نبذة عن مهنة المفوض القضائي : التعريف، الطبيعة القانونية، التطور
التشريعي
المفهوم الواسع للقضاء و العدالة يشمل عدة
أجهزة تتدخل في العملية القضائية إلى جانب القاضي الذي يبت في النزاعات، لذلك أوجد
المشرع مجموعة من المهن القانونية والقضائية التي تساعد القضاء في اداء مهامه و هي
مهنة المحاماة، خطة العدالة، مهنة النساخة، الخبراء، الموثقون، التراجمة، و مهنة المفوضون
القضائيون.
و مهنة المفوضون القضائيون تعد مهنة حرة تضطلع
بمهام جسيمة تساهم في الحقل القضائي، أوكلها المشرع بموجب التفويض القيام بمهام تعد
من صميم وظائف الدولة، لذلك كان لزاما الوقوف عند المفهوم اللغوي لاصطلاح "التفويض"
قبل تحديد مفهومه القانوني.
التفويض في الاصطلاح اللغوي مصدر لفعل فوض،
يقال فوض إليه الأمر بمعنى جعل له التصرف فيه، فوض إليه الأمر أي رده إليه.
و في الاصطلاح القانوني يتصل مفهوم التفويض
بالحقل الإداري حيث ينسحب معناه إلى عملية إسناد السلطة و المسؤولية من شخص إلى آخر
سواء كان معا طبيعيين أو اعتباريين أو كان أحدهما فقط. مما يجعل التفويض نشاطا إداريا
محفزا على العمل ومشروط بإسناد المهام إلى ذوي الكفاءات و القدرات على التحدي و الجرأة
في تنفيذ مقتضيات التفويض .
و مؤسسة المفوض القضائي خلقت من رحم جهاز
كتابة الضبط بحيث كانت هذه الأخيرة تقوم بالمهام المسندة للمفوض القضائي من تبليغ و
تنفيذ و التي لازلت تشاطره في ذلك. بحيث أن القضاء المغربي كان يعاني من مشكل البطء
في تصفية القضايا أمام المحاكم و التي ترجع بالأساس إلى مشكل التبليغ مما حدا بالعديد
من الفعاليات القانونية و القضائية بالمناداة إلى ضرورة إعادة النظر في الجهة المكلفة
بالتبليغ القضائي أطلق عليها اسم "الأعوان القضائيون".
و لقد عرفت مؤسسة المفوض القضائي تطور تشريعيا
بحيث تم تنظيمها لأول مرة بالمغرب تحت اسم "هيئة الأعوان القضائيون" بموجب
ظهير شريف الصادر بتاريخ 25 دجنبر 1980 بتنفيذ القانون رقم 80.41. إلا انه رغم صدور
هذا القانون لم يتم تفعيله نظرا لغياب القوانين و المراسيم التنظيمية له، و انتظر المشرع
ست سنوات ليصدر مرسوم بتطبيق أحكام القانون المتعلق بإحداث هيئة للأعوان القضائيون.
و نظرا لكون المهنة حرة، و أن المفوض القضائي
يتقاضى أتعابه مباشرة من المستفيدين من خدماته، استمر تجميد قانون 80.41 حتى سنة
1988 حيث تم إصدار قرار تحديد أسعار الأجور المستحقة على الإجراءات التي يقوم بها الأعوان
القضائيون في الميادين المدنية و التجارية و الإدارية. و نظرا لضآلة الأجور تم إلغاء
هذا القرار بإصدار قرار جديد سنة 1989 رفع بموجبه هذه الأسعار إلى حد معقول. كما تم
إصدار قرار بتحديد التعويض السنوي الإجمالي المستحق عن الإجراءات في الميدان الجنائي.
و تجدر الإشارة إلى انه بدأ تفعيل هذا النظام
كتجربة أولية نموذجية بالمحكمة الابتدائية بالرباط سنة 1990، ثم تم تعميمه على مختلف
محاكم المملكة تدريجيا، إذ هم في البداية التبليغ ليشمل بعد ذلك مهمة التنفيذ. و تداركا
للهفوات و ملء النواقص و الثغرات سن المشرع ظهير شريف بمثابة قانون يغير و يتمم بموجبه
القانون رقم 80.41 المتعلق بإحداث هيئة للأعوان القضائيون و تنظيمها.و رغبة من المشرع
في تطوير هذه المهنة والارتقاء بهذه المؤسسة و احتواء إشكالاتها التي أفرزها التطبيق
العملي للمهنة عمل المشرع سنة 2006 على إصدار ظهير شريف رقم 1.06.23 بتنفيذ القانون
رقم 03.81 بتنظيم مهنة المفوضون القضائيون و الذي نسخ القانون القديم و غير بموجبه
تسمية الأعوان القضائيون بالمفوضون القضائيون. كما تم اصدار قرار يرفع بموجبه تعريفات
عقود المفوضين القضائيين على الإجراءات التي يقومون بها في الميادين المدنية و التجارية
ينسخ قرار الأجور القديم. و على اثر المطالب الملحة للهيئة الوطنية للمفوضين القضائيين
بتحسين وضعية المفوضين القضائيين، عملت وزارة العدل على نسخ القرار المعمول به واصدار
قرار جديد مشترك مع وزارة الاقتصاد و المالية.
- الطبيعة القانونية لمهنة المفوض القضائي
هو كونها مهنة حرة طبقا للفصل الأول من القانون المنظم للمهنة على غرار النظام الفرنسي
الذي اقتبس منه المغرب هذه التجربة (نظام الأعوان القضائيون الفرنسي "huissier de Justice") و الذي يعد من أعرق
الأنظمة في هذا المجال بحيث يعود تنظيمه الى القرن 19 بموجب قانون 30 مارس 1808،
14 يوليوز 1813 و قانون 6 يوليوز 1840.
كما انه هناك من الدول العربية التي اعتمدت
النظام الحر للمهنة و من بينها تونس التي بدورها اقتبسته من النظام الفرنسي، و ذلك
بمقتضى أمر بتاريخ 28 فبراير 1952 الذي إحداث أعوان عدليين عهد إليهم بتبليغ الاستدعاءات
و بتنفيذ المقررات القضائية، وغداة توحيد القضاء بتونس تم إحداث عدول منفذين مكان الأعوان
العدليين بمقتضى المر المؤرخ في 14 يونيو1957، و استمر العمل به إلى أن صدر قانون عدد
29 بتاريخ 13 مارس 1995 أعاد تنظيم الهيئة تماشيا مع ما اقتضته الظروف الاقتصادية و
الاجتماعية الجديدة. كما ان دولة الجزائر هي الأخرى تنهج النظام الحر للمهنة تحت اسم
"المحضرين القضائيين" بموجب قانون رقم 03-06 مؤرخ في 20 فبراير 2006 و الذي
يعتبر المحضر القضائي ضابط عمومي مفوض من قبل السلطة العامة. و على العكس من ذلك فإن
هناك بعض الدول التي اختارت احتواء نظام المبلغين و المنفذين في إطار قانوني تابع للوظيفة
العمومية كالنظام الألماني و السويدي و النظام العربي المصري.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق