مقاربة جديدة للصلح الجنائي في ظل مسودة مشروع قانون
المسطرة الجنائية
حمزة التريد |
حمزة التريد :
طالب باحث بماستر
الوسائل البديلة لفض النزاعات
بكلية الحقوق
بفاس
اذا كان المشرع المغربي قد خطى خطوة
هامة لايمكن انكار أثرها في تبسيط و تيسير الإجراءات الجنائية ، وتخفيف العبىء عن القضاء
من خلال احداثه لألية الصلح كمقتضى تشريعي جديد أتت به المسطرة الجنائية الا أنه مع
ذلك لازال مفهوم العدالة التصالحية يشوبه الغموض و الابهام وذلك بسبب العديد من الإشكالات
التي تطرحها صياغة المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية وما لها من انعكاسات سواء على
مستوى نطاق تطبيق الصلح الجنائي أو طبيعته وأثاره.
وفي ظل تراكم العديد من الصعوبات التي تواجه
هذه الألية والتي أبانت عنها الممارسة العملية منذ إقرارها سنة 2003 ، عمد المشرع المغربي
الى وضع مقاربة جديدة للصلح الجنائي كرد فعل عن العديد من التحديات التي واجهتها والتي
تطلبت ردا تشريعيا من أجل تلافيها .
هذا بالفعل ما تبناه المشرع المغربي
من خلال مسودة مشروع قانون المسطرة الجنائية ، بحيث حاول تجاوز العديد من الثغرات وكدا
مكامن النقص أو الفراغ التي كانت تشوب مقتضيات المادة 41 من قانون المسطرة الجنائية
الحالي ، وذلك بتبنيه لمقاربة جديدة لمفهوم العدالة التصالحية تمظهرت في العديد من
التعديلات التالية :
·
من بين أولى تمظهرات هذه المقاربة الجديدة هو ايراد الجرائم
التي يجوز فيها الصلح على سبيل الحصر، وذلك خلافا لما هو الأمرعليه في ظل المادة
41 في صياغتها الحالية من ق.م.ج والتي استبعدت هذا التعداد للجرائم ووضعت معيارا عاما
يتعلق بالعقوبة ، اذ أن مسطرة الصلح تشمل جميع الجرائم المعاقب عليها بسنتين حبسا أو
أقل وبغرامة مالية لايتجاوز حدها الأقصى 5000 درهم .
وبهذا التعديل يكون المشرع المغربي قد حسم في الإشكالية
التي كان يثيرها نطاق تطبيق هذا الصلح ، والتي كانت تتجلى بالأساس في توسيع دائرة الصلح
لتشمل بعض الجرائم الماسة بالنظام العام كما هو الحال بالنسبة لجنحة السكر العلني البين
وكذا جنحة استهلاك المخدرات ،وبالتالي فهذا النوع من الجنوح يشكل خطورة على المجتمع
من حيث الأمن وكذا الصحة العامة ويقتضي التشديد في زجره وليس فتح باب المصالحة بشأنها
.
·
الرفع من سقف الغرامة المالية المقررة للجنح الضبطية التي
يجوز بشأنها الصلح الى مائة ألف درهم ، وكدا التوسيع من وعاء الجرائم القابلة للصلح
مع إعطاء الأطراف الحق في اللجوء الى الصلح في بعض الجنح التأديبية التي أبانت الممارسة
العملية عن محدودية خطورتها ونظر لارتباطها بحقوق الضحايا.
·
بعدما كانت الموافقة المبدئية لوكيل الملك على أطوار الصلح
من ضمن الشروط اللازمة من أجل اعمال مسطرة الصلح الجنائي ، ففي ظل المقاربة الجديدة
أصبحت هذه الموافقة متنازل عنها وتم الاقتصار على تراضي الطرفان على الصلح فقط دون
اشتراط موافقة النيابة العامة.
·
الاحتفاظ للنيابة العامة بالحق في المبادرة للتصالح عن طريق
اقتراح الصلح على الأطراف أو دعوتهم اليه في حالة اذا ما تبين لها الجدوى من ذلك ،
كما يمكن لوكيل الملك أو أطراف الخصومة تكليف وسيط من أجل القيام بهذا الصلح يكون باقتراح
من أحدهما.
يستفاذ من خلال هذه المقاربة أن توجه المشرع المغربي
نحو الانفتاح على رهانات جديدة منها الوساطة الجنائية ، وذلك من خلال ما تضمنته المادة
41 من المشروع التي نصت على إمكانية اجراء الصلح بالوساطة الجنائية ، يعد بحق بادرة
مهمة من طرف التشريع الجنائي المغربي نحو الأخد بنظام الوساطة الجنائية والذي جاء استجابة
للعديد من المرجعيات الأساسية في مقدمتها الخطاب الملكي السامي لصاحب الجلالة الملك
محمد السادس بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك و الشعب 20 غشت 2009 والمتعلق بإصلاح القضاء
والذي أكد من خلاله صاحب الجلالة على تطوير الطرق القضائية البديلة ، وكان من بين هذه
الطرق الوساطة والصلح ، ويليه التوصيات التي خلص اليها الميثاق الوطني حول اصلاح منظومة
العدالة لسنة 2013 والتي أبانت هي الأخرى عن تشجيع اللجوء الى الوسائل البديلة لحل
المنازعات من خلال إقرارها لبدائل للدعوى العمومية.
·
أبانت المقاربة الجديدة لألية الصلح من خلال المشروع عن معطى
جديد يتعلق بإمكانية إقرار الصلح أمام قاضي التحقيق ، بحيث أصبح بإمكان هذا الأخير
عند وقوع الصلح أثناء سريان التحقيق الاعدادي
في جريمة من الجرائم المنصوص عليها في المادة 41 أن يقوم بإحالة الملف الى النيابة
العامة لتقديم ملتمسها في الموضوع ، وأن يعمل أيضا بعد تحققه من اجراء الصلح وموافقة
النيابة العامة الأمر بإيقاف سير إجراءات التحقيق وذلك في مقابل أداء المعني بالأمر
لغرامة صلحية لاتتجاوز قيمتها نصف الحد الأقصى للغرامة المقررة للجريمة موضوع التحقيق.
·
لم يكن تخلي المشرع المغربي في ظل المقاربة الجديدة للصلح
مقتصرا فقط على الموافقة المبدئية لوكيل الملك على أطوار الصلح وانما امتد ليشمل أيضا
الموافقة النهائية لرئيس المحكمة على محضر الصلح بمقتضى أمر قضائي ، وبهذا يكون مشروع
قانون المسطرة الجنائية قد قلص الى حد كبير من حجم الإجراءات التي كانت متبعة في ظل
مسطرة الصلح الجنائي الحالية ومكن بالمقابل جهاز النيابة العامة من أهلية تحريك مسطرة
الصلح بتزامن مع صلاحية المصادقة عليها لتتحوز بحجيتها وقوتها الثبوتية، ولذا يمكن
القول على أن اسناد اختصاص المصادقة على الصلح للمحكمة كان من باب الزيادة غير المحمودة.
·
لم تكن المقاربة الجديدة التي أتى بها المشروع مقتصرة فقط
على ألية الصلح الجنائي كبديل عن الدعوى العمومية وانما تعدته لتشمل أيضا الشق المتعلق
بتنفيذ العقوبات، والذي سيشكل بدوره ضمانة أساسية في تعزيز مصداقية وشفافية مسطرة الصلح
وتوسيع هامش العدالة التصالحية لتبتعد عن وصفها بعدالة الأغنياء فقط ، وتبدو معالم هذه الضمانة جلية في إقرار المشروع لألية تحفيزية
تتمثل في تخفيض قيمة الغرامة المحكوم بها الى ثلثها لكن بشرط أن يتم أدائها داخل الأجل
المحدد لها، وذلك في اطار التشجيع على أداء الغرامات المحكوم بها.
المراجع المعتمدة :
- مسودة مشروع
قانون يقضي بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية.
- - يوسف بنباصر:
" أزمة مسطرة الصلح في القانون والقضاء المغربي ، رصد ميداني لحصيلة التطبيق ،
وقراءة في أسباب الأزمة والحلول المقترحة لمعالجتها "، مجلة الواحة القانونية
، العدد 2 الطبعة 2006.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق