إرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية بين إنصاف النص وتباين التطبيق
ذ. يونس الصالحي
باحث
بسلك الدكتوراة كلية العلوم القانونية و الإقتصادية والاجتماعية أكدال الرباط
من
بين أهم المستجدات التي جاءت بها مدونة الأسرة، نجد المادة 53 من م.أ التي تنص على
أنه " إذا قام أحد الزوجين بإخراج الآخر من بيت الزوجية دون مبرر تدخلت
النيابة العامة من أجل إرجاع المطرود إلى بيت الزوجية حالا، مع اتخاذ الإجراءات
الكفيلة بأمنه وحمايته ".
فقد
جاءت هذه المادة في سياق الضمانات التي منحها المشرع لحماية حق كل من الزوجين في
الاستفادة من بيت الزوجية، ومحاربة مظاهر العنف الذي يمارسه أحد الزوجين في حق
الآخر، حيث يدفع به خارج بيت الزوجية.
بالرغم
من الحمولة التي تزخر بها م 53 من م أ ، أثيرت مجموعة من التساؤلات القانونية حول
الطبيعة العملية لتجسيد مقتضياتها على أرض الواقع، فتساءل الفقه[1] عن
الغاية من إسناد مهمة إرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية للنيابة العامة، وليس
لقضاء الحكم، وأثار إمكانية تصادم اختصاص القضاءين : قضاء النيابة العامة وقضاء
الحكم، كما أثار صعوبة بحث النيابة العامة في سبب الطرد هل هو مبرر أو غير مبرر
وهي مقيدة بشرط الفورية.
إن
إسناد هذه الصلاحية للنيابة العامة، ينسجم مع دورها المسطري الجديد الذي أصبحت
تحتله هذه الأخيرة في قضايا الأسرة لكن التساؤل يطرح عن جدول بحث النيابة العامة
في سبب الطرد مع العلم أن المشرع لم يعط أمثلة عنه، وترك للنيابة العامة سلطة
الملاءمة حسب كل حالة وخصوصيتها.
وفي
هذا السياق هل يمكن اعتبار طرد الزوجة لزوجها من البيت الذي تعده هي لبيت الزوجية[2] طردا
مبررا ما دام أن الزوج هو المكلف أصلا بإعداد بيت الزوجية.
أما
فيما يخص إشكالية التصادم بين اختصاص قضاة النيابة العامة وقضاة الحكم، عن بحثها في
سبب الطرد، فإن الواقع العملي، بدد هذا التخوف، لأن النيابة العامة حين تطبق
مقتضيات م.أ تتحول إلى آلية من آليات المصالحة ولأن الأمر مستعجل ويتطلب تدخلا
فوريا، فالنيابة العامة وحدها تضمن المداومة، خاصة أن المشرع حثها على التدخل حالا
لإرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية لأن هذا الأخير قد لا يكون له مقر آخر
يقصده، مع العلم أن حالات الطرد تتم في الغالب ليلا، وأن المطرود هي الزوجة
وأطفالها[3].
يجب
الإعتراف بأن ما تتعرض له نصوص المدونة من خلل في التطبيق العملي ليس سببه النصوص
القانونية وعدم كفايتها، من أجل توفير حماية لأطراف العلاقة الزوجية، وإنما مرده
كذلك إلى الذهنيات والعقليات المتحجرة لبعض الأزواج، مما يؤثر لا محالة على تطبيق
القانون، ولتبيان أن الخلل لا يوجد دائما في النصوص القانونية سيتم التركيز في هذا
المطلب على أهم مستجد جاءت به مدونة الأسرة وهو إرجاع الزوج المطرود إلى بيت
الزوجية.
يعتبر
بيت الزوجية الفضاء الطبيعي الذي يمارس فيه الزوجان الحقوق والواجبات المتبادلة
والمنصوص عليها في م 51 من م.أ، إلا أنه في بعض الأحيان يصبح هذا البيت مكانا
للخلافات والشقاق، مما يدفع بأحد طرفيه إلى طرد الآخر من البيت، دون مراعاة ظروف
الأطفال وتأثرهم، إلا أن المدونة حاولت الحد من هذه الظاهرة وذلك بتنصيصها في
المادة 53 على إرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية، لكن السؤال الذي يطرح هو هل نجحت النيابة العامة في تفعيل مقتضيات
هذه المادة ؟
وقبل
الحكم على هذا الدور المنوط بالنيابة العامة يلزم تتبع ما آل إليه النص في الواقع
والاستشهاد على نجاعته أو فشله بالإحصائيات والمؤشرات الدالة على ذلك، من خلال
الإعتماد على الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل والحريات حول نشاط أقسام قضاء
الأسرة.
السنوات
|
عدد طلبات الإرجاع
|
عدد طلبات الإرجاع التي
تم تنفيذها
|
عدد الأزواج
|
عدد الزوجات
|
نسبة التنفيذ
|
نسبة الأزواج
|
نسبة الزوجات
|
2008
|
4612
|
2467
|
299
|
2168
|
53.49%
|
12.12%
|
87.88%
|
2009
|
4056
|
2280
|
241
|
2039
|
56.21%
|
10.57%
|
89.43%
|
2010
|
4318
|
2337
|
450
|
1887
|
52.12%
|
14.26%
|
80.74%
|
2011
|
4331
|
2375
|
302
|
2073
|
54.84%
|
12.72%
|
87.28%
|
من
خلال الإحصائيات أعلاه يتضح أنه :
· منذ
دخول مدونة الأسرة حيز التنفيذ يلاحظ أن طلبات إرجاع الزوج المطرود إلى بيت
الزوجية، في إرتفاع مستمر، إذ انه في سنة 2004 كانت هناك 2011 حالة إرجاع وصولا
إلى 4331 طلب إرجاع في سنة 2011.
· أن
الفئة التي تتعرض للطرد من بيت الزوجية هي في الغالب من النساء، وذلك راجع بالأساس
إلى مجموعة من العوامل التي أدت إلى الوصول إلى هذه النتيجة، منها وجود نوع من
الصراع بين الأزواج وإحساس المرأة بدونيتها، سواء في تسيير شؤون البيت أو أثناء
اتخاذ القرارات، ناهيك عن انهماك الأزواج في الجزئيات على حساب القضايا الأساسية
للأسرة، بالإضافة إلى التفسير الخاطئ لبعض بنود المدونة.
· أن
نسبة التنفيذ لم تتجاوز 56.2% سنة 2009، مما يبين أن مجموعة من الأزواج يرفضون
إعادة الزوج المطرود إلى بيت الزوجية، رغم نص المادة 53 من م.أ على إرجاع الزوج
المطرود إلى بيت الزوجية وهذا ما جعل بعض الفقه[4] يعيب
على المشرع أنه رغم تنصيصه في المادة 53 على ضمانة مهمة، إلا أن هذه الضمانة لم
تكن لها مؤيدات زجرية وبالتالي سمحت للأزواج بالتلاعب بهذا النص.
إلا
أنه لا يمكن الأخذ بهذا الاتجاه، لأن المشرع المغربي، أعطى للنيابة العامة مهمة
التنفيذ الفوري للتدابير المنصوص عليها في المادة 121 من م.أ، بالإضافة إلى
التدابير المنصوص عليها في قانون المسطرة الجنائية كإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه
طبقا للمادة 40، 49 من ق.م.ج، إلا أن هناك بعض العوائق تحول دون تنفيذ مقتضيات هذه
المادة، حيث هناك احتمال الاعتداء على الزوج الذي أرجع إلى بيت الزوجية، مما سيشكل
خطرا على أمنه وسلامته، وعوض حل المشكل بطريقة ودية سيكون أمام مشكل وجريمة أخرى.
يتضح
من خلال الجدول أيضا، أن هناك فئة قليلة من الأزواج الذكور يتم طردهم من بيت
الزوجية، وأن نسبة إرجاعهم بالمقارنة مع الزوجات ضئيلة، بحيث لا تتعدى نسبة
التنفيذ 19.26% مقارنة مع الزوجات والتي تصل إلى 89.43%، ذلك راجع بالأساس إلى أن
عدد الأزواج قليل بالمقارنة مع الزوجات المطرودات، إلى جانب خوف الرجال من الذهاب
إلى النيابة العامة، من أجل المطالبة بالرجوع إلى بيت الزوجية مخافة انكسار هيبتهم
الذكورية.
من
خلال كل ما تقدم، يمكن القول أن هناك تقدم في نسبة إرجاع الزوج المطرود إلى بيت
الزوجية، إذ وصلت نسبة التنفيذ 56% مقارنة
مع سنة 2008، إذ لم تتعد نسبة التنفيذ 53% مما يطرح تساؤلات عن مصير الحالات
الأخرى التي لم يتم إرجاعها إلى بيت الزوجية، مع العلم أن النسبة الأكبر من
النساء، وبالتالي تركهن عرضة للضياع والتشرد رفقة أطفالهم، رغم أن روح المدونة
وفلسفتها هي تحقيق العدالة المتوازنة والحفاظ على كرامة الأسرة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق