قراءة في أهم مستجدات نظام مراقبة عمليات التركيز
الاقتصادي
( وفقا لمقتضيات مشروع القانون رقم 104.12 ومشروع القانون رقم 20.13)
جعفر ايزوغار
مقدمة:
أدى تزايد عدد وحجم عمليات التركيز إلى ظهور مخاوف لدى
الجهات المشرفة على السياسة الاقتصادية الوطنية من آثار هذه العمليات على بنيات
السوق المغربي وحرية المنافسة فيه من جهة أولى، و على القدرة التنافسية للمقاولات
المغربية في مواجهة المجموعات الاقتصادية الأوربية من جهة ثانية، و على أمن
المستهلك المغربي من جهة ثالثة، لذلك كان لابد من وضع نظام قانوني لمراقبة عمليات
التركيز الاقتصادي، يسمح في نفس الوقت بتأطير وسيلة عمل ضرورية للمقاولات الوطنية،
وكذلك يمكن من تجنب الآثار السلبية لهذه العمليات.
وهكذا، تم تنظيم مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي في
القانون رقم 06.99 بتاريخ 15 ماي 2000 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، الذي
تم تبنيه في إطار الحركة التشريعية التي عرفتها بلادنا في أواخر التسعينات، والتي
كان من بين أهدافها تأهيل السوق المغربي ودعم انفتاحه على الأسواق الخارجية وتطوير
المناخ التشريعي والمؤسساتي لعمل المقاولة المغربية، فهذا القانون واحد من الفروع القانونية التي تجسد تدخل
السياسات العمومية في توجيه الميدان الاقتصادي، وهذا ما يبرز على وجه الخصوص في
الباب الرابع من القانون رقم 06.99 المتعلق بعمليات التركيز الاقتصادي،
الذي يضم المواد من 10 إلى 13، كذلك نص المشرع على الإجراءات المتبعة أمام مجلس
المنافسة والمتعلقة بعمليات التركيز الاقتصادي
في المواد من 42 إلى 46، كما نجده يحدد في المادة 7 من المرسوم التطبيقي للقانون رقم 06.99 ( مرسوم رقم
854-00-2 الصادر بتاريخ 17 شتنبر 2001) الوثائق التي يجب أن يرفق بها تبليغ مشروع
التركيز، و التاريخ الذي يبتدئ فيه أجل البت في المشروع أو العملية المبلغة.
لم يعرف المشرع في المادتين
10 و 11 من ق.ح.أ.م. رقم 06.99 عمليات التركيز الاقتصادي ولا المقصود بمراقبة هذه
العمليات، وهذا حال باقي التشريعات المقارنة. فهم المشرع المغربي في هذه المواد لم
يكن منصبا على تعريف عمليات التركيز بل على تحديد الآليات التي يتحقق من خلالها
التركيز والحدود الكمية والشروط الموضوعية التي يؤدي توفرها لإعمال المراقبة،
كما أننا لا نجد إلا بعض الآراء الفقهية المعدودة التي تطرقت لوضع تعريف للمقصود
بعمليات التركيز الاقتصادي أو للمقصود من مراقبة هذه الأخيرة، ومن بين هذه الآراء
نجد أستاذنا نور الدين التجكاني يعرف التركيز بأنه " تجمع لمنشآت يتضمن
تعديلا في بنيات السوق، وفقدانا لاستقلالية هذه المنشآت المتجمعة في مقابل تقوية
السلطة الاقتصادية للمجموعة "، فهذا التعريف يحدد بشكل دقيق جوهر عملية التركيز،
والمتمثل في تقوية السلطة الاقتصادية للمنشأة أو المجموعة الناشئة عن التركيز داخل
السوق المعني.
أما مراقبة عمليات التركيز
فيمكن تعريفها بأنها مسطرة وقائية لا تهدف منع إنجاز مشاريع عمليات التركيز بل فحص
تلك المشاريع التي تصل إلى حجم معين تثور معه شكوك حول آثارها التنافسية والاقتصادية المستقبلية على السوق
المعني، وبناء على التحقق من إمكانية ترتب هذه الآثار يتخذ القرار بشأن الترخيص أو
عدم الترخيص لإنجاز مشروع التركيز.
فالتركيز آلية قانونية نظمها المشرع حتى يضع للمقاولات الوطنية وسيلة عمل ضرورية تمكنها من
توسيع نشاطها والحصول على نشاطات جديدة و التخلي عن البعض الآخر،
بشكل يدعم قدراتها التنافسية المحلية و الدولية،
ولكون عمليات التركيز الاقتصادي قد تكون لها منافع اقتصادية - تحسين جودة
المنتوجات وتنوعها و تحفيز التنافسية والابتكار في السوق الوطني...- بشكل يدعم
الاقتصاد الوطني عن طريق خلق ما يسمى بالأبطال الوطنيين les champions ) nationaux) ، كما قد تسهم هذه
العمليات في توسيع دائرة الخيارات للمستهلك و في تحسين رفاهه العام، هذا من جهةـ
أولى.
ومن جهة ثانية، يسمح تنظيم مراقبة هذه العمليات بوضع
آلية عملية وقائية تحول دون نشوء بنيات عالية التركيز قد تكون لها آثار ضارة على
ظروف المنافسة في السوق الوطني، الذي يعرف أصلا مستويات تركيز عالية في بعض
القطاعات،
بحيث لا يهدف تنظيم مراقبة عمليات التركيز إلى توقي نشوء أو تعزيز أوضاع هيمنة
اقتصادية فقط، بل كذلك تجنب كافة الممارسات التي قد تنتج عن هذه العمليات وتؤدي
إلى المس بحرية المنافسة، فهذا النظام يهدف إلى حماية التنافسية داخل السوق وليس
حماية المتنافسين الذين يتضررون من فقدان حصصهم في السوق نتيجة عملية التركيز.
وفي هذا الإطار وقبل
التطرق للكيفية التي سنعرض فيها لبوادر مشروع كل من القانون 104.12 المتعلق بحرية
الأسعار والمنافسة و 20.13 المتعلق بمجلس
المنافسة، نرى أنه لابد لنا من التوقف عند الإطار الزمني لظهور بوادر هذه الإصلاحات،
فمع بداية اشتغال مجلس المنافسة في أواخر سنة 2009 سرعان ما انتبهت مكوناته إلى الصعوبات التي
تطرحها النصوص التشريعية المؤطرة لصلاحياته،
الأمر الذي دفع هذه المكونات إلى التفكير في صياغة مقترحات لتعديل تلك النصوص
تساهم في تدليل هذه الصعوبات بما يتناسب والحلول المعمول بها في القوانين المقارنة
وتوجيهات المنظمات الدولية،
حيث تم بلورة مسودة مشروع إصلاح مؤسساتي للمجلس وتم عرض محاوره على الوزير الأول
في أواسط سنة 2009، وفيما بعد تم عرض محاور التعديل من طرف رئيس المجلس على صاحب
الجلالة الملك محمد السادس بتاريخ 10 أبريل 2011، وبعد هذا التاريخ بدأت مشاورات
ماراطونية بين مجلس المنافسة والمصالح الوزارية التابعة للوزارة المكلفة بالشؤون
الاقتصادية والعامة قصد التوافق بشأن مختلف محاور الإصلاح، وبعد تحقق هذا التوافق
تم إدراج مسودة مشروع التعديل في القنوات الكلاسيكية لتبني مشاريع القوانين ،
وأخيرا تم نشر مشروع القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة و مشروع
القانون 20.13 المتعلق بمجلس المنافسة في أواخر شهر يناير من سنة 2013 في الموقع الالكتروني للأمانة العامة
للحكومة.
حيث جاء هذان المشروعان
لتنزيل المقتضيات الدستورية للفصل 166 من الدستور الصادر بتاريخ 12 يونيو 2011 والذي
نص على أن " مجلس المنافسة هيئة
مستقلة مكلفة في إطار تنظيم منافسة حرة و مشروعة بضمان الشفافية و الإنصاف في
العلاقات الاقتصادية وخاصة من خلال تحليل وضبط وظيفة المنافسة في الأسواق ومراقبة
الممارسات المنافية للمنافسة والممارسات التجارية غير المشروعة وعمليات التركيز
الاقتصادي والاحتكار". وهكذا، نصت المادة الأولى والثانية من مشروع القانون
رقم 20.13 بما يفيد أن مجلس المنافسة سلطة إدارية مستقلة
ذات اختصاص تقريري فيما يتعلق بمحاربة الممارسات المنافية للمنافسة ومراقبة عمليات
التركيز الاقتصادي، تتوفر على الشخصية المعنوية والاستقلال المالي، وحتى لا نحيد
عن حدود دراستنا سنقتصر على التطرق إلى أهم
المستجدات التي جاء بها هذان المشروعان، والتي تمس أساسا الفرع المتعلق بمراقبة
عمليات التركيز الاقتصادي ونقترح أن نتعرض لهذه المستجدات وفقا لخطة بحث تتكون من المبحثين
التاليين:
المبحث الأول: المستجدات المرتبطة بنطاق و ضمانات نظام
مراقبة عمليات التركيز
المبحث الثاني: المستجدات المتعلقة بصلاحيات السلط
والهيئات المتدخلة في مراقبة عمليات التركيز
سنعرض لمضامين هذين المبحثين من خلال مقاربة تحليلية نقدية تهدف إلى رصد
أبرز هذه المستجدات مقارنة بما عليه الوضع في قانون حرية الأسعار والمنافسة رقم
06.99 المعمول به حاليا، دون إغفال التطرق للنواقص أو الاشكالات التي قد تعيق
تطبيق هذه المستجدات التشريعية مستقبلا.
المبحث الأول: المستجدات المرتبطة بنطاق و ضمانات نظام
مراقبة عمليات التركيز
جاءت مواد مشروع القانون
المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة رقم 104.12 بإطار جديد لتنظيم نطاق مراقبة عمليات
التركيز، يهدف لوضع تحديد دقيق لهذا النطاق ( المطلب الأول)، كما تضمنت مواد هذا
المشروع العديد من المقتضيات المتعلقة بضمانات كل من المنشآت الأطراف في مسطرة
المراقبة و الغير الذي قد تتأثر مصالحه بنتائج هذه المسطرة( المطلب الثاني).
التحديد الدقيق لنطاق مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي يوجب تأطير العمليات
الاقتصادية المعتبرة بمثابة تركيز اقتصادي،
والتي تطبق بشأنها مسطرة المراقبة إذا ما توفرت فيها شروط معينة، لهذا جاءت مواد
مشروع القانون 104.12 بمستجدات هامة في هذا الشأن، حيث تم اعتماد مفهوم المراقبة
لتأطير مختلف آليات التركيز ( الفقرة الأولى)، مع النص بشكل صريح على اعتبار
المنشأة المشتركة تعتبر شكلا من أشكال التركيز ( الفقرة الثانية)، وكذلك تم الأخذ بكل من معيار رقم الأعمال و الحصة السوقية لتحديد نسب
التركيز الموجبة لتطبيق المراقبة ( الفقرة الثالثة).
عمل المشرع المغربي من خلال المادة 11 من قانون حرية
الأسعار والمنافسة الحالي على تعداد الآليات التي يتحقق بها التركيز الاقتصادي
دون أن يعرفه بشكل مباشر، ولعل الدافع
وراء ذلك كان هو وضع إطار واسع لمفهوم التركيز يشمل كافة أشكال التركيز ، لكن
يرى البعض أن تبني هذا المفهوم الواسع قد
يخلق بعض الغموض بشأن تأويل مقتضيات المادة 11 بشكل يصعب معه تقدير مدى خضوع عملية
التركيز للمراقبة من طرف المنشآت المعنية و الجهات المكلفة بالمراقبة.
لدى نجد المشرع المغربي في المادة 11 من مشروع القانون الجديد رقم 104.12، قد
تخلى عن الصياغة التي تبناها في بداية المادة 11 من القانون رقم 06.99 فيما يخص
عمليات تحويل الملكية والمنفعة، وعوضها بصياغة جديدة تعتمد على مفهوم سلطة المراقبة التي تكون لمنشأة
على أخرى، حيث نصت المادة 11 في الفقرة الثانية منها على أنه: "2- حينما يقوم
شخص أو عدة أشخاص، يراقبون منشأة واحدة على الأقل، بتولي المراقبة، بشكل مباشر أو
غير مباشر، على مجموع منشأة أو جزء منها أو على مجموع منشآت أو أجزاء منها، سواء
بواسطة المساهمة في الرأس المال أو شراء الأصول أو عقد أو غيرها من الوسائل."
إن تبني المشرع في المادة 11 من مشروع القانون مصطلح المراقبة سيجعل نطاق مراقبة عمليات التركيز أكثر مرونة مما هو عليه الأمر في الصيغة الحالية
لهذه المادة، التي كانت تقتصر على استعمال مصطلح عمليات نقل الملكية أو المنفعة، على
اعتبار أن ما يهم في تحديد نطاق عمليات التركيز
ليس آليات التركيز في حد ذاتها بل
الهدف الذي ينتج عنها، وهو مراقبة منشأة لأخرى، لذلك فالتعداد الوارد في آخر
الفقرة 2 من المادة 11 من مشروع القانون الجديد هو على سبيل المثال لا الحصر،
وهكذا تكون الصيغة الجديدة قد تجاوزت المنظور الذي كان قائما على تعداد آليات
التركيز، باعتبار أن جميعها يدخل تحت مظلة مفهوم المراقبة، هذه المراقبة التي تسمح بالتحكم في توجيه القرارات الإستراتيجية للمنشأة
الممارسة عليها بما يخدم مصالح المنشأة الممارسة لها.
الفقرة الثالثة : الأخذ بكل من معيار رقم الأعمال و الحصة السوقية لتحديد نسب
التركيز الموجبة لتطبيق المراقبة
لقد حددت المادة 10 من القانون رقم 06.99 السقف الواجب بلوغه من طرف
المنشآت الأطراف في عملية التركيز و المنشآت المرتبطة بها اقتصاديا الذي بوصوله تطبق
المراقبة على هذه العمليات في %40 من
المبيعات و الشراءات و المعاملات الأخرى المنجزة خلال السنة التقريرية السابقة.
إن تبني معيار الحصة السوقية لتحديد نسب التركيز الموجبة لتطبيق المراقبة
يطرح مجموعة من السلبيات ترجع بالأساس إلى الصعوبات التي يطرحها استعمال هذا
المعيار، من بينها ضرورة التحديد القبلي للسوق المعني الذي يصبح في بعض الحالات
أمرا جد معقد، وخاصة في حالة ما إذا كان هذا التحديد يهم عملية تركيز تجميعي تكون
فيها نشاطات المنشآت المعنية غير متجانسة و تشمل مجالات مختلفة،
وهذا ما يؤدي بدوره إلى صعوبة تقدير المنشآت لحصصها السوقية، وبالتالي معرفة ما
إذا كان مشروع التركيز يتوجب تبليغه إلى سلطة المراقبة أم لا.
كذلك الأمر بالنسبة لسلطة المراقبة التي يؤدي استعمالها لمعيار الحصة السوقية
إلى جعل عملها معقدا ويأخذ وقتا ليس بالهين، خاصة وأنه يتطلب تحديدا مسبقا للسوق
المعني، وهي عملية لا تكون سهلة بالمرة خاصة إذا تعلق الأمر بسوق مثل السوق
المغربي، الذي يتميز بكونه ذو بنية ضبابية المعالم مكونة من نسيج اقتصادي هش يغلب
عليه طابع الشركات العائلية.
كما أن تبني معيار الحصة السوقية من شأنه إحداث ثغرات في نطاق تطبيق نظام
مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي، تنتج أساسا عن كون تبني هذا المعيار يؤدي إلى انفلات
فرع مهم من النشاطات التي تمارسها بعض المنشآت من نطاق المراقبة، وإن كانت هذه المنشآت لا تحقق من خلال هذه النشاطات حصص
سوقية مهمة، إلا أنها في مقابل ذلك تحقق من ورائها رقم أعمال جد مهم.
فإذا أخدنا مثلا عمليات التوزيع، فنجد أن أكبر الموزعين في سوق السلع الاستهلاكية
لا يمتلكون حصص مهمة من سوق سلعة معينة، لذلك فالأهمية الاقتصادية لعمليات التركيز
التي تقوم بها منشآت التوزيع يجب أن تقدر بناء على معاملاتها المرتبطة بمختلف
السلع على صعيد السوق المحلي أو الوطني، وبالتالي
معيار الحصة السوقية قد لا يسمح بإخضاع عمليات التركيز المتعلقة بهذا النوع من النشاطات
– التوزيع - لنظام المراقبة.
وحتى يتم تجاوز الصعوبات و الإشكالات التي يطرحها تبني معيار الحصة
السوقية، نبه العديد من المهتمين والباحثين في قانون المنافسة المغربي، إلى ضرورة
تخلي المشرع المغربي عن معيار الحصة
السوقية وتبني معيار رقم الأعمال لتعيين الحدود الكمية الموجبة للمراقبة، و في هذا
السياق جاء مشروع القانون رقم 104.02 بمستجد يهم هذه النقطة، حيث نصت المادة 11 من
المشروع على تطبيق كل من معيار رقم الأعمال الإجمالي العالمي ورقم الأعمال
الإجمالي، و أبقت على معيار الحصة السوقية بنفس الصيغة
المعتمدة في المادة 10 من القانون رقم
06.99.
وهكذا، يكون المشرع قد تبنى من خلال هذا التعديل منطق التطبيق الاختياري
للمعايير المجسدة لحدود الكمية الموجبة للمراقبة، الذي كان معمولا به في ظل
القانون الفرنسي رقم 1843-86 الصادر بتاريخ 1 دجنبر 1986، والذي تراجع عنه المشرع
الفرنسي بموجب القانون رقم 420-2001
الصادر بتاريخ 15 ماي 2001، حيث تخلى عن معيار الحصة السوقية و أبقى على معيار رقم
الأعمال كمعيار وحيد واجب التطبيق، ولعل ما جعل المشرع يبقي على معيار الحصة
السوقية، هو أنه في بعض الحالات قد لا يصل فيها مجموع رقم أعمال المنشآت أطراف
عملية التركيز إلى الحد الأدنى الموجب للمراقبة، لكن في مقابل ذلك تتحقق فيها نسبة
الحصة السوقية الموجبة للمراقبة، وبالتالي في هذه الحالة يمكن إخضاع عملية التركيز
للمراقبة بناءا على تحقق الحد الكمي المبني على معيار الحصة السوقية، رغم عدم
تحقيق المنشآت أطراف عملية التركيز مجموع رقم الأعمال الموجب للمراقبة.
وعموما، يمكن القول أن كل من معيار الحصة
السوقية ومعيار رقم الأعمال لهما جوانب سلبية وإيجابية، حيث يعاب على معيار رقم
الأعمال كون تطبيقه قد يؤدي إلى احتساب قيمة بعض الأعمال التي لا يكون لها أي أثر
على المنافسة في السوق،
عكس معيار الحصة السوقية والذي يعتبر الأنسب لقياس درجة تأثير عملية التركيز على
السوق،
لكن لمعيار الحصة السوقية هو الآخر سلبيات تتمثل أساسا فيما سبق لنا عرضه في هذه
الفقرة.
وهكذا، نخلص إلى أن الأخذ بكل من هذين المعيارين في مقتضيات المادة 11 من مشرع القانون رقم 104.12 شيء محمود، لأنه
سيسمح بتجاوز الصعوبات و المشاكل التي قد يطرحها تطبيق معيار وحيد في تحديد السقف
الموجب للمراقبة وفقا لما تنص عليه مقتضيات المادة 10 من القانون رقم 06.99، الشيء
الذي سيؤدي إلى ضمان الأمن القانوني للمنشآت المعنية بعملية التركيز ويسهل عمل
سلطة المراقبة، كما أن الأخذ بمعيار رقم الأعمال إلى جانب معيار الحصة السوقية من
شأنه سد الثغرات التي قد تنتج عن التطبيق الحصري لأحد هذين المعيارين، ولا شك أن هذا
الحل سيخدم مصالح الحفاظ على منافسة كافية في السوق التي قد تتأثر بتبعات العمليات
التي قد تنفلت من المراقبة نتيجة وجود ثغرات في نطاق التطبيق.
كما أن تبني المشرع المغربي في المادة 11 من مشروع
القانون رقم 104.12 رقم المعاملات الأجنبي العالمي كمعيار من بين المعايير التي
يمكن اللجوء إليها للتثبت من بلوغ الحدود الكمية الموجبة للمراقبة، سيؤدي حتما إلى
تسهيل عمل سلطة المراقبة الوطنية أثناء تحققها من ثبوت إمكانية تأثر المنافسة في
السوق الوطنية بعمليات التركيز الدولية، لأن تبني هذا المعيار يمكن من تفادي
الصعوبات التي يمكن أن يثيرها تطبيق معيار الحصة السوقية للتحقق من بلوغ عملية
التركيز الدولية الحدود الكمية الموجبة للمراقبة.
المطلب الثاني: ضمانات
المنشآت الأطراف و الغير في نظام المراقبة
باعتبار مراقبة عملية التركيز
ترتبط بمسطرة يكون للقرارات المتخذة في إطارها وقع مباشر على مصالح متنافرة غالبا
ما يصعب التوفيق بينها، منها مصالح المنشآت المقبلة على عملية التركيز، ومصالح
المنشآت المنافسة لهذه الأخيرة، ومصالح المستهلكين، جاء مشروع القانون بمقتضيات هامة
تهم تعزيز ضمانات المنشآت الأطراف والغير في المساطر المتبعة أمام مجلس المنافسة
بشكل عام، وبمسطرة مراقبة عملية التركيز بشكل خاص (الفقرة الأولى)، لكن يبدو أن
المشروع لم يتعرض بشكل كاف لهذه الضمانات في مرحلة ما بعد صدور القرار النهائي بشأن مسطرة المراقبة (الفقرة الثانية).
الملاحظ أن هناك ضعف في تأطير ضمانات المنشآت الأطراف و
الغير في جميع مراحل مسطرة المراقبة المنظمة في قانون حرية الأسعار والمنافسة رقم
06.99، فالمقتضيات القانونية المؤطرة لتبليغ عمليات التركيز نجدها ثارة
تقرر التزامات قانونية لكنها لا تحدد الأجل الواجب داخله تنفيذ هذه الالتزامات،
و ثارة أخرى لا تضم الجزاءات التي تطبق في حالة عدم احترام هذه الالتزامات،
بل لا تتطرق بالمرة إلى وجوب نشر
التبليغات التي تتوصل بها سلطة المراقبة، نفس الشيء بالنسبة للمقتضيات
المنظمة لباقي مراحل المسطرة المتبعة أمام الوزير الأول بشأن عمليات التركيز،
والتي تخضع لمنطق الإحالة على المواد المنظمة للمسطرة أمام مجلس المنافسة،لم تتطرق
أو تطرقت بشكل غير كاف للضمانات القانونية الواجب توفرها للأطراف و الغير في هذه النوع من المساطر.
لذلك نجد أن المشرع المغربي قد عمل في المشروع القانون
رقم 104.12 على تحسين وضع ضمانات المنشآت الأطراف والغير في
كافة مراحل المسطرة، حيث عمل على تحديد الوقت الذي يجب ابتداء منه تبليغ مشروع
التركيز،
كما نص بشكل صريح على الجزاءات الممكن النطق بها في حالة التبليغات الناقصة أو غير
الصحيحة، وكذلك الجزاءات الممكن اتخاذها في حالة عدم احترام الأثر الواقف الناتج
عن التبليغ،
ويتيح النص الجديد الإمكانية للمنشآت المنافسة و لبعض الجهات الأخرى إمكانية
التبليغ بشكل مباشر عن العملية، كما أوجبت مقتضيات مواد المشروع الجديد على الجهة
المختصة بتلقي التبليغات أن تنشر بلاغا بشأن تسلم هذه التبليغات .
هناك مستجد هام جاء به مشروع القانون رقم 104.12 في الفقرة الثانية من
المادة 14 التي تنص بما يفيد أنه في حالة الضرورة الخاصة المعللة يمكن للمنشآت
الأطراف التي قامت بالتبليغ أن تقدم طلبا لمجلس المنافسة من أجل الحصول على
استثناء يسمح لها بالإنجاز الفعلي لمجموع عملية التركيز أو لجزء من العملية دون
انتظار صدور قرار الموافقة بشأنها، وتظهر أهمية هذا المستجد خاصة في بعض حالات
التركيز مثل تلك المرتبطة بطلبات عروض عمومية للشراء وطلبات العروض في إطار مساطر
التفويت القضائي للمقاولات التي تعاني من صعوبات، حيث تتيح هذه الإمكانية لمقدم
العرض في إطار طلبات العروض العمومية أن يلجأ لمجلس المنافسة لطلب ترخيص استثنائي
من أجل إتمام الإجراءات المسطرية في حالة رسو المناقصة على عرضه، نفس الشيء
بالنسبة لصاحب العرض المقدم في إطار مساطر التفويت القضائي الذي يجب عليه قبل
تقديم عرضه، الحصول على ترخيص استثنائي من مجلس المنافسة، بحيث إذا صدر حكم قضائي
بقبول ذلك العرض فإنه لا يكون صاحبه مخالفا للالتزام بعدم إتمام العملية خلال
مرحلة الفحص، و هذا الترخيص الاستثنائي يوجب على الأطراف المعنية عدم القيام بأي
تصرف من شأنه تعديل شكل عملية التركيز، مثل القيام بتفويت أصول المنشأة المستهدفة
أو السير قدما في مراحل الاندماج بشكل لا يقبل التراجع عنه.
ونرى بأن مجموع هذه المستجدات التي جاء بها مشروع
القانون رقم 104.12 من شأنها أن تؤدي إلى تجاوز الوضع الحالي للمقتضيات المؤطرة
لمرحلة التبليغ، وهذا ما سيعزز فعالية آلية التبليغ ويوفر الحد الأدنى من الضمانات
الواجبة لكل من المنشآت المبلغة و الغير في هذه المرحلة، لكن تحقق ذلك ليس مشروطا
فقط بحرص الجهات المكلفة بتلقي هذا التبليغ على فرض احترام المقتضيات القانونية
المؤطرة له، بل يرتبط كذلك بمدى وعي المنشآت المقبلة على التركيز بوجوب القيام
بالتبليغ بشكل تلقائي في إطار التعاون مع سلطة المراقبة، الشيء الذي يقي هذه
المنشآت من عواقب عدم التبليغ.
يضاف إلى ما سبق مجموعة من المستجدات تهم تعزيز ضمانات
المنشآت الأطراف في مسطرة المراقبة يمكن حصر أهمها في الآتي:
-
إمكانية طلب وقف أجل البت لغاية
استكمال التعهدات ( المادة 15 و 17)؛
-
في حالة عدم اتخاذ المجلس قرارا
بشأن العملية و مرور الأجل المتاح للإدارة للتصدي، فإن العملية تعتبر مرخص لها (
المادة 15) ؛
-
يجب على الإدارة في إطار مسطرة
التصدي الاستماع لملاحظات أطراف عملية التركيز ( المادة 18) ؛
-
يؤخذ بعين الاعتبار المصلحة
المشروعة للأطراف التي قامت بالتبليغ أو الأشخاص الذاتيين أو المعنويين على أساس
عدم المساس بأسرار أعمالهم ( المادة 21) ؛
-
نصت المادة 33 أن الجلسات غير علنية، وفي المقابل فإن
المادة 29 نصت أن التحقيق و المسطرة حضوريين، الشيء الذي يعزز من ضمانات دفاع
الأطراف ؛
-
يجوز للأطراف طلب الاستماع إليهم
من طرف مجلس المنافسة ( المادة 33) ؛
-
للأطراف مدة 10 أيام لتقديم
ملاحظاتهم حول مشروع قرار المجلس (المادة 17) ؛
أما بالنسبة للغير فوجب التأكيد على أن مقتضيات مشروع
القانون رقم 104.12 تتيح للغير إمكانية تحريك مسطرة المراقبة، وهذا ناتج عن
التوسيع من الجهات الممكن أن تلجأ للمجلس للتبليغ عن مشروع أو عملية التركيز التي
تجاهل أطرافها تبليغها، حيث يمكن للغير أي المنشآت المنافسة أو جمعيات حماية
المستهلك، اللجوء مباشرة للمجلس للإبلاغ عن العملية المخالفة، كما أن المواد 16 و
21 توجب الاستماع للأغيار سواء من قبل مجلس المنافسة أو من قبل الإدارة.
خلصنا في الفقرة السابقة إلى أن المشرع حاول جاهدا تعزيز
ضمانات المنشآت الأطراف والغير في كافة مراحل مسطرة المراقبة، لكننا لاحظنا أن هذا
المجهود لا يكاد يظهر في المرحلة ما بعد صدور القرار عن مجلس المنافسة بشأن
مراقبته لعمليات التركيز، فالمشرع لم يشر في مشروع القانون سواء 104.12 أو 20.13
لا من قريب ولا من بعيد لأساس تدخل القضاء الإداري في ممارسة الرقابة على القرارات
الصادرة بشأن المراقبة، الشيء الذي لا يسهل ولوج المنشآت الأطراف والغير المتضرر
من هذه القرارات إلى القضاء.
بل الأكثر من ذلك نجد أن ممثلو وزارة العدل أثناء مناقشة
مشروع القانون ذهبوا إلى القول بأن قرارات المجلس لا تكون قابلة للتنفيذ كما لا
يمكن للأطراف الطعن فيها إلا بعد مرور الآجال المعطاة للإدارة لتمارس داخلها سلطة
التصدي،
ونحن نرى بأن منع الأطراف من الطعن في قرارات المجلس ما دامت آجال التصدي لم تنقضي
يكون مبررا بالنسبة للقرارات السلبية التي تتضمن عدم الترخيص بإنجاز مشروع عملية
التركيز، لأنه قد ينتج عن إعمال الإدارة
سلطة التصدي قرار تصرح فيه بإمكانية إنجاز مشروع التركيز الاقتصادي، وبالتالي لا
تبقى أي جدوى من سير المنشآت الأطراف في إجراءات الطعن ما دام قد حصل هؤلاء على
الترخيص بإنجاز المشروع، أما القرارات الايجابية الصادرة عن المجلس فنرى بأنه لا
مجال للقول بوقف تنفيذها حتى انتهاء آجال التصدي، انسجاما مع ما ذهبنا إليه سابقا
فيما يخص أن سلطة التصدي للإدارة لا تكون إلا للقرارات السلبية وليس القرارات
الإيجابية التي يرخص فيها بإنجاز مشروع التركيز.
الملاحظ أن التوجهات التي جاء بها دستور
12 يونيو 2011 في الباب المتعلق بهيئات التقنين و الحكامة،
انعكست على صياغة كل من مشروعي القانون 104.12 و 20.13 المتعلق ، خاصة فيما يرتبط
بصلاحيات ضبط و نظامة المنافسة في السوق المغربية بشكل عام وصلاحية مراقبة عمليات
التركيز بشكل خاص، انطلاقا مما سبق سنحاول في البدء التطرق للمستجدات المرتبطة بكل
من صلاحيات السلطة الادارية و مجلس المنافسة في إعمال المراقبة على عمليات التركيز
( المطلب الأول)، ثم ننتقل لمعالجة المستجدات المتعلقة بتدخل الهيئات القطاعية
والقضاء في نظام مراقبة عمليات التركيز ( المطلب الثاني).
عمل المشرع المغربي في كل من مشروعي القانون 104.12 و 20.13 على حصر
صلاحيات السلطة الادارية بما يتناسب وموجبات تدخلها في هذه المراقبة (الفقرة
الأولى)، مقابل التوسيع من صلاحيات مجلس المنافسة مما يجعله الهيئة المختصة
بمراقبة عمليات التركيز (الفقرة الثانية)، وذلك لضمان كون هذا التوزيع الجديد
لصلاحية إعمال المراقبة سيضمن فعالية نظام مراقبة عمليات التركيز ككل.
الفقرة الأولى : حصر صلاحيات السلطة الادارية بما يتناسب وموجبات تدخلها في مراقبة
عمليات التركيز
إن نظرة سريعة للمقتضيات التشريعية المنصوص عليها في القانون
رقم 06.99 المنظمة لمراقبة عمليات التركيز، تكفي للتوصل إلى ملاحظة مبدئية هي أن
هذه المقتضيات تركز صلاحيات إعمال المراقبة في يد السلطة الادارية ممثلة في الوزير
الأول ( رئيس الحكومة وفقا لدستور 2011)، وهذا ما يظهر في كافة المراحل التي تمر
بها مسطرة المراقبة، وهذا يعكس اقتناع المشرع المغربي بضرورة أن تتم مراقبة عمليات
التركيز الاقتصادي وفق مسطرة خاصة، تترك المجال واسعا أمام السلطة المكلفة
بالمراقبة للأخذ بكافة الاعتبارات السياسة والاقتصادية التي قد لا تتماشى في بعض
الأحيان مع اعتبارات سياسة المنافسة، وهذا ما يجعل نظام مراقبة التركيز لا يفعل
فقط وفقا للتطبيق الطبيعي للنصوص القانونية المنظمة لهبل
يخضع كذلك للاعتبارات السابقة الذكر، لهذا نجد أحد الآراء الفقهية تذهب إلى القول
بعدم إمكانية تفعيل نظام مراقبة التركيز في ظل هذا التوجه المحتشم الذي ينكر منطق
تحرير الأسواق ويرسي هيمنة الإدارة على السوق.
لذا يمكن القول بأن التعديلات العميقة التي جاء بها
مشروع القانون رقم 104.12 والتي همت نظام مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي، أبانت
عن توجه جديد للمشرع المغربي بخصوص تأطير تدخل الإدارة في إعمال نظام المراقبة،
ينبني على منطق جديد للتوزيع سلطة المراقبة بين هذه الإدارة ومجلس المنافسة، حيث
لم تعد سلطة القرار بيد الإدارة لكن أصبح لها سلطة التصدي تبعا لاعتبارات المصلحة
العامة من غير تلك المتعلقة بالمنافسة.
فللإدارة
وفقا لمقتضيات المادة 18 من مشروع القانون الجديد بعد تبليغها بقرار مجلس المنافسة
داخل الأجل المحدد في المادة أعلاه، إما أن تطلب
إجراء فحص معمق وذلك بالنسبة لقرارات المجلس الصادرة عن مرحلة الفحص
البسيط، ولها فيما يتعلق بالقرارات الصادرة عن المجلس في مرحلة الفحص المعمق
إمكانية التصدي للقضية والبت فيها للاعتبارات المتعلقة بالمصلحة العامة من غير تلك
المتعلقة بالحفاظ على المنافسة، وهكذا يكون المشرع المغربي قد تبنى في المشروع
الجديد نهج المشرع الفرنسي حيث نجد المادة 18 الجديدة تتطابق و مقتضيات القانون
رقم 77-2008 بتاريخ 4 غشت 2008 والذي عدل مقتضيات مواد مدونة التجارة الفرنسة
الخاصة بالباب المتعلق بمراقبة عمليات التركيز.
لكننا ننبه في
نفس السياق، إلى أن المشرع بهذا التوجه في مشروع القانون رقم 104.12 يكون قد تراجع مبدئيا
عن النهج الذي كان قد تبناه
في المسودة الأولى لمشروع القانون المعدل للقانون 06.99، حيث كانت تنص هذه المسودة في المادة 18 بما
يفيد أن حق التصدي يمكن إعماله سواء فيما يتعلق بالقرارات الصادرة في مرحلة الفحص
البسيط أو مرحلة الفحص المعمق على السواء، ولا نعرف السبب وراء هذا التراجع الذي
نرى بأنه سيضيع على المشرع فرصة الاستفادة من الجدل الفقهي الذي احتدم في فرنسا
حول الإشكالات التي تطرحها إمكانية وزير الاقتصاد طلب إجراء فحص معمق من طرف هيئة
المنافسة.
حيث عابت بعض آراء
الفقه الفرنسي على هذا المقتضى كونه قد لا يكون الهدف منه في بعض الحالات سوى
إتاحة الفرصة أمام الوزير لممارسة إمكانية التصدي تجاه القرار الصادر بناء على هذا
الفحص، وهذا ما سيجعل عمل مجلس المنافسة في مرحلة الفحص المعمق دون أي جدوى،
كما يذهب رأي آخر من هذا الفقه إلى القول بأنه ليس هناك ما يفرض على هيئة المنافسة
قبول طلب الفحص المعمق الموجه إليه من طرف وزير الاقتصاد، على اعتبار أن هيئة
المنافسة هيئة مستقلة عن السلطة التنفيذية، وهذا ما قد يؤدي إلى تعطيل صلاحية
التصدي والتي تتوقف على صدور قرار عن مرحلة الفحص المعمق،
كما أن طلب الفحص المعمق الذي يأتي بعد قيام الهيئة بالفحص التنافسي لعملية التركيز من شأنه أن يمس
بمبدأ فصل السلط الذي قام عليه تحديد نظام المراقبة وفق القانون رقم 77-2008
بتاريخ 4 غشت 2008 ، كل هذا جعل هذه الآراء الفقهية تقترح إعطاء وزير الاقتصاد
إمكانية التصدي منذ المرحلة الأولى عوض إعطاءه إمكانية طلب الفحص.
ونحن نرى أنه كان على المشرع المغربي أن يتجنب الخوض في مثل هذه الإشكالات، وأن
يستفيد من نقاشات الفقه الفرنسي التي همت المقتضيات المؤطرة لسلطة وزير الاقتصاد
في مراقبة عمليات التركيز، ويبقي في مشروع القانون الجديد على الحل القاضي بمنح
إمكانية التصدي للإدارة منذ مرحلة الفحص المبسط والذي كان قد تبناه في المسودة
التي سبقت صدور المشروع.
كذلك نجد أن بعض
مقتضيات مشروع القانون الجديد طرحت نقاشا بين مكونات مجلس المنافسة والمصالح
الإدارية ممثلة أساسا بوزارة الشؤون العامة و الحكامة، ونخص بالذكر مقتضيات المادة 18 التي نظم فيها المشرع
المغربي سلطة تصدي الإدارة للقرارات الصادرة عن مجلس المنافسة بخصوص مراقبة عملية التركيز، حيث دار النقاش
حول نطاق هذه الحق، أي هل يشمل حق التصدي قرارات مجلس المنافسة بشأن التصريح
بإنجاز مشروع أو عملية التركيز وكذلك القرارات الرافضة لهذا للتصريح، أم أن حق التصدي
يشمل فقط إمكانية التصدي لقرارات الرفض دون قرارات التصريح. ويذهب ممثلو الإدارة
إلى القول بأن الصياغة العامة لنص المادة 18 من المشروع تتيح إمكانية التصدي في
كلا الحالتين، أما مكونات مجلس المنافسة فترى بأن سلطة التصدي يجب أن تنحصر فقط في
القرارات الصادرة عن المجلس برفض التصريح لإنجاز العملية، لأن القول بعكس ذلك من
شأنه المس بسلطة و استقلالية قرارات المجلس حيث أن التصدي لقرارات التصريح لا يمكن
أن يتأسس إلا على كون العملية لها آثار ماسة بالمنافسة، في هذه الحالة تكون
الإدارة قد تجاوزت اختصاصها الذي يلزمها بالتصدي بناءا على المصالح العامة من غير
تلك المرتبطة بمصلحة المنافسة، ولأن مجلس المنافسة يعتبر بمثابة الخبير المختص بكل
ما يهم المنافسة.
هذا الإشكال كان
قد أثير من قبل في ظل التشريع الفرنسي أثناء مناقشة تعديل مواد مدونة التجارة
المتعلقة بمراقبة عملية التركيز حيث خلص أعضاء مجلس الشيوخ الفرنسي في الصياغة
النهائية من مشروع التعديل إلى القول بإمكانية التصدي في كلا الحالتين، وذلك حتى
يسمح للإدارة بهامش واسع للتحرك في ظل الطابع الاستثنائي لمسطرة التصدي.
ونحن من جانبنا
نميل إلى الأخذ برأي مكونات مجلس المنافسة، لأنه من الصعب أن نتصور تصدي الإدارة
لقرارات التصريح بإنجاز مشاريع أو عمليات التركيز والتي غالبا ما يكون لها نتائج
إيجابية على المستوى الاقتصادي تتقاطع مع أهداف وسياسات هذه الإدارة، وبالتالي
فإمكانية التصدي لقرارات التصريح لا يمكن أن تتأسس إلا على وجود آثار ماسة
بالمنافسة لمشروع التركيز، والإدارة لا يجوز لها التمسك بهذا الأساس لأن المادة 18
من مشروع القانون 104.12 توجب أن تتصدى
الإدارة بناءا على المصالح العامة من غير تلك المرتبطة بالمنافسة، وما يؤكد هذا
الطرح هو ندرة الحالات التي تم في رفض عمليات التركيز في ظل التشريع الحالي، نفس
الشيء بالنسبة لما هو عليه الأمر في التشريع الفرنسي الذي لم يحدث فيه أن تصدى
وزير الاقتصاد لقرار هيئة المنافسة بالتصريح بإنجاز عملية تركيز، كما أن توجه مجلس
الشيوخ الفرنسي في هذه النقطة نجده لا يتماشى مع أغلب التشريعات الأوربية ومنها
التشريع الاسباني و الايطالي و الألماني، التي
قصرت إمكانية التصدي على قرارات رفض الترخيص لعملية التركيز.
وعموما، يرى
السيد هشام بوعياد وهو مقرر بمجلس المنافسة أنه من خلال دراسة التجارب المقارنة في
مجال إعمال سلطة التصدي وخاصة التجربة الألمانية التي كانت السباقة لإقرار هذه
السلطة، فإنه حتى وإن تم الأخذ بإطلاق سلطة التصدي للإدارة إلا أنه يمكن من جهة
أخرى لآلية التعليل ونشر قرارات التصدي إلى جانب قرار مجلس المنافسة أن تحد بشكل
غير مباشر من استعمال هذه السلطة، الشيء الذي سيدفع الإدارة للتفكير مطولا قبل
اللجوء إلى قرار التصدي لأن هذا القرار سيكون متاحا لكافة مكونات الرأي العام
والذي لا شك أنه يجب أن تراعي تطلعاته
وردود أفعاله تجاه هذا القرار.
نشير في الأخير إلى أن هذا التوجه الجديد الذي اتبعه
المشرع المغربي في مشروع القانون الجديد رقم 104.12، في تحديد سلطة تدخل الإدارة
في مراقبة عمليات التركيز، هو توجه مبرر انطلاقا من كون مبدأ حرية المنافسة لا يجب
أن يبرر مخالفة أهداف المصلحة العامة، فنظام مراقبة التركيز باعتباره فرعا من فروع
قانون المنافسة هو كذلك تتجاذبه مصالح عامة من غير تلك المتعلقة بالحفاظ على
المنافسة، وفي هذا يقول"s.martin " إن
الهيئة المكلفة بالمنافسة تبقى هي الحارسة لرفاه المستهلك أما الإدارة فهي تتدخل
من أجل حماية الرفاه العام والذي يأخذ بعين الاعتبار فيه كل من مصالح المستهلكين و
الفاعلين الاقتصاديين".
يظهر بشكل واضح أن مقتضيات قانون حرية الأسعار والمنافسة
رقم 06.99 تشوبها عدة نواقص تحد من صلاحيات مجلس المنافسة في مراقبة عمليات التركيز بشكل يؤثر
على فعالية نظام المراقبة ككل، هذه النواقص تتوزع بين نواقص مرتبطة بشكل عام بطبيعة
التوجه التشريعي المنتهج في تحديد هيكلة مجلس المنافسة و صلاحياته والمساطر
المتبعة أمامه، والتي لها انعكاسات سلبية على صلاحيات المجلس المرتبطة بمراقبة
عمليات التركيز، و نواقص مرتبطة بشكل خاص بتأطير المشرع المغربي لدور المجلس في مراقبة
عمليات التركيز، لهذا جاءت مستجدات مشروع القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية
الأسعار و المنافسة و المشروع رقم 20.13 المتعلق
بمجلس المنافسة لتدارك هذا النوع من النواقص.
هكذا و فيما يتعلق بهيكلة مجلس المنافسة نجد المشرع في
مشروع القانون رقم 20.13 قد تخلى عن الطابع الإداري الذي كان يطغى على تركيبة
المجلس حيث أصبحت الإدارة ممثلة بمندوب حكومي واحد ليس له صوت تقريري،
كما أن المشرع ألزم تبعا لمقتضيات للمادة 11 من مشروع القانون رقم 20.13 كل من رئيس المجلس ونوابه بممارسة مهامهم بشكل
دائم، لكن لابد أن نشير إلى أن المشرع قرر أن تعيين أعضاء المجلس يتم بناء على
اقتراح السلطة الحكومية عوض أن يتم ذلك بناء على اقتراح رئيس المجلس وبتشاور مع
السلطة الحكومية وفقا لما كان عليه الأمر في مسودة التعديل التي سبقت صدور مشروع
القانون، و هذا يشكل تراجعا عن جهود تعزيز استقلالية الآراء والقرارات الصادرة عن
مجلس المنافسة.
وفيما يتعلق بالتعديلات المرتبطة بالمساطر المتبعة أمام
مجلس المنافسة، نجد مشروع القانون رقم 20.13 يعطي لمجلس المنافسة سلطة الإحالة
الذاتية التي تشمل الحالات المرتبطة بعمليات التركيز المنجزة دون تبليغ، كما عمل
مشروع القانون 104.12 من جهته على توسيع الجهات التي يمكنها الإخبار عن عمليات
التركيز المنجزة دون تبليغ إلى مجلس المنافسة لتشمل المنشآت المنافسة،
وهذا التعديل سيكون له وقع إيجابي على تعزيز الدور الوقائي لمجلس المنافسة في ما
يتعلق بمشاريع و عمليات التركيز غير المبلغة، حيث سيمكن المجلس من التحريك
التلقائي لمسطرة مراقبة المشروع أو
العملية بعد أن يعلم بها من مصادره الخاصة أو بعد إبلاغه من طرف أحد المنشآت
المنافسة العاملة في نفس السوق.
يجب أن ننبه إلى أنه خلافا لباقي أبواب قانون حرية
الأسعار و المنافسة فإن الباب المتعلق بعمليات التركيز الاقتصادي تم تعديله بشكل
كامل وشامل وتم تجديد كل مواده، بحيث شمل
التعديل مسطرة الفحص التي أصبحت تنقسم إلى مرحلتين مرحلة الفحص المبسط و مرحلة
الفحص المعمق، حيث يقتصر دور مجلس المنافسة في مرحلة الفحص المبسط في البحث عن ما
إذا كان لمشروع التركيز آثار سلبية على المنافسة في السوق المرجعية، و ذلك داخل
أجل ستين يوما،
وفي الحالة التي يخلص فيها المجلس إلى عدم وجود شكوك بشأن إمكانية ترتيب مشروع
التركيز لأثر سلبي على المنافسة يقف الفحص عند هذا الحد، أما إذا تم التوصل إلى
وجود مثل هذه الشكوك فإنه يتم المرور إلى مرحلة الفحص المعمق، التي يتم فيها تحديد
حجم و نوع الآثار السلبية لمشروع التركيز والبحث عن مدى كفاية النتائج الاقتصادية
للتعويض عن هذه الآثار وذلك داخل أجل تسعين يوما،
و هذا التقسيم من شأنه تبسيط المسطرة وتسريعها بما ينعكس إيجابا على انتظارات
أطراف عملية التركيز المفتحصة، خاصة وأنه في الحالة التي لا تطرح فيها أي شكوك حول
آثار إتمام مشروع التركيز على الوضع المستقبلي للمنافسة، فإنه يتم إصدار قرار
التصريح دون البحث عن الآثار الاقتصادية
الايجابية للمشروع التي لا يكون للبحث عنها أي جدوى في هذه الحالة.
والملاحظ أن
آجال البت في عملية التركيز بقيت هي نفسها المنصوص عليها في المقتضيات الحالية حيث
لم يمسها أي تغيير سوى في طريقة احتساب الآجال التي أصبحت بالأيام عوض الشهور، بل
أكثر من ذلك نجد أن التعديل الجديد يقرر إمكانية توقف هذه الآجال وتمديدها،
وللإدارة أجل عشرين يوما من تاريخ التوصل أو الإخبار لإعمال سلطة التصدي فيما
يتعلق بالقرارات الصادرة عن المجلس في
مرحلة الفحص المبسط، و ثلاثين يوما فيما يتعلق بالقرارات الصادرة عن مرحلة
الفحص المعمق.
كما أن المشرع المغربي تطرق في مواد مشروع القانون
رقم 104.12 التي أصبح في ظله مجلس المنافسة هو الذي يملك
سلطة اتخاذ مختلف القرارات والتدابير التي تهم مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي،
إلى مسألة فرض احترام الأطراف لالتزاماتهم و تعهداتهم وتنفيذ القرارات و الأوامر
الصادرة عن المجلس بشيء من التفصيل و الدقة، وذلك من خلال منح المجلس سلطة توقيع
الجزاءات المناسبة في كل حالة على حدة، أما بالنسبة لآليات تتبع تنفيذ القرارات و الأوامر فإنه وإن لم يتم الإشارة إليها
قي مواد المشروع الجديد، إلا أننا نرى أن من شأن منح مجلس المنافسة الشخصية
المعنوية والاستقلال المالي بالإضافة إلى سلطة الإثارة التلقائية و إمكانية تعيين
موظفين مكلفين بالأبحاث تابعين له، تمكين المجلس من اعتماد آليات تضمن تتبع احترام
الأطراف لتعهداتهم وتنفيذ قراراته
وأوامره.
المطلب الثاني : تدخل هيئات النظامة القطاعية والقضاء في مراقبة
عمليات التركيز
عمل المشرع في مشروع القانون الجديد على تقليص مجال تدخل القضاء وحصره في
الرقابة على القرارات الصادرة بشأن مسطرة المراقبة (الفقرة الثانية) تماشيا
والتوجهات الدستورية التي عززت من صلاحيات مجلس المنافسة في حماية المنافسة في السوق الوطنية، لكن مع ذلك هذه التوجهات الدستورية تبقى عاجزة عن جلاء عدم الحسم
والغموض الذي يميز ولازال تدخل الهيئات
القطاعية في مراقبة عمليات التركيز (الفقرة الأولى).
الفقرة الأولى: عدم
الحسم في حدود تدخل هيئات النظامة القطاعية في مراقبة عمليات التركيز
أدت موجة تحرير النشاطات
الاقتصادية المحتكرة من طرف الدولة التي انطلقت في أواسط سبعينيات القرن الماضي،
إلى ضرورة التفكير في خلق هيئات نظامة قطاعية تشرف على عملية انتقال هذه القطاعات
من وضعية الاحتكار إلى وضعية التحرير وترسي أسس المنافسة فيها، وهكذا تم خلق مجموعة
من هيئات النظامة القطاعية بهدف العمل على إعادة تقنين القطاعات المحررة عن طريق
قواعد قانونية أكثر ملائمة لفلسفة التحرير تنظم ولوج الفاعلين الاقتصاديين لهذه
القطاعات، ومن
أهم هذه الهيئات نجد الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات،
المجلس الأعلى للاتصال السمعي البصري، بنك المغرب، الهيئة الاستشارية للتأمينات
التابعة لوزير الاقتصاد والمالية.
الملاحظ أن صدور القوانين المنظمة
لاختصاص بعض هذه الهيئات المتعلق بنظامة وتقنين المنافسة في القطاعات المكلفة بها
تزامن مع غياب نشاط مجلس المنافسة، الذي لم ينطلق حتى حدود سنة 2009، كما أن عدم تنظيم
المشرع بشكل دقيق لمبادئ توزيع الاختصاص و آليات التعاون بين كل من هذه الهيئات
وهيئات النظامة العامة ممثلة بالوزير الأول و مجلس المنافسة، أدى إلى ظهور إشكال حدود
اختصاص هذه الهيئات بنظامة المنافسة بشكل عام، وتدخلها في مراقبة عمليات التركيز
بشكل خاص.
وهذا الأمر ينطبق بشكل خاص على
الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات، فالقانون المحدث للهيئة الذي صدر قبل صدور
قانون حرية الأسعار المنافسة لم يكن يضم أي اختصاصات للوكالة فيما يرتبط بنظامة
المنافسة في قطاع الاتصالات، لكنه سرعان ما تم تعزيز صلاحية الوكالة بعد صدور
قانون حرية الأسعار والمنافسة بموجب القانون رقم 01-55 الصادر بتاريخ 4 نوفمبر
2004 المغير و المتمم للقانون رقم 96-24 المتعلق بالبريد و المواصلات الصادر ب 7 غشت
1997، حيث تم الحفاظ على مهام الوكالة
المتعلقة بالنظامة القانونية والتقنية والاقتصادية إلى جانب تعزيز مهامها المتعلقة
بالنظامة التنافسية لقطاع الاتصالات، حيث نصت المادة 8 مكرر على أنه " تناط
بالوكالة الوطنية لتقنين المواصلات مهمة السهر على احترام المنافسة المشروعة في
قطاع المواصلات وتبت في النزاعات الخاصة بها ولاسيما تلك المتعلقة باحترام المواد
6 و 7 و 10 من القانون 06.99 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة".
يتضح من خلال هذه المادة أن للوكالة اختصاص
النظر في الممارسات المنافية للمنافسة المنظمة في المادة 6 و 7 من القانون رقم
06.99، و كذلك مراقبة عمليات التركيز في قطاع الاتصالات وفقا للمادة 10 من نفس
القانون، ولقد تعززت هذه المادة بصدور المرسوم التطبيقي رقم 2005.772 بتاريخ 13
يوليوز 2005 المتعلق بالإجراءات المتبعة أمام الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات
فيما يتعلق بالنزاعات والممارسات المنافية لقواعد المنافسة وعمليات التركيز
الاقتصادي، حيث تم تخصيص الباب الثاني من القسم الثاني من هذا المرسوم التطبيقي
للإجراءات المتعلقة بتسوية النزاعات المرتبطة بعمليات التركيز الاقتصادي ( المواد
من 31 إلى 35)، والملاحظ أن هذه المواد تعطي صلاحيات للوكالة تعادل الصلاحيات
المعطاة للوزير الأول في مجال مراقبة هذه العمليات وفقا لمقتضيات القانون 06.99،
حيث أن الوكالة هي المكلفة بتلقي التبليغات وهي التي تصدر القرارات بشأن مشروع
عملية التركيز.
من الواضح أن هذه النصوص التشريعية
من شأنها أن تؤدي لوقوع تنازع في الاختصاص بين الوكالة و هيئة النظامة العامة أي
الوزير الأول و مجلس المنافسة في ما يخص مراقبة مشاريع عمليات التركيز التي يتم
إنجازها في سوق الاتصالات، على اعتبار أن كل من المادة الأولى والمادة 10 من
القانون 06.99 تحددان اختصاصا عاما لهيئة النظامة العامة في ما يتعلق بمراقبة
عمليات التركيز كيفما كان شكل النشاط الاقتصادي، وبغض النظر عن القطاع الذي تمارس
فيه هذه النشاطات.
ولعل وعي الجهات الرسمية بحجم هذا الإشكال، وبضرورة
تنزيل مقتضيات دستور 2011، الذي منح في فصله 166 مجلس المنافسة اختصاصا عاما و
مجردا في كل ما يتعلق بالممارسات المنافية وعمليات التركيز، ثم أتت مسودة مشروع
القانون المعدل للقانون 06.99 ليس فقط للتأكيد على الطبيعة العامة لاختصاص المجلس
بل و لتنص بشكل صريح في المادة 126 على أنه " تنسخ أحكام المادة 8 مكرر من
القانون رقم 24.96 المتعلق بالبريد والمواصلات اللاسلكية كما تم تغيره وتتميمه
بموجب القانون رقم 55.01"، لكنه سرعان ما تم التراجع عن هذه الصيغة في مشروع
القانون 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة بالنص في المادة 109 على أنه
" ما عدا الحالات التي تكون فيها العلاقات بين مجلس المنافسة خاضعة للنصوص المحدثة
للهيئة المذكورة، يتم الشروع في تطبيق اختصاص مجلس المنافسة كما تم التنصيص عليه
في هذا القانون، إزاء القطاعات التابعة لهيئات التقنين الأخرى، في تاريخ يحدد
بمرسوم ".
فهذه المادة تميز بين الحالة التي تكون فيها العلاقة بين
مجلس المنافسة والهيئة القطاعية محددة سلفا في إطار النصوص الخاصة بهذه الهيئات
فهذه الحالة تبقي هذه النصوص سارية المفعول حتى بعد دخول المشروع حيز التطبيق، أما
الحالة الثانية التي نظمتها المادة 109 من المشروع فهي المتعلقة بالقطاعات الأخرى
التي لا يمكن للمجلس حسب نص هذه المادة تطبيق اختصاصاته بشأنها إلا بعد صدور مراسيم
تطبيقية بشأن ذلك، فحسب رأي الأستاذ هشام بوعياد هذه الحالات تطرح عدة إشكالات من
أبرزها تناقضها مع مقتضيات نص المادة 166 من الدستور التي منحت اختصاص عام للمجلس بكل
ما يتعلق بالمنافسة، والتي لم تستثني أي قطاع اقتصادي و لم تحل على أي استثناءات
تقيد هذ الاختصاص العام.
الملاحظ أن المادة 109 من مشروع القانون رقم 104.12 من شأنها أن تعمق الهوة بين كل من مجلس
المنافسة وباقي الهيئات القطاعية، فعوض أن تكون العلاقة بين المجلس و الهيئات
القطاعية مبنية على أسس العمل المشترك و التنسيق و تبادل الخبرات، ستصبح هذه
العلاقة مبنية على تنافس الاختصاص ( rivalité de compétence ) ، مما سينتج عنه عدم تفعيل
للمقتضيات المتعلقة بحماية المنافسة بشكل عام و بمراقبة عمليات التركيز بشكل خاص.
لكن يبقى أن نشير في آخر هذه الفقرة إلى مسألة إيجابية -
وإن كانت لن تحل الاشكالات السابقة لكنها قد تخفف من وطئتها - أتى بها مشروع
القانون رقم 12.13 في المادة 8 منه، حيث تتيح هذه المادة الإمكانية لمجلس المنافسة
لطلب رأي هيئات النظامة القطاعية المعنية بقضايا المنافسة المتعلقة بقطاعات النشاط
الذي تتحمل مسؤوليته، كما أجاز للمجلس أن يستأنس بكفاءات وخبرات هذه الهيئات
لتلبية حاجيات البحث و التحقيق كلما اقتضت الضرورة ذلك، وبهذا يكون المشرع قد حاول مد جسور قانونية يمكن من خلالها ضمان
التنسيق والتعاون بين هيئات المنافسة القطاعية ومجلس المنافسة.
يتمتع القاضي الوطني بدور جد هام في تطبيق قانون المنافسة بمختلف فروعه،
لكن هذا التدخل قد يتسع أو يتقلص في كل فرع من هذه الفروع، فإن كان الدور
القضائي يتسع في تطبيق قواعد المنافسة المرتبطة بالممارسات المقيدة للمنافسة فإنه
يقل فيما يرتبط بقواعد الممارسات المنافية للمنافسة، ويصبح هذا التدخل جد محدود
فيما يتعلق بإعمال المراقبة على عمليات التركيز الاقتصادي، نظرا لخصوصيات السياسات
التشريعية لهذا الفرع والمرتبط أساسا بكونه يتعلق بسياسات اقتصادية تحرص هيئات
إدارية خاصة على تطبيقها، لعل هذا ما دفع المشرع المغربي في مشروع القانون رقم
104.12 إلى إعادة النظر في مجال تدخل القضاء في مسطرة مراقبة عمليات التركيز، خاصة
في الشق المتعلق بسلطة إيقاعه للجزاءات في حالة مخالفة الأطراف المعنية لمقتضيات
المراقبة ( أ)، لكنه في المقابل لم يحسم
في أساس تدخل القضاء في إعمال الرقابة على القرارات الصادرة بشأن مراقبة عمليات التركيز (ب).
إن تعدد الإشكالات التي تحد من تدخل القضاء على مستوى
توقيع الجزاء في حالة مخالفة مقتضيات وقرارات المراقبة المتعلقة بعمليات التركيز،
جعل أحد الآراء الفقهية تخلص إلى القول بأن المشرع المغربي في القانون
رقم 66.09 لم يكن موفقا عندما اختار أن تكون الجهة التي لها سلطة مراقبة عمليات
التركيز ليست هي نفس الجهة التي تملك سلطة الجزاء في حالة خرق القواعد والقرارات الصادرة
بشأن المراقبة، وذهب نفس الرأي السابق إلى ضرورة إعطاء سلطة الجزاء للجهة المختصة
أصلا بمراقبة عمليات التركيز ضمانا لتفعيل مقتضيات هذه المراقبة، مع إعادة النظر
في مقدار ونوعية الجزاءات الممكن تقريرها في حالة مخالفة الأطراف المعنية للقواعد
والقرارات الناتجة عن المراقبة.
وهكذا نجد أن مشروع القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية
الأسعار والمنافسة أتى بمستجدات تتماشى مع المقترحات السابقة، حيث بعد أن أصبحت
مراقبة عمليات التركيز الاقتصادي بناء على مقتضيات القسم الرابع من هذا المشروع
بيد مجلس المنافسة مع حفظ إمكانية التصدي لقراراته للإدارة في حدود معينة، عمل
المشرع في هذا المشروع من خلال المادة 19 على منح المجلس سلطة اتخاذ الجزاءات في
حالة خرق المنشآت أطراف عملية التركيز لمقتضيات المراقبة، حيث تم التنصيص على
العقوبة المالية التي يمكن للمجلس فرضها على المنشآت المعنية أو الأشخاص الذاتيين
حسب الأحوال، في حالة عدم تبليغ العملية، أو تضمين هذا التبليغ معلومات غير صحيحة،
أو عدم القيام بتنفيذ عملية التركيز قبل صدور قرار المجلس، أو عدم احترام تنفيذ
هذه القرارات، وهذه الغرامة أصبحت تتمثل في نسبة 5% من رقم الأعمال فيما يتعلق
بالمنشآت المعنية، وتتراوح بين 2% و 5%
وفق لنص المادة 70 من ق.ح.أ.م. الحالي، أما بالنسبة للعقوبة المالية التي يمكن أن
تفرض على الأشخاص الذاتيين فقد تم الرفع منها في مشروع القانون لتصل 5.000.000
درهم عوض العقوبة المالية التي كانت تتراوح بين 200.000 درهم و 2.000.0000 درهم
وفقا لنص المادة 70.
كذلك نص المشرع
في نفس المادة على آليات أخرى لدعم سلطة الجزاء التي يملكها المجلس خاصة في الحالة
التي لا تنفذ فيها المنشآت والأطراف المعنية تعهداتها أو الأوامر أو التعليمات
المضمنة في قرارات المجلس أو في قرارات الإدارة، حيث يمكن للمجلس في هذه الحالة
اللجوء لإجبار تلك المنشآت على التنفيذ تحت طائلة الغرامة التهديدية، كما يمكنه أن
يقرر سحب الترخيص مع ضرورة الرجوع إلى الحالة السابقة، وهذه التعديلات من شأنها أن
تشكل إضافة نوعية على مستوى تفعيل نظام مراقبة عمليات التركيز.
-ب- عدم الحسم في أساس تدخل القضاء في
إعمال الرقابة على القرارات الصادرة بشأن
مراقبة عمليات التركيز
جاء مشروع القانون رقم 104.12 بمستجد هام يتعلق بالجهة
القضائية التي لها حق النظر في الطعون المتعلقة بتلك القرارات، فقد نصت المادة 44
منه على أنه ترفع الطعون ضد قرارات مجلس المنافسة بشأن مراقبة عمليات التركيز
الاقتصادي وقرارات الإدارة في إطار مسطرة التصدي
أمام المحكمة الإدارية بالرباط التي تبت فيها نهائيا، وتنصيص المشرع في
المادة السابقة الذكر على أن المحكمة الإدارية تبت بصفة نهائية في الطعن الموجه ضد
القرارات الصادرة بشأن عمليات التركيز يوجب القول بأنها تنظر في هذه الطعون بصفتها
جهة نقض وليس بصفتها جهة استئناف، ولعل التنصيص على ذلك يرجع لرغبة المشرع في تجنب
إطالة أمد النزاع، الذي قد ينتج عن تعدد مراحل الطعن، وهذا ما يسعى كل من الأطراف المعنية والجهات المكلفة
بالمراقبة لتفاديه بالنظر لحجم الآثار السلبية التي قد تنتج عن تأخر الحسم في
مشروعية القرارات المتعلقة بهذه العمليات.
ما سبق يجرنا كذلك إلى الحديث عن إشكال تطرحه عمومية
وعدم دقة النصوص المرتبطة بتحديد أساس
تدخل القضاء للرقابة على القرارات الصادرة بشأن عمليات التركيز، فسواء النص الحالي
للمادة 46 من القانون 06.99 أو المادة 44 من مشروع القانون رقم 104.12، لا تحددان
بشكل دقيق الأساس الذي تقوم عليه رقابة القضاء الإداري لهذه القرارات، بمعنى هل
هذه الرقابة تتم بناء على أساس دعوى الإلغاء أم دعوى القضاء الشامل أم هما معا ؟
الإجابة عن هذا السؤال ضرورية وجد هامة نظرا لتفاوت حجم صلاحيات القاضي في كل من
هاتين الدعوتين.
فإذ قلنا بأن رقابة القضاء للقرارات الصادرة بمناسبة
المسطرة المتعلقة بعملية التركيز الاقتصادي تتم بناء على أساس دعوى الإلغاء، فإنه
سيكتفي القضاء بمراقبة مشروعية قرار منح أو عدم منح الترخيص لإنجاز العملية، فإذا
تبت عدم مشروعية هذا القرار يتم إلغائه دون النطق
بالقرار الصحيح، أما إذا قلنا بأن القضاء سيتدخل بناء على دعوى القضاء
الشامل فإنه في هذه الحالة يكون له بعد أن يلغي قرار الهيئة المختصة أن يحكم
بالقرار الذي كان يجب اتخاذه أي بمعنى أن يصرح بإمكانية إنجاز عملية التركيز أو
بعدم إنجازها.
وحتى نجيب عن إشكال أساس رقابة القضاء الإداري على القرارات
المتخذة بشأن عمليات التركيز وجب علينا البحث في الفقه قبل الانفتاح على مواقف
الفقه والقضاء المقارنين من هذه النقطة، بالنسبة للفقه المغربي لا نجد سوى الأستاذ
محمد الهيني الذي تطرق لهذه النقطة في سياق عام ألا وهو طبيعة الرقابة القضائية
على أعمال هيئات النظامة بشكل عام، ويرى أستاذنا الهيني أن هذه الرقابة تكون أساسا
عن طريق دعوى القضاء الشامل حيث يذهب إلى القول بأن : " من وجهة نظرنا نعتقد
أن مراقبة القاضي لا تقتصر عند إلغاء المقرر الإداري المطعون فيه إذا تبتت عدم
مشروعيته إنما إصلاحه وتعويضه" ويؤسس لرأيه هذا بناء على اجتهاد المجلس
الدستوري الفرنسي الذي صدر بمناسبة تناوله لموضوع الضمانات الممنوحة لأصحاب رخص
استغلال مرافق الاتصال السمعي البصري وذهب فيه إلى أن كل قرار إداري يوقع عقوبة يمكن أن يكون موضوع
طعن أمام مجلس الدولة بموجب دعوى القضاء الشامل.
هذا الرأي العام
قد لا يكون كافيا للإجابة عن الإشكال الخاص المتعلق بعمليات التركيز دون غيرها و
خاصة إذا كانت النصوص الحالية للقانون رقم 06.99 تعطي سلطة الجزاء للمحاكم الزجرية
وليس للجهة التي تعمل المراقبة على عمليات التركيز، إلا أنه قد يشكل جزءا من هذه
الإجابة بالنظر للمستجدات التي أتى بها المشرع في مسودة القانون المعدل التي أصبحت
فيها سلطة المراقبة والجزاء متركزة في يد واحدة، وبالتالي يمكننا القول أنه إذا
كان القرار الصادر بشأن عمليات التركيز يتضمن جزاء ماليا فإنه في هذه الحالة يبت
في الطعن الموجه ضد هذا النوع من القرارات بناء على دعوى القضاء الشامل.
أما فيما يخص التشريع الفرنسي فهو كذلك لم يتطرق بشكل
صريح لنوع الدعوى الذي يمارس من خلالها مجلس الدولة الفرنسي رقابته على قرارات
هيئة المنافسة بشأن عمليات التركيز الاقتصادي، لكننا نجد الفقه الفرنسي يجمع على
كون الطعن في هذه القرارات يتم أساسا عن طريق دعوى الإلغاء،
ونجد الاجتهادات القضائية لمجلس الدولة الفرنسي تذهب في نفس التوجه لكنها تقرر
استثناء مفاده أنه في حالة تعلق القرار بجزاءات مالية فإنه يتم النظر في طلب النقض
بناء على دعوى القضاء الشامل، وهذا ما نمثل له بأحد القرارات الحديثة لمجلس الدولة
الفرنسي، ففي قرار له صادر بتاريخ 21 دجنبر 2012 رقم 353856 في قضية تتعلق بعملية
تركيز استحوذت بموجبها مجموعة "CANALPLUS" على
مجموع مساهمة شركة "TPS" في
شركة " CANALSAT"،
كان قد رخص لها من طرف هيئة المنافسة تحت شرط احترام المجموعة ل 59 التزام، وبعدما
تبت للهيئة عدم احترام المجموعة لمعظم تلك الالتزامات أصدرت قرارا يضم تحمل
المجموعة جزاءات مالية إضافة إلى سحب الترخيص ووجوب إعادة المسطرة من جديد، ثم صدر
قرار ثان عن الهيئة بعدما تمت إعادة المسطرة بالتصريح للمجموعة مرة أخرى لإنجاز العملية
لكن تحت شرط احترام 33 التزام، قامت المجموعة بالطعن في كل من القرار المتضمن
للجزاءات المالية وقرار الترخيص الأخير، فقرر المجلس الدستوري أنه بناء على أن
القرار المطعون فيه تم وفقا للتدابير المتخذة في إطار المادة 8-430 من مدونة
التجارة والتي لها طابع الجزاء، فإن المجلس سيبت في الطلبات المثارة أمامه بناء
على دعوى القضاء الشامل.
- نوال الرحموني، حرية الأسعار وتنظيم المنافسة في القانون
المغربي، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون
الخاص، جامعة محمد الأول كلية العلوم القانونية
و الاقتصادية و الاجتماعية بوجدة، السنة الجامعية 2008-2009، ص. 341.
- Louis et Joseph VOGEL, « La
réforme du contrôle communautaire des concentrations : le débat est
lancé », JCP E, N0
6, 7 février 2002, P. 5.
- Michel GALIS, Concentration des
entreprise & Droit de la concurrence, Economica,
Paris, 2010, P. 90.
[39]- فؤاد معلال، " ضوابط المنافسة وفق أحكام القانون التجاري
المغربي الجديد"، م.ق.إ، العدد 19، 2000، ص. 123 و 124.
[41] -
Frédéric de BURE et Lanis CIRGENSON, « Le Pouvoir D’intervention Du
Ministre De L’économie En Matière De Contrôle Des Concentrations », RLC, N0
18 Janvier/Mars 2009. P. 12.