياد التام ازاء المترشحين وبعدم
التكييز بينهم" .
[3] - هذا ما جاء في
نص الفصل 12 من الدستورالذي ينص على أنه: "تؤسس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الغير الحكومية
وتمارس انشطتها بحرية في نطاق احترام الدستور والقانون" .
[4] - ان جمعيات المجتمع
المدني والمنضمات الغير الحكومية تضطلع بدور حيوي في تعبئة الطاقات لخدمة الصالح
العام والمساهمة الفعالة في تحقيق التنمية والتقدم المجتمعي حيت تشمل في تنظيماتها
وفي ادائها لمهامها على مزايا كتيرة وفوائد متعددة ، ندكر منها : توسيع قاعدة
المهتميين بالمصلحة العامة وتقوية الشعور بالانتماء الوطني وتلبية الحاجيات
المتعددة للافرادمن خلال انخراطهم في الانشطة الجمعوية وكدا تكوين النخب وافراز
القيادات الجديدة .
[5] كريم الحرش ، الدستور المغربي الجديد للمملكة
المغربية : شرح وتحليل ، سلسلة العمل
التشريعي والاجتهاد القضائي ، طبعة 1433-2012 .
[6] - من اجل تعزيز
البنود التي جاء بها الدستور عمل المشرع المغربي على ارساء معالم الديمقراطية
كدللك في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية (الجماعات والجهات والعمالات
والاقاليم ) ، بالاضافة الى مشاريع قوانين متعلقة بالعرائض وتقديم ملتمسات في مجال
التشريع .
[7] - ينص الفصل 33 من
الدستور على : " السلطات العمومية اتخاد التدابير الملائمة لتوسيع وتعميم
مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتقافية اضافة الى دللك مساعدة
الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة
ويحدت مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي
لتحقيق هده الاهداف .
[8] - مقتطف من الفصل 139
من الدستور .
[9] - تعد الحكامة
التشاركية شكل من اشكال التجديد العمومي للجماعات الترابية في الاطار الدي تصبو
اليه الجهوية المتقدمة كورش لاعادة ترتيب العلاقة بين الدولة والمجتمع ،وفي السياق
الدي ينخرط فيه مغرب اليوم في منحى تعقيدي قائم على البعد العلائقي والترابطي
والتفاعلي ما بين الدولة والجماعات الترابية كقطب متجانس في انفتاح وتكامل جيد مع
مجموع القوى الحية والجهوية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق